الفصل101 الجزء2 عودة الخيول لساحة العراك

5.2K 199 23
                                    

"روايـة غَـــوثِـهِـمْ"
"الفصل المائة وواحد_الجزء الثاني"
    
                   "يــا صـبـر أيـوب"
        ______________________

مُبكيةٌ هي نونيّة القحطاني،
ومنها ما يقول:

وَنَشَرْتَ لِي في العَالَمِينَ مَحَاسِنًَا
‏وَسَتَرْتَ عَنْ أبصَارِهِمْ عِصْيَانِي

‏وَاللهِ لو عَلِمُوا قبِيحَ سَرِيرَتِي
‏لَأَبَى السَّلَامَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي

‏وَلَأَعْرَضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي
‏وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِي.
____________________________________

لقد كان العالم قاسيًا بما يكفي مع شخصٍ مثلي..
قاسيًا لتلك الدرجة التي جعلتني كل يومٍ أرافق الوحدة في الليلِ وأنا أتساءل هل تلك القسوة التي رماها العالم في وجهي كأنها صفعات تتوالى وتسقط بغير رحمةٍ كان قلبي يومًا يستحقها؟ هل حياة شخصٍ مثلي رقيق القلب يخشى خدش أحدهم ولو بمجرد نظرة عينٍ يستحق أن تُدمي الكلمات قلبه؟ لقد كنت دومًا الطرف الأكثر صمتًا أمام قتل الكلمات لي بطعناتٍ غادرة، ولعل ما أثار حزني يومًا ما هو أن تلك الكلمات التي قتلتني لم تخرج إلا من فم عزيزٍ كنت أحسبه بمقام كل عزيزٍ..
لكن لا بأسٍ لطالما كنت الطرف الذي اختار بكل طواعيةٍ منه أن يصمت ويتقبل جروح الكلمات له بصدرٍ رحب؛ بدلًا من ردها الصاع باثنين فيمكنني أن أهنأ بنومٍ رحبٍ وأنا المظلوم في قصتي ظالمٌ في قصص الآخرين، لكني أثق في قلبي تمام الثقة أنه حتى لو تعرض للظلم من أحدهم لن يجرؤ أن يرد الظلم ظُلمات حتى ولو في قلب القُساة عليه كما فعلوا هُم وغادورا تاركين خلفهم كلماتٍ لم تغادرني، كلماتٌ لطالما كان أثرها في قلبي عالقًا كما أثار الجروح الناتجة عن حروقٍ،
لذا أيها العالم، هذا هو قلبي وهذه هي قسوتك..

   <"كان صديقي وجداري يوم أن سقطت عليَّ الجدران">

من بين كل العالم الظالم سوف ينصفك شخصًا واحدًا..
شخصٌ ليس كما هؤلاء المُدعين الذين تخلوا عنك حينما سقطت الجدران وإنما هذا سوف يدخل وسط الجدران يمسك بيدك ويجرك من أسفل الركام، هذا الذي سوف تجده في الطريق صُدفةً يوم أن تهزمك كل الطُرقات، شخصٌ لو أخبره العالم عن مدى قُبحك لن يجرؤ حتى يستمع لبقية الكلمات دون أن يسترد لك حقك من العالم..

أثناء خلوته وهو وحده فُتِح الباب فجأةً عليه وأقترب صاحب القلب الحنون يجلس على عاقبيه ثم مد كفه يمسح فوق خصلاته، وحينها رفع "يـوسف" رأسه بتروٍ ليراه أمامه، كان يبكي وبمجرد أن وجده أمامه فرغ فاهه وتوسعت عيناه لا يصدق أنه أمسى أمامه، بينما "أيـوب" فابتسم له برفقٍ وقال بصوتٍ غلبه الحزن على حال رفيقه:

_هون عليك فما هي إلا دنيا..

وقبل أن يكمل كان "يـوسف" ارتمى عليه وتشبث به بقوةٍ ثم صرخ باكيًا بقهرٍ كأنه يشكو له قسوة أيامه، لم يجرؤ أن يتحدث بحرفٍ بل فعلها صوت أنفاسه المُضطربة، لم يجد من الكلام فصيح الشكوى لكن قبضة يده الواهنة فعلت، لم يستطع أن يعبر عن كمد روحه لكن صوت ضربات قلبه كان الدليل على ذلك، وقتها كان كمن ألقى نفسه في قارب النجاة بعد أن وجده وسط الطوفان، كلاهما كان في أشد الاحتياج لهذا العناق كي يترك قلبه يبكي قبل عينيه، ضمه "أيـوب" بقوةٍ والآخر يرتجف بين ذراعيه من قسوة الذكريات عليه ومما فعلته به دماغه..

رواية غوثهم يا صبر ايوب الجزءالثانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن