Part 34

157 9 6
                                    

هل قتلت أبي؟
من أنتِ.. هتف بها كارتال وهو يوجّه سلاحه نحو رأس المرأة التي أمامه، فهو قد أستيقظ في شقة لايعرفها، ومُقيد أيضًا.. ففّتش المكان وأنتظر صاحب الشقة ليُعود ليرى من هذا الشخص الذي أنقذه وأحضره إلى هُنا، أغلقت آصلي عينيها بغضبٍ طفيف ولكنها حافظت على هدوئها، رفعت يديّها بتأنٍ لتُظهر له أنها لاتنوي المقاومه، لترد بصوتٍ هادئ وخافت: ربما عليك أن تخبرني أولًا كيف كسرت تلك الأصفاد؟، ضحك الآخر بسخريه وهو يقول: تتحدثين وكأنكِ لم تتوقعين هذا.. هل ظننتِ أن الأصفاد ستكفي لإبقاء رجلٍ مثلي مكبلًا؟، أغلقت آصلي عينيها وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تُجيبه: كنت أعتقد أنك أذكى من أن تفتش في أشياءٍ لا تخصك أيها المتطفل، قالت جملتها هذه وهي تعود بإحدى قدميها إلى الخلف ببطء لكي لا يُلاحظها كارتال الذي قال بنبرةِ تهديد: سألتكِ سؤالاً أجيبي عليه، من أنتِ؟ وما الذي تعنيه تلك الكتابات في ذلك الدفتر؟، ظلّت آصلي صامتةً ببرود، ليقل كارتال من بين أسنانه: أجيبي وإلا..، لترفع آصلي حاجبيها بدهشه وهي تقول: وإلا ماذا؟ ستقتلني؟ حسنًا.. لنفترض أنك فعلت، ستبقى هنا مع أسألتك دون أن تجد أي إجابه، ليقل الآخر بغضب وهو يقترب قليلاً: لا تختبري صبري، وفي غمضة عين، سحبت آصلي سكينةً مخبأه تحت كمّ قميصها الذي ترتديه، وأستدارت بسرعه لتضرب كفّ كارتال مسقطةً السلاح من يده على الأرض، سحبته من يده لتلتفّ به إلى الجهةِ الأخرى وهي تُهاجمه بسكينها، ولكن الآخر أنحنى إلى الخلف مُبتعدًا عن ضربتها، لتُهاجمه من الجانب ولكنه تفاداها ببراعه، حاولت مرةً أخرى مُهاجمته من الأمام، لكنه أستدار وأمسك بيدها رافعًا قدمه ليُسدد ضربةً إلى وجهها، ولكن بحركةٍ خاطفه منها، أمسكت بقدمه قبل أن تصل إليها ودفعتها بقوةٍ إلى الأسفل، ليصرخ الآخر متألمًا فهو قد نسيّ أن قدمه مُصابه، لتستدير آصلي وهي تُمسك بيده لتضع السكينة على عنقه أخيرًا بقبضةٍ مُحكمه، لتقل بحدّه: حاول أستخدام السكين في المرة القادمه.. أنها أفضل في المواجهات القريبه، تجمّد كارتال في مكانه للحظه، ونظراته الحاده التقت بعينيها العسليتين اللتين لم ترمشا حتى، بينما بقيت ملامحها هي ذاتها.. باردةً وجامده، أبتسم هو لثانيةٍ بالرغم من ألم قدمه، ثم قال وهو ينظر إلى السكين على رقبته: ليست حركةً سيئه..، أبتعدت بخفه وهي تُبعد السكين، وظلتّ تنظر إليه بحذر، ليقل كارتال وهو يعتدل: ماذا تريدين مني؟، لترد الأخرى بسخريه: هل إنقاذي لحياتك يعني أنني أريد شيئًا منك؟، قالتها وهي تُبعد السلاح بقدمها بعيدًا، ليقل كارتال وأعيُنه على سلاحه: أنتِ تعلمين بشأن "العجوز المُقنع" كما تقولين له، وبشأن علي أيضًا! هذا يعني أنكِ إما تعملين مع ذلك العجوز أو..، لتُقاطعه الأخرى وهي تُشتتّه عن هذه الأسئلة التي لاتريد الإجابة عليها: فجرّوا هاتفك وأنت نائم إذا أردت أذهب وأنظر، نظر إليها وهو يرفع أحد حاجبيه قائلاً: نعم؟، لتُجيب وهي تبتسم نصف إبتسامه: فارتولو.. واكين.. وليلى، أتسعت عينيّ كارتال قليلاً وأخرج هاتفه من جيب سترته وأنظاره لازالت نحو آصلي، ليرى فعلاً إتصالاتٍ عده، وفورًا سمع رسالة اكين، وحينها ركض نحو سلاحه وأخذه وخرج مُسرعًا من الشقة تحت أنظار الأخرى التي ذهبت خلفه نحو الباب ولكن عندما التقطت سترتها، توقفت مكانها لثوانٍ قليله وهي تفكر، كانت تنوي اللحاق به فإتصالات صالح ورسالة اكين جعلتها تشّك.. وكأن هناك أمرًا غير عادي يحدث، ولكنها تراجعت وأغلقت باب الشقة بقوه ورمت سترتها وذهبت تستلقي على سريرها وهي تُمسد رأسها بخفه..، بينما في الأسفل عند كارتال الذي صعد إلى سيارته بسرعه، أتصل على صالح ولكن لا إجابه من الآخر.. ليتصل على أخته وهو قلقًا من أن شيئًا كبيرًا قد حصل، فصالح لن يتصل به لسببٍ إعتيادي، ردت ليلى وهي تقول: آبي؟ أين كنت؟ أنني أتصل بك لساعاتٍ دون أن تجيب، لماذا تختفي دائمًا هكذا؟، ليُجيبها كارتال بتوتر: ماذا يحدث؟ صالح أتصل عليّ أيضًا ماذا حصل؟، لتقل ليلى وهي تدور حول نفسها بتوتر في شقتها: لقد أختطفوا إدريس، لتعتلي الصدمة ملامح الآخر الذي قال: كيف! متى؟، لتُجيب ليلى: منذ ساعات.. ربما ساعتين أو ثلاث، صالح لايُجيب على إتصالاتي وأنا لا أستطيع الذهاب إلى الحفرة وسأموت من قلقي، ليقل الآخر فورًا: لاتذهبي، أنا سأرى وسأتصل عليكِ لاحقًا، أغلق الهاتف ليأتيه في لحظتها إتصالٍ من رقم غريب، أخذ نفسًا عميقًا وأجاب وهو يعلم أن الكبير يُريد لقائه، ليأتي صوتًا من الطرف الآخر قائلاً: الكبير يريدك في مقره الأساسي في الجنوب بالقُرب من ميناء ^^^، لا تتأخر سيصلُك الموقع خلال ثوانٍ، وأُغلق الهاتف مع دهشة الآخر الذي ضحك بخفه وهو يُخاطب نفسه "مقره الأساسي؟ هل وثق بي لدرجة أن يستدعيني لمقره بدلاً من الأماكن المجهوله؟" وبدون تفكير أو تردد للحظةِ حتى! تحرك كارتال مع وصول الموقع لهاتفه بسرعةٍ قسوى..
––––––––––––––––––––
الحفره.. المقهى
كان ياماش جالسًا على كرسيه وهو ينظر إلى الفراغٍ بتوهان، بينما كان صالح يجلس على الأرض بالقرب من باب المقهى يضمّ ركبتيه إلى صدره وهو يُغمض عينيه بقوه، وجومالي يقف بينهما ينظر للإثنان بغضب، تنهد الأكبر بقوه ليقل وهو ينظر إلى صالح: تكلم، ليرد صالح بخفوت وهو لازال يُغمض عينيه: بماذا سأتكلم، ليجلس جومالي وهو يتنفس بقوه، عمّ الصمت لثوانٍ قطعه صالح وهو يستقيم بسرعه يريد الخروج ولكن باب المقهى كان مُقفلاً، ليلتفت نحو جومالي الذي أشار بأصبعه نحو مكان صالح يأمره بالعوده، ليهتف صالح بخفوت: أفتح هذا الباب، ليقل جومالي وأنظاره نحو ياماش الذي على حاله: تؤ أجلس، مسح صالح وجهه بخفه، ليقل بغصه: أرجوك أنا لا أستطيع، لا أستطيع أن أقف هنا وأبني غير موجود، لينهض جومالي بغضب ليقف أمام صالح وهو يقول بحدّه: وأنا أمي ذهبت ياهذا، أشاح صالح بوجهه وهو يُغمض عينيه بقهر، ثوانٍ وعاد ليجلس مكانه بقلةِ حيله وهو يضع رأسه بين يديّه، ليقل جومالي بحدّه بعد دقائقٍ من الصمت: قبل عدةِ ساعات جاء طفلٌ صغير إلى أمي في مطعم الفقراء وقال إنك تريد التحدث معها، فذَهبَت هي إلى مدخل الحفرة ولم تعُد، والرجل الذي طلب من الطفل إيصال هذا الكلام يعمل في إحدى شركاتك، رفع صالح رأسه بدهشه، بينما التفت ياماش ليُركز نظره على أخيه، ليردف جومالي: ومن أخبرني بهذا هو نفس الرجل، أجل.. وجدته وهو في زنزانة الحفرة الآن، ليميل ياماش إلى الأمام وهو يقول: كيف وجدته؟، تجاهله جومالي، ليهتف صالح وهو ينظر نحو جومالي بشّك: ماذا تقصد بكلامك هذا؟ "ليُكمل وهو يضحك بخفه" هل أنا من فعلها يعني؟، أقترب الآخر منه ليقل: أنا لم أقل شيئًا كهذا، ولكن أخبرني.. من هو الرجل الذي يستغلك، من هو الرجل الذي سيجعل أبنك يعيش ماعشته "وأكمل وقد علتّ نبرته بحرقه" أخبرني من هو الرجل الذي قتل أمي!، ليصرخ صالح: ماضييّ، عقد جومالي حاجبيه، ليجثي أمام صالح، تمعّن النظر قليلاً ليقل: ماضيك؟ ماذا تقصد؟، ليقل ياماش: آبي، دعه هذا ليس الوقت المناسب، ليصرخ جومالي: أنت أصمت! هل خطر على بالك أن تتحدث الآن؟، ليقل ياماش: ماذا يعني هذا؟، ليتجّه جومالي نحو ياماش وهو يقول: أنت تعلم ما يُخفيه أبن أبيك ولم تخبرني، ليقل صالح وهو يهز رأسه بخفه: هو لايعلم شيئًا، أشاح ياماش بنظره بعيدًا ولم يقُل شيئًا، ليعود جومالي نحو صالح، سحب كرسيًا ليجلس أمامه يضع قدمًا فوق الأخرى وهو يقول: أسمعك تكلم..
––––––––––––––––––––
حيثُ كارتال..
التقط علبة ماءٍ بجانبه وهو يجلس في سيارته، شرب منها قليلاً، تنفس بعمق وأخرج هاتفه وأرسل رسالة إلى صالح قائلاً فيها "سنتحدث بعد ساعه، لاتفعل أي شيءٍ جنوني حتى ذلك الوقت" ونزل من سيارته بهدوء، توقف للحظاتٍ يُلقي نظرة متفحصه على المكان أمامه، بدا المبنى عاديًا وكبيرًا بعض الشيء، تُحيط به مجموعة من الحراس بملابس رسميه، لا يشبهون أولئك الذين أعتاد كارتال على رؤيتهم مُقنعين ومُجهزين بالعِتاد الثقيل، تقدم حتى وقف أمام أحد الحراس الذي كان يهمس بشيءٍ عبر سماعةٍ في أذنه، لم تمضي سوى ثوانٍ حتى فُتح الباب الذي أمامه، فخطى إلى الداخل دون أي تردد، قادوه عبر السلالم وعينيه تتفحصان المكان بحذر.. الجدران نظيفه، الإضاءه خافته بعض الشيء، كل شيء يُوحي بأنه مكانًا رسميًا وليس وكرًا مشبوهًا، وصلوا إلى طابق يبدو أكثر هدوءً، وقف الحارس أمام باب خشبي ثقيل وطرقه مرتين قبل أن يفتحه، أشار له بالدخول دون أن ينطق بكلمه، دخل كارتال بخطواتٍ ثابته ليجد نفسه في مكتبٍ فخم، أثاثه داكن وأنيق، وخلف المكتب، يجلس الكبير بقناعه المُعتاد وهو يُمسك بين أصابعه سيجارةً سوداء من نوعٍ فاخر، تقدم كارتال قليلاً وهو يبتسم نصف إبتسامه، وقف وهو يضع يديّه في جيوبه، ليقل بهدوء: أظن أنك كنت تنتظرني، أبتسم الكبير بدوره، ليقل بسخريه وهو ينظر لقدم كارتال: دعهم يقطعون قدمك، يبدو أن إصابتها تزعجك، ليرد كارتال بلامبالاةٍ ولم تختفي إبتسامته: لا داعي أنا بخير هكذا، أشار الكبير بأصبعه إلى المقعد أمامه، فجلس كارتال ببرود قبل أن يقطع الكبير الصمت قائلاً بنبرةٍ هادئه ولكنها ثقيله: هل تعرف لماذا ناديتك إلى هنا؟، تظاهر كارتال بالتفكير للحظه قبل أن يقول: بما أننا تحدثنا قبل ساعات، وبما أنك لاتناديني مرتين في وقتٍ متقارب، فأتوقع أن الأمر مهمًا، أومى الآخر ببطء، وأشعل سيجارة أخرى وأعطاها لكارتال الذي نظر إليها بتوتر، لكنّه أخفى توتره بإبتسامةٍ بارده وهو يأخذها، ليقل بعد أن أخذ نفسًا من السيجارة التي بيده: مكان جميل.. ولا تفوح منه رائحة تلك المستودعات التي كنت تناديني إليها، ضحك الكبير لوهله، ليقل: أجل أجل.. أنت إلى أين ذهبت؟ هل إلى المستشفى؟، بلع كارتال ريقه بخفةٍ من توتره، ولكنه أومى بخفه ليقل: لنقل شيء يشبه المستشفى.. عند صديق لي، ليقل الكبير وهو يضحك بخفه: توقعت.. فالمستشفى ليس مكانًا لك اليس كذلك؟، أبتسم الآخر بخفه، ليردف الكبير: أتصلنا عليك ولم تُجب لهذا سألتك..، عمّ الصمت لثوانٍ قطعه الكبير لاحقًا وهو يقول بتفاخر: لدي مفاجئه لك..
––––––––––––––––––––
عودةً إلى الحفره..
دفّن صالح رأسه بين ذراعيه، وبعد ثوانٍ رفعه وهو يُرجع شعره إلى الخلف، نظر إلى جومالي الذي لم يتفوه بكلمه.. فقط يجلس بصمت في أنتظار الآخر ليبدأ بالتحدث، ليقل صالح بسرعه: يُسمي نفسه الكبير.. أنا قتلت عائلته سابقًا، أنهيتهُم لأنهم كانوا يستخدموني، ليهتف جومالي وقد ضيّق عينيه: ماذا تعني بسابقًا؟، تجاهله صالح الذي أكمل حديثه: هو لم يكن موجودًا عندما قتلت عائلته ولم أعرف بأمره سوى قبل أقل من شهر، يريد الإنتقام مني وها قد بدأ، ليقف بسرعه وهو يردف: هل تم؟ أفتح الباب، فرك ياماش عينيه بقوه بينما أقترب جومالي نحو صالح ببطء، ليقل: هل هو ذلك الشخص المدعو كارتال؟، لينفي صالح برأسه وأتجه نحو الباب ليقل وهو يضرب الباب بقدمه: أفتحه وإلا كسرته الآن، ليعتدل وليّ الذي كان يراقبهم من الخارج عندما رأى صديقه يضرب بقدمه باب المقهى، ليقترب وهو يهمس "سيفقد عقله" بينما في الداخل أستقام ياماش ليقف أمام الأكبر وهو يقول بحدّه: أعطني المفتاح، أنا سأخبرك بكل شيء ولكن أتركه.. دعه يذهب، قال كلمته الأخيره وهو يُشير بعينيه ناحية صالح الذي يمسح وجههُ بعنف، ليقل جومالي بغضب وهو ينظر إلى صالح: هل سنتركه في كل مره؟، ليبتسم ياماش بقهر وهو يمسح دمعةً خانته، ليمّد يده وهو يقول: سيذهب إلى كارتال، ربما يُوصلنا إلى إدريس، أعطني المفتاح، تجاوز جومالي ياماش وهو يمشي نحو الباب، فتحه ولكنه قبل أن يخرج، التفت إلى صالح ليقل بخفوت: ربما اخطأتُ عندما أخذت أبنك من منزلك، ولكن أمي ذهبت لأنها كانت تعتقد أنك أنت من ينتظرها عند مدخل الحفرة وليس أولئك ال***، والتفت إلى ياماش ليُكمل: وأتركوني مثل الأحمق "وصرخ غاضبًا" أنا لن أترك ذلك ال*** ينجوا بفعلته، سواءً أخبرتموني أم لم تخبروني، وخرج غاضبًا، تقدم وليّ مع خروج جومالي، وإستقام تولغا بصعوبةٍ من دوار رأسه.. تولغا الذي كان يجلس بجانب كاراجا التي تنظر بتبلّد وكأنها في عالمٍ آخر، بينما أمسك ياماش بذراع صالح قبل أن يذهب قائلاً بخفوت: إذا قلت أنني أريد الذهاب معك هل ستسمح لي؟، سحب صالح ذراعه بخفه بدون أن ينظر أو يُجيب وتحرك نحو سيارته، ليُعاود ياماش أمساكه وهو يقول: فهمت.. إذن لا تدعني أقلق عليك.. أرجوك أنا مُتعب، أغمض صالح عينيه بقوه، رفع يدّه وربت على كفّ ياماش بسرعةٍ وذهب، ولم يجرؤ وليّ على التفوه بكلمه، بل نظر نحو ياماش بنظرات تساؤل، ليقل ياماش وهو يُشاهد ذهاب صالح: مهما فعلنا.. لن يتوقف، ليومئ وليّ بتفهم، وأخرج هاتفه مُتصلاً على أحد رجاله يأمره بإتباع صالح وجعله تحت أعينهم بدون أن يشعر، لكي لا يفعل شيئًا جنونيًا بدون عِلمهم، ليقل مُخاطبًا ياماش بحزن وهو يُعيد هاتفه إلى جيبه: بسلامةِ رأ..، رفع ياماش يده مُقاطعًا إياه وهو يُغمض عينيه، كانت يديّه ترتجف قليلًا، تنمّ عن صراعٍ داخلي، فهو يحمل أوجاعًا عميقةً لا تجد سبيلًا للخروج، بل تزداد كل فترةٍ بوجعٍ أقوى من ذي قبل، ذهب ياماش وأتى تولغا يمشي مترنحًا بخفه، ليقل يُخاطب وليّ: لماذا تركت أخي صالح يذهب؟، ليقل وليّ: أنت تعرف أخيك لن نقدر على تهدئته، هو غاضب ويتألم، ليأتي جيلاسون وميكي، ليهتف جيلاسون: تولغا! ماذا حصل معكم هل وجدتم إدريس؟، نفى تولغا برأسه، ليسأل جيلاسون مرةً أخرى: أين أخي صالح؟، ليقل وليّ: على الأرجح ذهب إلى كارتال، جلس تولغا بخفه على مقدمة السياره وأنظاره أتجهت نحو كاراجا، ليقل ميكي: حسنًا أين أخي ياماش؟، أجابه وليّ: لا أعلم للتو ذهب، أنتم ماذا حصل هنا بعد ذهابي؟ ليقل جيلاسون بحزن: أتصلوا من المستشفى على أخي ياماش بعد ذهابك.. فذهبنا ولكننا وجدنا جثـ..، وأنزل جيلاسون رأسه بدون أن يُكمل من ثُقل الذي حصل، ليتنهد وليّ بخفه، بينما قال ميكي: ماذا يحدث يا أخوه من الذي فعل هذا؟، عمّ الصمت ليقطعه جيلاسون الذي قال: نحن ذهبنا إلى منزل أخي صالح كما أخبرنا أخي ياماش، لكننا لم نستطع الإقتراب فالشرطة تملأ المكان، وإن بذلوا مزيدًا من الجهد سيُغطون ذلك الحي بأكمله، ليقل تولغا: شرطه!، ليقل وليّ بغضب: ذلك ال*** لا***، نظر تولغا بصدمةٍ ليقل: هل داهان؟، ليسأله جيلاسون بإستغراب: هل تعرفه!، ليُجيب تولغا: أجل فهو لايترك أخي وشأنه، اللعنه ماذا يريد هذا الرجل!، ليقل وليّ: لو كان بإمكاننا أن نعلم..، ليقل ميكي: ماذا سألك يا أخي ماذا يريد؟، ليُجيب وليّ: سألني عن مكان صالح، وبالطبع لم أخبره لأنني أساسًا لم أكن أعلم أين هو، تنهد جيلاسون بخفه ليستقر نظره على تلك التي تجلس هناك بلا روح.. ملامحها غاضبه أجل، ولكنها ضائعةً في داخلها، ليهتف وهو لازال ينظر إلى كاراجا بألم: أين اكين؟، لاحظ نظراته تولغا الذي ضيّق عينيه وقال بحدّه: زوجته تعبت وذهب إليها، ليقل جيلاسون: أنا سآخذ كاراجا إلى المنزل، ولم يكاد يخطو خطوتين حتى منعه تولغا الذي قال: لا تُتعب نفسك، أنا سآخذها، وحين أعتدل ليذهب ناحية كاراجا، دارت به الدنيا وكاد يسقط لولا وليّ الذي أرجعه مُتكئًا على السياره، مسّد تولغا بأصابعه مقدمة رأسه بعنف قليلاً، ليسأل وليّ بقلق: ماذا حصل لك؟، ليقل تولغا بخفوت: لا أعرف.. عندما ذهبنا إلى ذلك الكوخ حيث موقع القلادة الخاصة بإدريس، خدرني رجل مُقنع من بعيد، ولا أذكر شيئًا بعدها سوى أنني أستعدت وعيي في السياره، ربما هذا هو سبب دوار رأسي، تبادل الجميع نظرات قلق قبل أن يتقدم وليّ وهو يقول: أنت لست بخير دعنا نذهب إلى المنزل وسنتحدث لاحقًا بما حصل، ليتقدم جيلاسون وربتّ على كتف تولغا وهو يقول: سآخذ كاراجا إلى المنزل وسآتي إليكم، تنهد تولغا بخفه وأومى بالرغم من عدم رغبته بأن يصحب جيلاسون كاراجا، فهو يشعر بوجود شيءٍ غريب بين الإثنان ومن ناحية جيلاسون تحديدًا..
––––––––––––––––––––
عودةً إلى مقر الكبير..
أخرج حاسوبًا وبدأ بالضغط عليه، مع نظرات كارتال البارده فهو كان يعلم تمامًا ما هي المفاجأه، ثم قام الكبير بتدوير الحاسوب نحو كارتال، فنظر الآخر بشرود ودهشه.. فهو لم يتوقع هذا أبدًا، كان التصوير ليليًا، لأن الغرفه كانت مظلمةً وفارغةً من أي شيء، يتوسّطها حبلٌ طويل ينسدل من السقف في المنتصف، إستقامت سلطان التي كانت تجلس في الزاويه وصعدت على كرسي، أدخلت عنقها في الحبل ثم رمت الكرسي بعيدًا بقدميها، بدأ جسدها ينتفض وهي معلقةً تُصارع أنفاسها التي تنقطع، حتى ثبتتّ بعد نصف دقيقةٍ معلقةً بالحبل، أنتهى الفيديو، مع نظرات كارتال المُتجمده، ليسأل بخفوت: هل.. هي؟، ليُجيب الكبير بسرعه: أجل.. سلطان كوشوفالي والدة أخوة فارتولو، تدارك كارتال وضعه، ليبتسم وهو يقول: كيف حدث؟ هل أنتهى أمرها؟، رفع الكبير حاجبيه قليلاً، ليقل: أجل.. بدأنا بأخذهم فردًا فردًا، ليقل كارتال: لماذا لم تخبرني؟، ضحك الكبير وهو يرد: لأن هذه ليست أعمالك، أعمالك أنا أعرفها جيدًا، عقد كارتال حاجبيه ثم نظر إلى الكبير وهو يأمر أحد رجاله بالدخول، دخل الرجل ووضع ظرفًا على الطاولة ثم خرج، ليقل الكبير وهو يُشير إلى الحاسوب: المفاجأت لم تنتهي بعد، وأدار الحاسوب مرةً أخرى، لتظهر غرفةً بأثاثٍ طفولي، وإدريس نائمًا على السرير في المنتصف، تنهد كارتال بإرتياح عندما رآه بخير، ولم يلاحظه الكبير الذي قال بإبتسامةٍ خفيفه: أخذته بسهوله.. لقد توقعت من معرفة فارتولو بي وبنيتي أنه سيحمي أبنه ويضع جنودًا حوله، ولكنه تركه في منزل عائلته بلا إهتمام، ليقل كارتال: الم يكن في منزل والده؟، وضع الكبير قدمًا على الأخرى وقال: لا.. رجالي هاجموا منزله لكنهم لم يجدوا الولد، وعثروا عليه في الحفرة لحظة إختطافهم لتلك الشمطاء، صمّت كارتال، ليسأل لاحقًا بتركيز: هل تنوي أن تفعل شيئًا بالولد؟، أبتسم الكبير ليقل: حاليًا لا.. سأجعل فارتولو يجنّ وهو يبحث عن أبنه، وسأكتفي بمشاهدته فقط، ومن ثم..، ضيق كارتال عينيه بتركيز، ليُكمل الكبير: لا يهم الآن.. المهم هو ما ستفعلهُ أنت غدًا، نهض الكبير وتقدم ناحية الظرف مع ترقب كارتال الذي يشّد على قبضتيه بتوتر، ليُخرج الكبير فلاشة ووضعها فوق الظرف، ليقل: هذه الفلاشة تحتوي على فيديو تلك الشمطاء وهي تنتحر، أما الظرف فيحتوي على السندات المتبقية للحفره التي لم أحرقها، غدًا ستذهب إلى الحفرة وستُعطيهم الفلاشة ثم ستُحرق السندات المتبقية أمامهم، ليقل كارتال وهو يتظاهر بالبرود بالرغم من الصدمة التي أعتلته: الم تقل أنه ليس أنا من سيقوم بمهمة السندات؟، ليقل الكبير بغضبٍ طفيف: لاتجعلني أندم لأنني ناديتك إلى هنا، ستفعل ما آمرك به بدون أسئلةٍ وأنتهى هل فهمت؟، أومى كارتال ليستقيم وهو يأخذ السندات والفلاشة وقبل أن يغادر، هتف الكبير: كنان مات.. هل أنت من قتله؟، التفت كارتال بعدم إهتمام ليقل: هاير.. ولو فعلت ستعلم، ليقل الكبير: حين خرج من المستودع مع رجالي، أنفجرت بهم السيارة على الطريق، لم تكن مفخخه بل شيئًا حصل، لم يُجب كارتال بل نظر بشّك، ليُكمل الكبير: عمومًا.. مات وذهب، أنت أذهب إلى عملك، غادر كارتال المكان وهو يمسح على شعره بعنف، صعد إلى سيارته وألقى بما في يده على المقعد الخلفي، ثم وضع رأسه على المقود وهو يُتمتم بشتائم عده، فالكبير يريده أن يظهر كعدو مرةً أخرى، يريده أن يكون في المقدمه، صحيح أن كارتال يتظاهر بذلك لكي يبقى بجانب الكبير، ولكن ما سيفعله سيكون قويًا جدًا، رفع رأسه وهو يفكر بالفيديو الذي رآه، هل فعلاً أنتحرت؟ مستحيل.. بالتأكيد لعبوا بعقلها حتى جعلوها تنتحر! ولكن.. هل كان لديهم الوقت الكافي لفعل ذلك؟ أم هددوها بشيء ما؟ أم أن هذا الفيديو ليس حقيقيًا بل مجرد فوتوشوب؟ شغّل سيارته وأنطلق وهو غارقًا في التفكير بما أمره به الكبير..
––––––––––––––––––––
حيثُ صالح..
دخل بغضب لقصر كارتال بالرغم من أن رجال كارتال في الخارج أخبروه أن كارتال غير موجود، راح يجُوب أرجاء المكان، يفتح الأبواب بعنف، ويتفحص كل غرفه، خرج عندما لم يجد أحدًا في الداخل، ليُمسك أحد الرجال وسأله من بين أسنانه: أين سيدك؟، ليقل الآخر: قلت لك ياسيد فارتولو أنه ليس هنا، ولا أعلم إلى أين ذهب، دفعه صالح بعنف ليتجه إلى سيارته، وأنطلق متجهًا إلى أول مكان خطر في باله قد يكون كارتال موجودًا فيه بعد قصره، وعلى بُعد دقائق، وفي شقة ليلى، التي تجلس وهي تهز قدمها بتوتر، طُرق الباب لتنهض وركضت نحوه فورًا، فتحت الباب لتجد كارتال واقفًا أمامها، سألته بسرعةٍ وبنفس واحد: هل تحدثت مع صالح؟ ماذا حصل؟ هل وجدو إدريس؟، ليدخل كارتال وهو يقول: لم أتحدث معه بعد، سأذهب إليه بعد قليل، وأطمئني إدريس بخير، تنهدت بخفه، لتقل: وجدوه يعني؟، نظر كارتال إليها لينفي برأسه، لتنظر الأخرى بإستغراب وهي تقول: ماذا تعني؟، ليقل كارتال: سأشرح لكِ لاحقًا أنا جئت لأنني أريد حاسوبكِ، هل يمكنني أستعارتهُ لبعض الوقت؟، نظرت ليلى إليه بقلق قبل أن تُشير بأصبعها وهي تقول: أنه في غرفتي، توجّه الآخر فورًا إلى الغرفه وأخذ الحاسوب، ثم توقف في منتصف الصالون وهو يُفتش في جيوب سترته ويُتمتم بغضب: اللعنه.. لقد نسيت هاتفي في السياره، لتسأل ليلى بتوتر: هل تشرح لي ما الذي يحدث؟، جلس كارتال على الأريكة وفتح الحاسوب، وحين تقدمت ليلى لتجلس بجانبه، قال سريعًا محاولاً إبعادها دون أن تلاحظ: ليلى.. أحضري لي كأسًا من الماء، رمقته بحدّه.. فقد شعرت بنيّته ومقصده، لكنها لم تعلق وذهبت لإحضار الماء، عادت بالكأس ووضعته أمامه، ولم تجلس بل توجهت إلى النافذه تنظر إلى الخارج بقلق، وبعد دقائق، هتفت ليلى: صالح.. أنه قادم، التفت كارتال بأعين مُتسعه، نهض وأتجّه إلى النافذه فورًا، فرأى صالح يترجل من سيارته ويتجه نحو البناية بغضب، شتم في داخله وأندفع راكضًا نحو الخارج وهو يُتمتم بغضب "المجنون.. لماذا أتى إلى هنا؟" لحقت به ليلى بسرعه لكنه وضع يده في وجهها مانعًا إياها من التقدم قبل أن ينزل من السلالم قائلاً: أنتِ أبقي هنا، نزل مسرعًا حتى رأى صالح، وبسرعةٍ أقترب منه وأمسكه من ذراعه ساحبًا إياه إلى الزاوية أسفل السلالم، ليهمس وهو ينظر حوله كمن يخشى أن يراه أحد: هل جُننت؟ إنه يراقبني بإستمرار ولا أريده أن يراك بقربي، نفضّ صالح ذراع الآخر عنه بقوه، ليقترب وهو ينظر وعيناهُ تشع غضبًا ليقل: لا يهمني.. الآن ستأخذني إلى ذلك ال***، لينظر كارتال بتوتر ليقل: لا.. مستحيل، لا يمكنني فعل ذلك، ليصرخ صالح بغضب: لقد خطف أبني! أبني بين يديه، هل تفهم معنى هذا؟، أجاب كارتال بسرعه وكأنه يريد أن يُخمد النار التي أشتعلت أمامه: أعلم ذلك، أبنك بخير.. وسنجده، لكن ليس بهذه الطريقه، ضحك الآخر بمراره، ليقل: حقًا؟ إن لم تأخذني إليه سأبحث عنه بنفسي ولو أضطررت لحرق إسطنبول بل تركيا بأكملها، نظر كارتال بصدمه ليقل: هل أنت جاد؟ هذه ليست طريقة للتعامل مع الأمر، لقد بدأ يثق بي.. حتى أنه وثق، لاتجعل خطتنا تفشل، أمسك صالح بياقة الآخر غاضبًا، ليقل: يثق بك؟ هل تفكر بنفسك فقط؟ أيها ال*** أقول لك أبني معه، تحت يديه! سيؤذيه، سيقضي عليـ..