هذا هو الكبير وها أنا هنا أحارب شبحه..
خرج كارتال من باب المحكمه وهو يتنفس بعمق، فالإسبوعان اللذان قضاهما في السجن كانا كأنهما أعوامًا.. نظر حوله لوهله، وكما توقع لم يأتي أحدًا.. ولماذا يأتون أساسًا؟ نزع سترته بعنف وهو يتجه نحو الطريق ليأخذ تاكسي، ولكنه توقف عندما لمح مراد يتكئ على السياره وعينيه على هاتفه الذي في يده، ليتقدم نحوه كارتال وهو يهتف: أذن أنت المُخلص الوحيد الذي بقي يامراد؟، ليلتفت مراد وأبتسم، ليقل: الحمدلله على سلامتك ياسيدي، صعد كارتال للسياره، ليصعد مراد هو الآخر.. وعلى بُعد مسافه في منزل صالح، خرجت ليلى من أحد الغرف لتتقدم نحو صالح وأبنه الذي يستلقي في حضنه وهو يعبث بالهاتف، لتقل وهي تجلس تنظر إلى إدريس: أنه يقضي أغلب وقته على الهاتف وهذا سيء، لينظر إليها صالح بقلةِ حيله: وماذا بوسعي أن أفعل؟، لتُجيب وهي تُمعن النظر في إدريس: يشعر بالملل.. لذلك لايجد سوى الهاتف لكي يبعد هذا الملل، أبعد صالح عينيه بتعب، ليقل: أعلم.. فهو وجد نفسه عالقًا مع أبيه قليل الخير هنا.. لتنظر ليلى بعتب، لتقل: لا تقل هذا.. ليس ذنبك ياصالح، كل شيء تغير عليه فجاءه، ويحتاج وقتًا لكي يتأقلم، وإستقامت بهدوء تتقدم نحوهم، لتنحني بالقرب من إدريس، وسحبت الهاتف ببطء من بين يديه، لتقل وهي تبتسم: ما رأيك أن ندردش قليلاً أيها الصغير؟، أدار صالح عينيه بعيدًا، وقد ركز على كلمة "الصغير" فهاهي تُشابه أخيها في الكلام.. لتهتف ليلى بعد لحظات: صالح! أنظر إلى أبنك يقول بأن شعري القصير لايعجبه، فلتتّ من صالح ضحكة خفيفه، لينظر إليها وهو يضحك، ليهتف الصغير: هو جميل ولكن أمي كان شعرها طويل، لذلك الشعر طويل جميل، لتنقلب ملامح صالح وتلاشت ضحكته، وليلى التي نظرت بحزن، رفع صالح يديه يمسّد على مقدمة رأسه، بينما التفت الصغير لوالده، ليقل ببراءه: أنا أشتقت لأمي يا أبي، عمّ الصمت للحظه وكأن الوقت قد توقف.. لتنظر ليلى لصالح الذي أصبحت حركته وهو يسمّد رأسه أكثر عنفًا، وكأنه يريد إبعاد وجعًا يعبث بعقله وقلبه في آنٍ واحد، تنهدت بحزن فهي تعلم أنه يحاول أن يظل قويًا من أجل أبنه، ولايريد لأبنه أن يراه ضعيفًا أو محطمًا، لتلتفت لإدريس الذي كانت كلماته بسيطه، ولكنها توضح خلفها شوقًا عميقًا، شوق لأمان ودفء حضن الأم.. فالأم هي التي تكون معك في كل لحظه.. في كل وقت.. فإدريس كان مُتعلقًا بوالدته جدًا، لتقل وقد أقتربت أكثر: إدريس.. أعلم أنك تشتاق إليها، وأفهمك لأنني أنا أيضًا أشتاق لأمي.. ولكنها هُنا "قالتها وهي تؤشر على قلب إدريس" وتذكر أنها مهما غابت فهي معك وتراك وتسمعك.. لتُدير عينيها بهدوء نحو صالح الذي لازال على حاله، لترفع يدها ووضعت كفّها على كف صالح، لتهتف بنفس الهدوء: وأنت أيضًا.. بحاجة إلى الوقت، من أجل نفسك ومن أجل هذا الصغير، ليقل إدريس: أعلم أنها تراني وتسمعني فجدتي قالت لي، ولكن هل ستعود؟ هل سأراها مجددًا؟، ليرفع صالح رأسه وهو يقول بغصه: لا.. لن تعود، لتبتسم ليلى بحزن حين سمعت اسأله إدريس البريئه، لتشّد بيدها التي لازالت على كف صالح، ليتنهد صالح بعمق، ليقل: لم أخبرك من قبل ولكن.. أنا أيضًا ذهبت والدتي عندما كنت في نفس عمرك، أو لنقل أكبر بقليل، ليهتف الصغير: حقًا؟
=أجل، هل تعلم ماذا كنت أفعل عندما أشتاق إليها؟، ليسأل الصغير بفضول: ماذا؟، ليسحب صالح يده من أسفل يد ليلى، ليُخرج قلادة والدته بألم، نزعّها بأكملها ووضعها في يده التي مدّها لأبنه ليرى القلاده، ليقل وهو ينظر بألم: كنت أنظر لهذه القلاده، عندما تكون حول عنقي كنت أشعر بأن أمي معي، أبتسمت ليلى ودموعها تكاد تنهمر ولكنها منعتها بشّده، ليهمس الصغير بصوتٍ خافت وهو يُنزل رأسه حزنًا: ولكنني لا أملك قلاده، ليهمس صالح بنفس نبرة الصغير وهو يبتسم بألم: لنصنع لك واحده إذن؟، ليُجيب الصغير بحماس: أجل.. أرجوك بابا لنفعل، أومى صالح بهدوء، ليأتي تولغا في لحظتها من الخارج وهو يحمل كيسًا كبيرًا يحوي الكثير من الألعاب، ليهتف وهو يتقدم يرفع الكيس أمام الصغير: سيد إدريس، لقد أتيت وجلبتُ معي أشياءً ثمينه، ما رأيك أن تأتي ونستكشفها معًا؟، ركض الصغير فورًا تجاه تولغا بحماس، بينما أبتسمت ليلى، وأستقام صالح للشُرفه يريد إستنشاق بعض الهواء، نظر تولغا لظهر صالح بشّك، ليعاود بنظره إلى ليلى التي تقدمت وهي تقول: هل أشتريت المتجر كله؟ ماهذا!، أبتسم تولغا ليقل: أشتريت.. لأن كل شيء يرخص لأجل هذا المشاكس، ليُشير بنظره نحو الشرفه وكأنه يسألها عن صالح خفية عن الصغير، لتقل ليلى بإستغراب: لماذا لاتتحادثون منذ أيام ماذا حصل لكم؟، ليُجيب تولغا: لاشيء.. وإستدار مُبتعدًا نحو أحد الغرف برفقة إدريس..
