بعد فترة قصيرة، أدرك كل من نيكولاي وبابتيسكي فجأة أنهما قد بقيا وحدهما دون أن ينتبها. كانت المحادثات التي كانت تدور بينهم وبين الآخرين قد توقفت منذ فترة، إذ كانوا يعتقدون أن هناك من يستمع خلفهم.
في ذلك الوقت، كان كل منهما يجلس بصمت يراقب صنارته، والأسماك تتراكم في دلائهم دون أي حديث. قطع نيكولاي الصمت فجأة:
"كما تعلم، والدايّ كلاهما قد رحلا."
"ماذا؟"
"لهذا، أردت أن أسألك كيف يمكنني أن أكون زوجًا صالحًا. فأنت أب وزوج جيد، أليس كذلك؟"
هز بابتيسكي رأسه رافضًا.
"لو كنت قد منعت زوجتي من الإنجاب عندما أرادت ذلك، لربما كانت ستعيش لفترة أطول. كنت أعتقد أن علينا الحفاظ على سلالة العائلة. لو أنها لم تتزوج برجل وحيد مثلي، لما شعرت بهذا العبء الثقيل."
"لم ألتقِ بدوقة سميرنوف من قبل، ولا أعرف الكثير عنها، لكنها لم تكن لتنجب فقط لتواصل سلالة العائلة، أليس كذلك؟"
"......."
"عندما يقع المرء في الحب، يرغب في تكوين أسرة مع من يحب، ويريد رؤية أطفال يشبهون ذلك الشخص."
كان نيكولاي أحيانًا يتخيل مثل هذا المستقبل، حيث يركض أطفال يشبهون كاتيا في حدائق القصر. ولكن، كان هذا مجرد حلم بعيد المنال.
بينما كان بابتيسكي يستمع لكلام نيكولاي، ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة. رغم أنه كان يبدو على ما يرام، إلا أن الحنين لزوجته كان يعود إليه في بعض الأحيان كأمواج عاتية.
كانت دوقة سميرنوف قد اختارت إطالة عمرها قليلاً لتحصل على سعادتها المزدوجة. كان هناك أشكال مختلفة من السعادة لكل شخص في هذا العالم. عندما احتضنت طفلتها الأولى بعد الولادة، أدركت أن سعادتها لم تكتمل إلا بوجود زوجها المحبوب وأطفال يشبهونها.
مشاهدة بناتها يكبرن كانت متعة لا تقدر بثمن بالنسبة لها، لذلك، لم تندم على قرارها حتى في لحظات رحيلها، بل كانت تشعر بالحزن فقط لأنها لم تستطع البقاء مع أحبائها لفترة أطول.
في تلك اللحظة، بينما كان بابتيسكي يسحب الصنارة، شدّ الخيط بشدة وكاد أن يسقط من كرسيه، فركض نيكولاي ليساعده. عمل الرجلان معًا، مستخدمين كل قوتهما لإخراج السمكة الكبيرة التي قفزت من الماء ثم قطعت الخيط وعادت إلى الأعماق.
سقط الاثنان أرضًا معًا من جراء الجذب المفاجئ.
"هل رأيت ذلك؟"
"نعم، رأيته. كان ذلك المخلوق الأسطوري. هل رأيته من قبل؟"
"لا، إنها المرة الأولى التي أرى فيها شيئًا كهذا."