––––––––––––––––––––
أنقره..
جلس الكبير بعد أن قدّم الشاي لأبيه.. أجل والده.. عبدالله.. فهو لم يمت، فقد نجى بأعجوبه من تلك الليلة التي قلبت حياته رأسًا على عقب.. وعندما أقول قلبت حياته، فهو أصبح مُقعدًا وعلى حافة الموت الآن، وأبنائه وأحفاده ذهبوا وماتوا قبل أعوام بسبب شخص واحد، شخصًا قتلهم بدمٍ بارد إنتقامًا لنفسه ولحياته التي كادت تذهب من بين يديه في عمرٍ مُبكر.. لنُعد لتلك الأيام ونستذكر بعض تفاصيلها.. حين داس صالح على ذلك اللغم الذي كاد أن يودي بحياته، أقسم بعدها على أن ينتقم، وعندما سأم من إيجاد أبيه له، وبأن أبيه أساسًا لن يسأل عنه، راودتهُ نفسه "الأفضل أن تسمع كلام جدك، كُن فارتولو سعدالدين، جميع من آذوك ومن أوجعوك، والذين أخرجوا روحك، أنتقم منهم، صالح قد مات، خُذ بإنتقامه" فأصبح يُخبئ سرًا بعض الطرود التي تأتي كشحنات لعبدالله، ولأن المخدرات كانت رائجه في ذلك الوقت، سهّل ذلك عليه بيعها بل باعها بعشرةِ أضعاف، ومن ثم أستمر على نفس الموال، يشتري ويُخبئ ويبيع، ثم ذهب وأشترى بالمال الذي جمعّه، سلاح رشاش، ليعُد لمنزل عبدالله ويقتلهم جميعهم، أو هذا ماكان يظنه، فهو بالطبع لايعلم أن عبدالله قد نجى وقتها، وأن تلك الليلة التي كان يعتقد أنها ستُنهي كل شيء، كانت بداية تحولٍ غير متوقع، وأنه سيجد نفسه في مواجهةٍ مع شخص لم يكن في الحسبان، لنعُد الآن للمشهد.. هتف عبدالله بصوتٍ رزين بعد أن أرتشف من كاسته: ما الأخبار؟، ليتكئ الكبير على ظهر كرسيه وهو يقول: جيده حاليًا..
=متى سيقتلني؟
–"بقلةِ حيله" بابا.. لماذا لازلت تُصر على هذا؟
="ببرود" أنا سأموت.. وفارتولو سيُكمل عمله الذي بقي ناقصًا منذ عشرون عامًا
–ولكـ..
=بني.. أنت تعلم بأنني سأموت على كل حال، وأنا أعلم أنك ستنتقم لأخوتك وأبيك
–إذًا لماذا تريد لذلك ال*** أن يقتلك؟ هل تستحق أنت ذلك؟
=أجل أستحق.. لم يتبقى لدي الكثير من الوقت في هذه الدنيا الباليه، سأموت في منزلي وتحت يديّ نفس الشخص، ولكنه سيجد الجحيم بعد أن يأخذ روحي
–وإن قلت أنني لن أسمح بذلك يا أبي
=إذًا فأنت أحمق، نظر الأخر لوالده وهو يتنهد بعمق، ليقل: تريده أن يقتلك وتريديني أن آخذ أنا بإنتقامك؟
–بالضبط، لأنه.. "توقف للحظات وهو ينظر عبر النافذه أمامه" أنا لم أكن والدًا جيدًا لكم ياعدنان.. ولا كبيرًا حقيقيًا لعائلتنا، كل الخيارات التي أتخذتها كانت مليئة بالأخطاء، وكل الطرق التي سلكتها أودت بنا لهذا المصير، وأولهّا أحتوائي لأبن الزنا ذاك، و.. وأنت.. أبعدتك عني في عمرٍ صغير لكي أربح المزيد من المال.. ولكن كل شيء أنتهى بسبب ذلك الفارتولو، تفّوق عليّ وأنهى سلالتي، وأستمر في حياته وكأن شيئًا لم يكن
=لذلك أقول لك يا أبي، بأن نذهب ونأخذ روحه هو وعائلته، لنراه يتعذب برؤية أبنه يعيش ماعاشه هو، أقسم لك بأنني سأجعله يندم على اللحظة التي ولد فيها ذلك ال***
–"ببرود" أنا واثق من أنك ستفعل وستنتقم.. ولكن هذه العائله التي لم يتبقى منها سوى أنت.. تستحق بدايه جديده، وأنت بالطبع ستكون البدايه
=أنا لا أريد بدايه جديده يا أبي، أريدك أنت، أريد آخر من تبقى من عائلتي التي سلبها ذلك الحقير
–آخر من تبقى من عائلتك سيذهب يا عدنان، وأنت تعلم ذلك جيدًا
=ولكن.. أرجوك لا تعطِه الفرصة ليفعلها، لا تمنحُه الرضا بأن يكون هو مَن ينهي حياتك مرةً أخرى
–ومن قال بأنها فرصته؟ إنها فرصتي أنا، لا تفكر في الأمر بهذه الطريقه، فارتولو سيعتقد أنه فعل الصواب، لكن الحقيقه؟ كل ما سيحصُل عليه هو عبءٌ جديد سيُطارده لبقية حياته، وأنت من سيتأكد من ذلك
="بحدّه" وأنا؟ ماذا عن عبئي أنا؟ هل فكرت في ذلك يا أبي؟
–عبء الخسارة يخف مع مرور الوقت، ولكن العبء الذي سيُواجهه فارتولو، سيجعلك تشعر بالإنتصار واللذةِ حتى بالرغم من خسارتك.. لم يرد الكبير أو بالأحرى قد أتضح أسمه "عدنان" تنهد بقلةٍ حيله وإستقام ليخرج من الغرفه، ولكنه قبل أن يصل إلى الباب سمع صوت والده يهتف من خلفه: ما هي أخبار أبنك؟، إستدار نحوه ليُجيب بهدوء: مشغولاً بأعماله.. كعادته يعني
–"بخُبث" أنتبه لكي لايكون هو نهايتك.. فهو ذكي أكثر من اللازم
="وهو يضحك بسخريه" أعلم، لكنه لا يعرف شيئًا عن عالميّ الخفي، ولا يُدرك حقيقتي، أنا بالنسبة له مجرد رجل أعمال عادي يعيش حياةً بسيطه لا تمتّ بأي صلة لهذا الجحيم
–ولكنني قلت أنتبه له من فارتولو وأبن المدير، ليس منك..
=لايعملون به يا أبي.. نقيب في الشرطه كيف يمكن أن يخطر ببالهم أن له أي علاقةً بي! ونسيت أن أخبرك.. قررت التخلص من كارتال
–"بغضبٍ وإستغراب" تتخلص منه؟ لماذا!
=تحرك بدون علمي.. وأساسًا يبدو أن فارتولو قد علم بأمره وبأنه هو ذاته الذي كان يعمل لديك قديمًا
–"بغضب" هل تعلم ماذا يعني أن تتخلص منه؟
="بإنزعاج" أعلم ولكن..
–لايوجد لكن! كارتال يُفيدك وهو الذي يقوم بأعمالك منذ أعوام، إن تخلصت منه بمن ستثق الآن؟
=أعلم أنه كان مفيدًا، لكن وجوده أصبح خطرًا مثله مثل أي شخصًا كان يعمل لدي وأنهيته
–كارتال ليس مجرد شخصًا يعمل لديك.. هو معك منذ أعوام، وإن حاولت التخلص منه وعِلم هو بذلك، قد يصبح عدوًا.. وعدو مثله لن يُصمت بسهوله
=أصبح عدوًا أساسًا
–"بشّك" ماذا فعلت ياعدنان؟
="بعد لحظة صمت" جعلته يقتل حبيبته الشقراء
–"وهو يضحك بإستهزاء" هي أساسًا خائنه وكانت تحاول زجّه في السجن
="ببرود" أجل ولكنه لم يكن يعلم، وأيضًا حاولنا قتل أخته فقد كان علينا إسكاتها قبل أن تُفسد كل شيء وتخبره عن حبيبته وخططنا
–"بهدوء" لقد اخطأت ياهذا..
=أخطأت؟ هل تتحدث جديًا يا أبي؟ كم من الأشخاص غيره أنهيناهم عندما كانوا يشكلون تهديدًا لنا
–كارتال كان ذراعك اليمنى الخفيه، وكان أكثر من مجرد أداه، ستُفرط به بسهوله وكأنك تتخلص من ورقةٍ غير مهمه
=وهو كذلك غير مهم "توقف للحظه يتنهد بقلةِ صبر" كان يتحرك بدون علمي، وكان خطرًا علينا يا أبي
–"وهو يصرخ غضبًا" كان من يهتم بأعمالك ويحضر بالنيابة عنك بينما أنت تُخفي وجهك كالجبان حتى لا يتعرف عليك أحد ياهذا
="بصدمه" أنا أفعل ذلك لحماية نفسي!
–حماية نفسك؟ وإلا لأجل ألا يكشفك أبنك الذي أخفيت عنه حقيقتك بأنك والده الحقيقي حتى أتم الخامسة عشر من عمره، وتظهر الآن أمامه كالرجل المحترم النظيف ها قُل ياهذا؟
="بغضبٍ" الأمر ليس هكذا..
–"بسخريه" كنت ضعيفًا ولم تستطع منعه من دخول سِلك الشرطه، كنت تقول أنه سيُفيدنا هناك ولكنني لم أرى أي فائده، فقط اختبأتَ خلف قناعك لكي لا يُزجّ بك أبنك في السجن، لأنك تعلم أنه يفعل ولن يرفّ له جفن ولن يهتم إن كنت والده أم لا
="بحدّه" هذه حياتي الخاصه
–حياتك الخاصه أجل.. وستُصبح خاصه أكثر عندما أموت
=بحزن" لاتتحدث هكذا يا أبي
–"بهدوء" أسمعني يابني.. أحيانًا القوة ليست في التخلص من الأشخاص، بل في الحفاظ عليهم، حتى لو لم توافق على كل أفعالهم، القوة بأن تُسيطر عليهم كليًا، وأنت كنت تُسيطر على أبن المدير بشكلٍ جيد ولكن لأنه تحرك وقتل عدوًا له وأحرق بضائع الكوشوفالي قررت التخلص منه وجعلته يقتل حبيبته؟
="وهو يرغب بإنهاء الحديث" أبن المدير في طرف فارتولو الآن إن لم يمت في السجن، ولن يتوقف عملي ولن تتوقف خُططي لأجل شخص مثله، سأجد من هو أفضل منه، ضحك عبدالله بإستهزاء، ليخرج الكبير وهو يشّد على قبضتيه غضًبا ويُتمتم: إن أضطررت سأدفع ثمن أفعالي، ولكن عملي سيستمر، بينما في الداخل، نظر عبدالله ومسح وجههُ بخفه، ليقل لنفسه: لا يهم ماذا يفعل أبني ولكنني متأكد بأن النهايه واحده، وسيُنهيك يافارتولو، لاتعرف كم أريد أن أراك، أريد أن أرى وجهك عندما تُدرك أنني لازلت أتنفس حتى الآن، وأريد بشّده أن أرى وجهك وأنت تقتلني مرةً أخرى ليبدأ عذابك الحقيقي بعدها..
––––––––––––––––––––
منزل صالح..
دخل كارتال مُسرعًا إلى المنزل، يبحث عن أخته بلهفه، ما إن لمحها تنزل من الدرج حتى هتف بنبرةٍ مختنقه: ليلى، كارديشيم..، مشى بخطوات سريعه نحوها، بينما هي نزلت والدموع تملأ عينيها، ما إن وصلت إليه حتى أحتضنها بشدّة وكأنه يخشى أن تختفي من بين يديّه، تأوهت بخفه بسبب ألم كفتها، ليبتعد هو بخوف، ليهتف: ماذا حصل؟، لتقل وقد أبتسمت بحزن عندما رأت دموعًا في عينيه تأبى النزول: لاشيء، لتعود لعناقه، ليهتف وهو يُقبل رأسها من الجانب: خفت كثيرًا.. خفت أن أفقدكِ، لتقل وهي تبتسم: آبي.. أنا بخير لاتقلق، ليفتح كارتال عينيه أثناء العناق، وحينها لمح صالح، الذي يقف عند باب الشرفة وسيجارته في يده ينظر بلا مبالاة، إلتقت أعينهم للحظه، ولكن الآخر أستدار وخرج إلى الشرفه، بينما فصل كارتال العناق، ليُقل وهو يربت على وجنة أخته: كيف حالكِ؟ هل أنتِ بخير حقًا؟
="وهي تبتسم" بخير يا أخي، أنظر إليّ واقفة أمامك
–ولكنكِ تألمتِ قبل قليل.. بسبب ماذا أخبريني
=لاشيء، فقط كتفي يحتاج وقتًا أكثر ليُشفى، أومى كارتال وقبّل رأسها وكأن الحياة قد عادت إليه لتوّها، لينظر إلى الشرفه، وسُرعان ما هتف: سأذهب لأتحدث إليه قليلاً وسأعود حسنًا؟، أومت بخفه، ليذهب هو بخطواته للشرفه، ليجد صالح يجلس واضعًا قدمًا على الأخرى، ليتقدم يجلس أمامه على الطاوله، تناول سيجارة من علبة السجائر التي يضعها صالح على الطاوله، أشعلها ونفث دخانها، ليهتف وهو يدخل في صلب الموضوع فورًا: كيف عرفت أن علي خائن وجاسوسًا لدى الكبير؟، لم يلتفت صالح بل ظل ينظر للجهة الأخرى يتأمل الحي والمنازل أمامه، نفث دخان سيجارته ببطء، ليهتف بهدوء: عرفت بطريقتي.. فعندما تُطعَن مرارًا وتكرارًا وتذوق الخيانة أكثر من مره، تبدأ برؤيتها في كل مكان، تصبح قادرًا حتى على شمّها من بعيد، عقد كارتال حاجبيه، ليردف صالح: لا تسألني كيف عرفت أنا، بل اسأل نفسك لماذا لم تراها أنت طوال هذا الوقت؟ أو ربما.. "توقف ليُكمل بحدّه وقد التفت نحو كارتال" لأنك معتادًا على أن تكون جزءً من اللعبه، ليهتف كارتال بنبرةٍ غاضبه: أنت بماذا تهذي؟، ليستقيم صالح وقد اطفأ سيجارته، ليقل: إن روحّت شوقك لأختك، أتبعني إلى قبو المنزل، وذهب تحت أنظار كارتال الذي ضحك بغير إستيعاب، ليقف وهو يرمي سيجارته، وتنهد يإنزعاج ليتبع خطوات صالح، وهو يُتمتم في نفسه "قبو! ما الذي ينوي فعله هذا المجنون!" نزل إلى القبو ليجد صالح يقف في المنتصف وهو يحرك مسبحته بيده، وحوله أربعة رجال، التفت عندما أحس أن أحدًا قادم من خلفه، ليرى تولغا الذي نزل هو الآخر وذهب يجلس بشكلٍ عكسي على كرسيًا بعيدًا قليلاً، ليقف كارتال للحظات وهو يضع يديه في جيوبه وينظر إلى صالح بإستغراب، ليهتف صالح: الأوراق التي تُدينني لدى القانون هل كانت حقيقيه؟، تنهد كارتال بضيق وهو يُغمض عينيه، وبدون أن يجيب، أومى برأسه بـ "أجل" ليتقدم صالح بضع خطوات، ليقل بحدّه: وأين هي؟، وقبل أن يُجيب كارتال، هتف صالح: تؤ تؤ دعني أخمن.. في أيدي الكبير اليس كذلك؟، لم يُجيب كارتال بل ظلّ ينظر لصالح بقهر، ليردف صالح: وأنت من أعطاها له.. ليُجيب كارتال بخفوت: كنتُ مجبرًا وأنت تعلم هذا، تجاهله صالح وتقدم نحو طاولة في أحد الأطراف، ليُخاطب كارتال وهو يؤشر على صندوقًا موضوعًا على الطاوله: تعال وأفتحه، تقدم كارتال بعد تردد، ليفتح الصندوق وهو يتظاهر بعدم الإهتمام، ليجد أوراقًا عديده، وحين أخرج أحداها وتمعّن فيها، عرف أنها طبق الأصل لتلك الأوراق التي تُدين صالح والتي أرغمه هو بأن يوقع عليها، لينظر إلى صالح بإضطرابٍ وعدم فهم: ماهذا ياصالح؟، ليعقد صالح ذراعيه لصدره وهو يقول: هل نسيت بهذه السرعه؟ أنها نسخة جديده من تلك الأوراق ولكن هذه المره أنت من سيُوقع ويُبصم عليها، نظر كارتال لوهله، ليقل وهو يضحك بخفه: هل جننت؟ قبل ساعات تُخرجني من السجن، والآن توقعني على أوراقًا تُدينُني؟، أبتسم صالح ببرود، ليقل: ربما جننت.. هذا إحتمال وارد أساسًا، ولكنك ستوقع ياكارتال، ومن يعلم ربما أمزّق هذه الأوراق بعد أن تُمزق خاصتي أولاً..
–"وهو يقترب بتوتر" جميعنا في نفس القارب وعدونا واحد ياهذا
="ببرود" أجل، ولكن هذه المرة أنا من سيُبحر وليس أنت..
–صالـ..
=وقّع
–أهذا ماتريده؟
=وقّع.. ليلتفت كارتال بغضب ناحية الأوراق والتقط القلم ليُوقع ويُبصم وهو يشتعل غضبًا، ليلتفت عندما أنتهى لصالح الذي ينظر بجمود، ليقل كارتال: خذ، أساسًا لدى الكبير ضعف أوراقك هذه.. تذهب بي للجحيم، تقدم صالح ليُشير لأحد رجاله ليأخذ الأوراق، بينما تنهد كارتال، هتف صالح وهو يتكئ على الطاوله: عندما تلقينا خبر إعتقالك وجئنا للمركز أنا وعلي.. ذهبت وتحدثت مع النقيب داهان بعد أن قدّم نفسه لي بإستفزاز.. لابد أنك تعرفه لأنه المسؤول عن قضيتك، كانت بحوزته ذات الأوراق التي وقعت عليها قبل قليل، تحوي تهمًا أكثر لاتُعد ولاتُحصى وشنيعه حقًا، راودني الشّك وقتها بأن هناك خطبٌ ما "نظر إلى تولغا ليُكمل" تحرينا عنه، ولم نجد مايُثير الشك، وبعدها علمت كل شيء منك، الكبير وو.. و.. "توقف وهو يُمعن النظر نحو كارتال بحدّه" علي تحمّل التُهمه عنك أجل.. ولكنك لم تكن سترى الشمس بشهادة علي فقط، فأنا دمرت الأوراق، وطبعًا لن أخُفي.. القليل من المال لرشوة القاضي قد سهّل الأمر كثيرًا، نظر كارتال لوهله، ليهتف بدهشه: دمرتها؟
=يوجد المئات غيرها بين يديّ كبيرك، لاتفرح ياعزيزي
–"وهو يبتسم" لا.. لاتوجد سوى نسخة واحده فقط
="بإستغراب" نسخة واحده؟
–أجل.. هو ليس غبيًا ليحتفظ بمئة نسخه، هو ذكي بما يكفي ليجعل الجميع يعتقد أن لديه نسخًا لاتُحصى، لكن الحقيقه الوثائق الأصليه كانت واحده
="بسخريه" وكيف عرفت؟
–سمعت كنان يتحدث إليه مرة في الهاتف عندما كنّا في أفغانستان
=وما الذي سمعته بالتحديد؟
–كان غاضبًا من كنان، كان يقول له عندما أدانوا شخصًا ما أنهم إن أضاعوا هذه النسخه، فإنهم سيخسرون، النسخ الوحيده كانت معه، مع الكبير.. وقتها فهمت أنه لا يثق حتى بأقرب رجاله، إنه يحتفظ بكل شيء لنفسه هذا الحقير، لينظر صالح بحقد، ليقل بهدوء قاتل: وخاصتي لازالت لديه، وهذا هو الكبير وها أنا هنا أحارب شبحه، نسخة واحده قد تُدمّر عوالمًا بأكملها، مسح كارتال وجهه بشيء من الإرتياح، ليقل وهو يتجاهل كلام صالح الأخير: هل دمرتها حقًا؟
="ببرود" أجل، لماذا سأكذب عليك؟
–وكيف!
="بلامبالاة" هناك أشخاصًا أعرفهم في سِلك الشرطه، رجالاً مُدينون لي، وأحيانًا.. الولاء أهم من القانون
–وهل تثق بهم لهذه الدرجه؟
=لا.. أنا لا أثق بأحد، ولكن مصالحي تأتي أولا، ليهتف تولغا أخيرًا وهو يقف ويُبعد الكرسي بهدوء: أعتقد أنكم نسيتُم شيئًا مهمًا.. نحن في حربٍ مع رجل لا يهتم بأي شيء سوى القوة والإنتقام، هل تعتقدون أن كل شيء يمكن أن يُحل بالمال أو ببعض الأوراق التي تم تمزيقها؟، ليهتف كارتال بسخريه: ومن قال أننا نسعى لحل الأمر بهذا الشكل؟، وعندها هتف صالح: لايوجد شيء يدعى نحن.. كل منا سيذهب في طريقه "وتقدم نحو كارتال ببطىء وهو ينظر بحدّه" ومثلما مزقت أنا أوراقك.. ستُمزق أنت خاصتي
–"ببرود" أنا أعرف هذه النظره.. ما الذي تُخطط له؟
=لاشيء سوى إبعادك عني يا كارتال..
––––––––––––––––––––
بعد ساعات.. في مركز الشرطه
كان يمشي ينوي الذهاب لمكتبه، ولكن ندهَ عليه أحد العناصر من الخلف، ليلتفت داهان وهو ينظر بدهشة من نبرة الآخر: ماذا هناك؟
=كارتال تكين.. لقد خرج صباح اليوم، لينظر داهان لوهله، ليضحك بدون إستيعاب وهو يقول: ماذا؟ كيف خرج؟
=مُحاكمته اليوم..
–"بغضب" أعلم أن مُحاكمته اليوم ولكن كيف خرج؟
=أتى شاهد يُدعى علي، قال بأنه هو من أرتكب الجريمه، رفع داهان يديه بغضب قبل أن يهتف: ماهذه المسخره؟ والدلائل التي قدمناها للمحكمه أين ذهبت يا***
=لا أعلم.. كل شيء تم تغييره فجاءه، والأوراق التي تُدينه قد أختفت حتى قبل وصولها للمحكمه، ليضرب الآخر الجدار بقبضة يده، ليقل بنبرةٍ غاضبه: هذا لا يمكن.. هناك شيء يحصل، شيء أكبر.. لايمكن أن يكون قد خرج بهذه السهوله وبأول محاكمة له!، لينحني يتنهد وهو يحاول تمالك غضبه، ليهتف الذي أمامه: أوامرك ياسيدي؟، ليُجيب وهو يعتدل ينظر بغضب: ستجدون هذا الشاهد، وتحققون معه، سأعرف ما الذي يُخفونه هؤلاء ال*** وكيف يلعبون بكل شيء وكأنهم فوق القانون!
=حاضر سيدي
–ولكن.. لاتفعلوا شيئًا حتى أتحدث مع العميد، ليوميء العنصر وذهب داهان بخطواته لمكتب العميد، وعقله يدور مُحاولاً إستيعاب ما حدث، كل شيءٍ كان يبدو في مكانه، لكن هذا التغير المفاجئ كان يعني أن هناك أحدًا يتلاعب بهم، دخل داهان مكتب العميد وأغلق الباب خلفه بقوه، ليجد العميد جالسًا خلف مكتبه يقرأ بعض الأوراق والتقارير، رفع العميد عينيه عندما فاجئه صوت الباب، ليقل: ماذا هناك أيها النقيب؟
="بغضب" لقد خرج كارتال تكين اليوم، شاهدًا أتى وتحمّل التُهمة عنه، والأوراق التي تُدينه أختفت قبل أن تصل حتى للمحكمه، وأنت تعلم ماذا يعني هذا، كيف يُمكن أن يحدث؟ كيف خرج بهذه السهوله؟
–"ببرود" هذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها تلاعبًا من هذا النوع أيها النقيب
=ولكـ..
–"يُقاطعه" حقًا ياداهان؟ ألم تتوقع خروجه بأي شكل كان؟
=لا.. لأن الأدلة التي قدمناها تُدينه وبقوه، وليس بحوزته أي دليل لصالحه، إستقام العميد وتوجه نحو داهان بهدوء وهو يهتف بسخريه: الأدله.. اوف ياداهان أنها لاشيء بالنسبة لهم
=ولكن كيف؟ كيف يستطيعون التلاعب هكذا؟
–تكلمني وكأنك للتو بدأت بالعمل معنا مابك! هل تذكر عندما قلت لك نحن لا نتعامل مع مجرد شخص عادي، بل مع كيان قوي لديه أيدي تمتد في كل مكان؟
="بتوتر" وماذا سنفعل؟
–"بهدوء" أولاً سنهدأ.. هل تعرف ماذا يعني أن نهدأ؟ أنا أعرف أنت شاب مليء بالشغف والحماس، ولكن علينا أن نكون أكثر برودًا وهدوءً وإن أردنا القضاء عليهم، يجب أن نلعب اللعبه نفسها..
––––––––––––––––––––
الحفره.. في المساء
خرج جومالي يقف أمام المقهى ويديه خلف ظهره، ينظر في الأرجاء، ليلمح ميكي يجلس أمام دكان والده، لينده إليه فأتى الآخر ركضًا، ليُخاطبه جومالي بهدوء: ميكي، هل تذكر الرجال الذين أتوا وقضوا على رجال شهرام؟
–أجل يا أخي لماذا؟
=هل هم نفس الرجال الذين أتوا مع كارتال؟، توقف ميكي يفكر قليلاً، ليقل وهو ينظر بإستغراب: لا أعتقد يا أخي، فأولئك كانوا مُلثمين، التفت جومالي لميكي وكأن كلام الآخر قد أشعل في عقله شيئًا لم يُلاحظ قبل، ليهتف: والذين هاجمونا بعد إعتقال صالح كانوا مُلثمين كذلك، ليقل ميكي بدهشه: أجل! هم نفسهم يا أخي للتو لاحظت!، ليقل جومالي وهو يرفع حاجبيه: ولكن صالح قال أنه هو من أنقذ الحفره في ذلك الوقت.. ليُعاود نظره إلى الأمام شاردًا، ليُقاطع شروده هذا قدوم اكين الذي نزل من سيارته بسرعه متوترًا وهو يهتف: امجا.. عمي ياماش يريدك في المنزل، لاحقًا في منزل العائله، دخل جومالي بخوف ومعه اكين لمكتب العائله، ليجد وليّ يجلس بقلق، وياماش يجلس على كرسيه خلف المكتب وهو ينظر للطاولةِ شاردًا بغضب، ليتقدم جومالي وهو يقول بقلق: بيبي؟ ماذا حصل؟
=لقد أختفت..
–ماذا؟
=سندات الحفره.. لقد أختفت، نظر جومالي بصدمه، بينما فرك وليّ لحيته بتوتر وهو يهمس لنفسه "هذا ليس جيدًا.."
––––––––––––––––––––
شقة ليلى..
دخل كارتال برفقة ليلى التي أبتسمت عندما رأت شقتها، فقد مرّ الكثير من الوقت.. لتختفي إبتسامتها عندما رأتها فوضويه قليلاً، فأغلب الأشياء كانت على الأرض، وكأن أحدًا كان يبحث عن شيءٍ هنا، ليهتف كارتال الذي أستغرب من حال الشقة أيضًا: هل كنتِ موجوده أثناء هذا؟
="بتوتر" لا..
–لاعليكِ سنُصلح كل شيء، لم أتوقع أن تكون شقتك جميله لهذا الحد
=ماذا كنت تتوقع إذًا؟
–"بإبتسامه" كان ستبدو هذه الفوضى طبيعيه بالنسبة لي
="وهي تضحك" أصمت، وتقدمت ترفع بعض الأشياء عن الطاوله، بينما كارتال ظل يراقبها بهدوء، ليهتف بعد لحظات: أنا سأذهب..
=إلى أين؟
–لدي بعض الأعمال.. الشركات وماشابه يجب أن أمرّ عليها، لتترك ما في يدها وتقدمت نحوه بهدوء، لتقل: ماذا حصل معك أنت وصالح؟
–ماذا سيحصل يعني؟ تكلمنا وأنتهى
=ما الذي أنتهى؟
–كلاً منّا سيذهب في طريقه..
="بتوتر" هل أنتم متأكدون؟ أشعر بأن هناك شيئًا يحدث
–"بشّك" مثل ما؟
=ماڤـ..، وقبل أن تُكمل كلامها هتف كارتال وهو يُغمض عينيه: ليلى.. سنتحدث لاحقًا عندما يحين الوقت، فالذي أخبرتيني به في السياره لم يكن كافيًا.. أومت ليلى بخفه وهو تنظر بوجع لأخيها، لتقل بحزن: كنت تحبها اليس كذلك؟، نظر كارتال إليها وهو يُخفي ألمه في داخله، ليقل: أحيانًا..
–"بإستغراب" أحيانًا؟
=ليلى.. أنظري لا أستطيع التحدث الآن "وتقدم يُقبل جبينها" أعدكِ سنتكلم مطولاً..
–"بتردد" أنا أعرفك يا أخي.. أنت لا تفعل شيئًا دون أن يكون له سبب، هل هي حقًا كانت سيئه؟
=هذه أمورًا تخصني أنا فقط
–والرصاصتان اللتان أخرجوها من جسدي بسببها ألا تخصك؟
=لا تجعلي الأمور أكثر تعقيدًا مما هي عليه
–أنت دائمًا هكذا، تختبئ وتهرب، لكنك نسيت شيئًا واحدًا، أنا أعرفك جيدًا يا أخي، لا تستطيع إخفاء كل شيء عني
=أنا أخبرتكِ سنتحدث مطولاً، أعدكِ سنتحدث ولكن ليس الأن.. أنا.. دعيني أستجمع نفسي قليلاً أرجوكِ.. نظرت ليلى بحزن بينما أردف الآخر: أعلمي هذا.. لا أحد يمكنه أن يفهم ما مررتُ به، لكنني سأظل دائمًا أخاكِ، حتى لو كنت عديم خيرٍ لم يقُم بدور الأخوة لكِ سوى الآن، تقدمت وأحتضنتُه بخفه بينما أبتسم الأخر ورفع رأسه يُقبل جبينها مرةً أخرى، هتف قبل أن يخرج: رجالي بالأسفل إن أحتجتي لشيء أندهي عليهم، وأذهبي لترتاحي قليلاً فأنتِ لم تتعافي بشكلٍ كامل..
––––––––––––––––––––
مقبرة الحفره..
بلباسه الرياضي العادي، وقبعة المعطف التي تعطي أغلب ملامحه، كان واقفًا أمام قبر والدته وهو يشعر بثقل كبير يجثم على صدره، المكان هادئ.. ولكن هذا الهدوء كان يزعج قلبه، مضت أشهر وأيام منذ أن وطأت قدماه هذا المكان، مضت دون أن يدعو لها كما كان يفعل دائمًا، لكنه الآن هنا.. يقف أمام القبر يحدق في الأسم المحفور على الحجر أمامه "ميهريبان حلوجي" ظلّ ينظر لبعضٍ من الوقت، ليتنهد بمرارة، وهمس بصوت خافت: أمي.. ولم تعد قدماه تحملانه، فجلس وأتكئ بظهره على مقدمة القبر، أغمض عينيه للحظات، ليعاود الهمس مجددًا، ولكن هذه المره بصوتٍ يختنق ألمًا وندمًا: حصلت أشياءً كثيره.. وأعلم أنني تأخرت كثيرًا.. لم أستطع المجيء إليكِ طوال هذا الوقت.. لأنني.. كنت غارقًا في همومي، في أخطائي، في الماضي الذي لا يفارقني، لم آتي لأنني كنت أهرب من نفسي.. ولكن هذه الأخطاء، هذا الماضي.. كل شيء يعود الآن ولا أستطيع الهروب منه، ولا أستطيع إيقافه، وكأنني أعيش في دوامه "تنهد بعمق وكأن الثقل الجاثم على صدره يزيد مع كل كلمة يقولها" أنا لا أستطيع حماية أحد.. لم أحميكِ أنتِ قديمًا بل وقفت أنظر لكِ نائمة على الأرض ولقاتلك ببلاهه، ولم أحمي أبي.. واخي سليم.. وميدات.. و.. "وأنزل رأسه يضربه بخفه" حتى زوجتي.. ذهبت يا أمي، ذهبت ولم أستطع حمايتها، ولم أستطع أن أعيش بعدها، هي كانت كل شيء في حياتي، وكل شيء بعدها أصبح فارغًا، رحلت وتركتني لوحدي مع هذه الذكريات التي ستقتلني.. وأنا لا أستطيع أن أتحمل كل هذا الألم الذي يلاحقني، نزلت دموعه بحرقه، ليغطي وجهه بيديه، ليردف بصوتٍ مُختنق وباكي: وأنا اليوم.. رأيت.. رأيت في أبني، رأيت فيه نفس الألم الذي كنت أشعر به في صغري، أصبح يتيمًا في صغره، تمامًا كما كنت أنا.. كل شيء في حياته أصبح مهددًا، وأنا هنا أشعر بأنني عاجزًا عن حمايته، عاجز عن إيقاف هذا الألم.. هم يريدون أن يؤذوه يريدون أن يسحبوه إلى نفس المصير الذي عشته أنا.. أي أب يفعل بأبنه هذا؟ أي أب يستطيع ترك أبنه في هذا الطريق المظلم؟ "رفع رأسه ينظر للسماء وهو يتنهد بعمق ويمسح دموعه" أنا مُشتت يا أمي، لا أعلم ماذا أفعل.. كل شيء أصبح معقدًا وكل خطوة أخطوها تزداد تعقيدًا، لا أريد لأحدٍ أن يتأذى بسببي وبسبب أخطائي، أنا خائف.. خائف ولا أريد أن أفقد أحدًا.. وعلى بُعد مسافه خلف أحد الأشجار، يقف وهو يضع يديه خلف ظهره، يراقب وينظر بحرقة لأخيه الذي يجلس أرضًا بجانب قبر والدته، أغمض جومالي عينيه بألم، ليعاود فتحهما ليرى صالح ينهض ويلتفت نحو جهة قبر والده وزوجته، خمّن جومالي أن الآخر سيذهب إلى هناك، فأبتعد قليلاً يختفي عن الأنظار فلا يريد للآخر أن يراه، ولكن صالح أستدار نحو مخرج المقبره، فلم يتجرأ على الذهاب إلى هناك، خرج صالح، وتنهد جومالي والتفت عائدًا إلى الحفره..
––––––––––––––––––––
في أحد أحياء إسطنبول..
دخلت للبناية وهي تضحك مع صديقتها التي تتمايل من أثر الشُرب وتقول: اوف يا آصلي.. لماذا لا تشربين وتجربين متعة الشباب هذه؟ لاداعي للنضوج طوال الوقت!، لتُجيبها وهي تبتسم بإستهزاء: أترينني مراهقةً ياهذه؟
=لا، ولكنكِ مازلتِ شابه، وجميله أيضًا، والدليل أن في تلك الحانه كانت جميع أنظار الشباب عليكِ، لم ينظروا لي ولو لثانية حتى!
–"وهي تضحك بإستهزاء" يا لحسن حظي.. هل هذا مايجب علي قوله؟
=حسنًا، إذا كنتِ لا تحتاجين للشراب لتشعري بالحياة، فأنا عكسكِ.. أريد أن أستمتع بكل هذا قبل أن يسرقني العمر بالكامل، لتُجيبها وهي تُخرج مفاتيح شقة الأخرى من حقيبتها: أستمتعي بقدر ما تشائين، أما أنا فسأستمتع بطريقتي الخاصه، دخلت ووضعت صديقتها على السرير بعنايه، وذهبت لكي تُحضّر بعض القهوه، وبعد لحظات عادت للغرفه ووضعت الكوب بجانب صديقتها التي غطت في نومٍ عميق بل دخلت في حالةٍ من الإغماء بعد أن وضعتها على السرير بسبب الشراب، لتهمس: هل هذا ما تُسمينهُ إستمتاعًا؟، إستقامت وأغلقت الستائر والأنوار، وخرجت من الشقه ذاهبةً لخاصتها، دخلت لشقتها الصغيره المتواضعه، الصالون يحوي أريكة صغيرة رمادية اللون، مع كرسيًا خشبي مُزخرف يبدو وكأنه من الطراز القديم.. وتلفازًا صغير يتضح أنها لاتستخدمه أساسًا.. والمطبخ الصغير خاصتها مُتصل بالصالون، تقدمت للكرسي ونزعت سترتها الجلديه، ورمت حقيبة الخصر خاصتها على الأريكه، ودخلت لتستحم، لاحقًا خرجت وهي تُجففّ شعرها بمنشفةٍ في يدها، ذهبت لغرفتها الصغيره.. سريرًا في الزاويه، ومكتب صغير في أحد الأطراف، وخزنه الملابس في أحد الزوايا الأخرى، وهناك رفوفًا تُغطي جدارًا كاملاً.. رفوفًا لكُتبها.. فهي تجد في القراءة رفقةً وخلوة للنفس، فهي أعتادت ذلك من زمن ومنذ أعوامٍ عديده، أعتادت أن تكون وحيدة مع كُتبها في أي مكانٍ تكون فيه.. تقدمت نحو كرسي مكتبها، وإلتقطت روب المنزل خاصتها وإرتدته، فقد شعرت ببرودة الطقس، ولاسيما في هذا الوقت المتأخر.. مالت نحو طاولة المكتب تنظر للأوراق المُتناثره، لتهرب منها إبتسامة سُخريه، أخذت أحد الدفاتر وقلم، وذهبت نحو المكتبه، إلتقطت ثلاثة كُتب بترتيب مُعين، لترميها على السرير وأدخلت يدها بحركةٍ سريعه، لتضغط زرًا أوتوماتيكياً يُبعد رفوف المكتبه ويفتح لها الباب المخفي بالخلف، نزلت من السلالم وهي تهتف بصوتٍ عالي ومرح: شهروش؟ أين أنت ياعزيزي؟ لقد أتت مُربيتك..
إلى اللقاء في البارت القادم..
أنت تقرأ
لا يوجد سوى الألم..
Fanfictionسيناريو بأحداث مختلفه للجزء الرابع "Çukur" *ملاحظه: هذه المره الأولى لي في كتابة شيئًا ما..