، توقف فجاءةً وكأنه أختنق بالكلمات في حنجرته، أنحنى قليلاً واضعًا يديّه على ركبتيه وهو يتنفس بقوه، تنهد كارتال بحرقةٍ وأقترب من الآخر بهدوء، ليقل: أعلم ما تشعر به صدقني.. لكن أستمع إليّ أنا أعرف هذا الرجل جيدًا.. إذا أراد أن يمنعك من رؤية أبنك فلن تصل إليه أبدًا، والطريقة الوحيده هي أن أثبت له أنه يمكنه الوثوق بي ليُخبرني بمكانه وخُططه، أنا قريب منه الآن، وسأقترب أكثر حتى أتمكن من إيجاد أبنك وإعادته إليك، رفع صالح رأسه ببرود، ليقل: أنت لا تفهم، لا أحد يفهمني.. لقد أخذوا روحي يا هذا! أخذوا مني روحي ليس أبني فقط، صمت الآخر للحظه.. شعر بثقلٍ في صدره وهو ينظر إلى حال من يقف أمامه، ليقل بهدوء: أعرف أن الأمر صعب جدًا، لكن أرجوك أصبر، أقسم لك أنني سأعيد لك أبنك.. هذا وعدي وسأعتبره دينًا في رقبتي، لكن إن هاجمتهم الآن أو حاولت فعل أي شيء طائش، سيفكرون في إيذاءه، جلس صالح واضعًا يديّه على رأسه، فكل الطرق مسدوده، إلى أين يذهب لا يعلم، وكيف يجد أبنه أيضًا لايعلم، فآخر شخص كان يأمل أن يساعده في الوصول إلى ابنه، هاهو لافائدة منه، قاطع تضارب أفكاره هذا جلوس كارتال بجانبه وهو يقول: رأيت أبنك هو بخير.. وذلك ال*** لن يؤذيه، سيحتجزه فقط ليضغط عليك.. أنا أعرفه أرجوك فقط أصبر، ليضحك صالح بسخريه، وصمت الإثنان لدقائق، ليقل صالح ببرود: أنا قتلت عبدالله قبل ساعات، نظر كارتال بصدمه، ليسأل بقلق: ماذا قلت؟
––––––––––––––––––––
الحفره..
دخل وليّ وهو يسنُد تولغا إلى منزل صالح الذي بجانب منزل العائله، أجلسه على الأريكة التي في الصالون أمام المدفأه وهو يسأل بقلق: ماذا يحصل لك ياهذا؟، تنفس تولغا بصعوبه وهو يضغط على صدره بخفه، ليقل بخفوت: لاشيء.. قلت لك مجرد دوار بسيط، نظر وليّ إليه بإرتياب، ليقل بحدّه: مجرد دوار؟ أنت بالكاد تستطيع الوقوف ياهذا، فتح تولغا عينيه ببطء وحدّق في المدفأة أمامه، ولم تخفى أنفاسه المرتجفه عن وليّ الذي جلس على الطاولة التي أمامه مستندًا بذراعيه على ركبتيه، ليقل بمزاح ولكنه يحمل الكثير من القلق: إن كنت تحتضر فأخبرني.. لأعرف ما ينبغي عليّ فعله، ضحك تولغا بسخريه، ليتنهد ببطء وهو يهز رأسه نافيًا: لاتقلق.. لستُ، على الأقل ليس الآن، عمّ الصمت للحظات قبل أن يردف تولغا وهو يُخرج هاتفه: لا أعلم كيف تركناه يذهب لوحده، أنت تعلم أنه لايفكر الآن بشكلٍ سليم وسيُخاطر بنفسه، ليرد وليّ: وأنت تعلم أننا لن نستطيع إيقافه، ولا ألومه فذلك ال*** أخذ أبنه وقتل والدة أخوته ولا أعلم كيف أستطاع فعل ذلك..، أومى تولغا بقلةِ حيله ليمّد الهاتف إلى وليّ وهو يقول: موقعه هنا، موقع هاتفه وسيارته.. إذا غفل رجالك عنه تأكد من موقعه ولا تتركه لوحده طويلاً، ليقل وليّ: ولماذا تعطيني الهاتف؟ دعه يبقى معك، ليستلقي تولغا وهو يُغمض عينيه، وهمس قبل أن يغرق في دوامة الدوار التي تجتاحه: لا أظن أنني سأكون بكامل وعيي قريبًا..، توقف وليّ للحظات يُحدق في تولغا الذي أستسلم للنوم أو بالأصح للإغماء، أقترب منه يتفحص جبينه، لم تكن حرارته مرتفعه، لكن شحوب وجهه والدوار الذي يشعر به لم يكن أمرًا طبيعيًا، ليهمس "اللعنه.. ماذا أعطوك!" وفي الجهة المقابله في منزل العائله، تجلس داملا وإيفسون في الصالون بصمت، لتهتف إيفسون بعد لحظات بهدوء: سيُطول أمر الجنازه.. هناك تحقيق والشرطة ستتدخل لأنهم يظنون أنه إنتحار، لتقل داملا بسخريه وهي تنظر بشرود: إنتحار؟ هذا يعني أن من فعلها أراد أن يترك ما وراءه نظيفًا في أعين القانون، تنهدت إيفسون وجلست تفرّك كفيّها بقلق، لتقل بخفوت: أنا خائفه جدًا.. خائفةٌ على أبنتي.. ولا أريدها أن تكبر بدون أحد والديها، لترد داملا بسرعه: لا تقولي هذا! سنحمي أنفسنا وسنكون جاهزين مثلهم، عقدت إيفسون حاجبيها، لتُكمل داملا: لديك سلاح اليس كذلك؟، أومت إيفسون، لتقل الأخرى وهي تُبعد خصلات شعرها للوراء: أخرجيه وضعيه في مكان تستطيعين الوصول إليه بسرعه إن أحتجتي لذلك.. أنا لدي واحد في صندوقي داخل الخزانه، وكاراجا أساسًا لا تترك سلاحها.. لنكن جاهزين لأي طارئ، ونحمي أنفسنا وأطفالنا فالرجال لن يستطيعوا في كل وقت، ولن نكون عبئًا عليهم "وأردفت بعد أن تنهدت بقوه" إن شاء الله يجدون إدريس.. إن حصل له شيء سيجّن والده، لتُتمتم إيفسون: إن شاءالله..
––––––––––––––––––––
عودةً إلى كارتال وصالح..
نظر كارتال بدهشه، بينما أكمل صالح بهدوءٍ مريب: أصبح عجوزًا ومشلولاً، قال لي أنه بسبب الرصاصات التي أطلقتها عليه قديمًا، وأصُيب بسرطان الدم، فأنهيت الأمر وقتلته للمرةِ الثانيه، أغمض كارتال عينيه بقوه وكأنه يحاول طرد فكرة ما من رأسه، ثم سأل مجددًا بنفس القلق: هل تناولت دواءك؟، التفت صالح إليه ونظر في عينيه ليقل ببرود: ألا تصدقني؟، تنهد كارتال محاولاً الحفاظ على هدوئه وهو يقول: صالح.. أنت لست بخير، لقد خضعت لعمليه، وكل هذه الأحداث.. ظهور أبن عبدالله، وقلقك على عائلتك والضغط الذي تعيشه وخطف أبنك جميـ..، صرخ الآخر فجاءه وهو ينهض بغضب مقاطعًا الآخر: إياك! إياك أن تتحدث معي وكأنني جُننت، لن أجّن هل تفهم؟ أنا أعرف ما فعلته، ولن أسمح لأي أحدٍ حتى أنت أن يُشكّك في ذلك، ساد صمت ثقيل تبادل فيه الإثنان نظراتٍ مشحونة بالغضب والتوتر والخوف، لم يستسلم كارتال بالرغم من غضب الآخر، ليقترب وهو يهتف بنبرةٍ أكثر هدوءً وكأنه لايريد أشعال نار غضب الآخر أكثر: كنت عدوك أجل.. وفعلت أشياءً عديده ضدك، لكنني الآن معك وفي طرفك، أقاتل معك وأعيش هذا الكابوس أيضًا معك، إذا كنت لا تصدقني، فلا ألومك ولكن..، قاطعه الآخر وهو يقول: أنا لا أثق بك وهذه تفاهات لا أريد سماعها، الآن ستأخذني لذلك الرجل الآن!، ليصرخ كارتال وقد طفح كيله: أفهم ياهذا! أنت تعرض أبنك للخطر بجنونك وغضبك! أن كنت لاتريد لهذا الأبن الغالي أن يفقد حياته ستقف هنا وستهدأ، مال صالح برأسه قليلاً وهو ينظر بغضبٍ شديد، في حين أغمض كارتال عينيه للحظه وقد أستوعب أنه تفوّه بشيءٍ سيء، ليقل بهدوء: لم أقصد قول هذا، وحين أنهى جملته دفعته أيدي الآخر بعنف حتى التصق بالجدار خلفه، ليقل صالح وهو يُمسك ياقته وينظر بحدّه: هذا الأبن الغالي هو عائلتي وكل ماتبقى لي، هو أملي وسبب بقائي على قيد الحياة حتى الآن، هو قطعه من روحي بل هو روحي بأكملها، توقف قليلاً وهو يُمعن النظر في أعين كارتال الذي ينظر بتفهم وحزن، ليُكمل ببرود: ولكن لمن أقول؟ هل يمكن لرجلٍ لم يُمارس الأبوة.. ولم يرى الأبوة في حياته أن يفهم ما أتحدث عنه؟، تجمد وجهه كارتال من كلام الآخر، بينما أردف صالح بنفس النبرة: صحيح، فرجلٌ قتل أباه.. كيف سيفهم؟، بلع كارتال ريقه ليقترب بوجهه من صالح وهو يقول: يكفي..، أبتعد صالح عنه، ليقل وهو يُشير بأصبعه: ثلاثة أيام، إن لم تصل إلى أبني فسأُحرقك لكي أصل إليه هل فهمت؟ وإن أضطررت لقتلك سأفعل ولن يرفّ لي جُفن، وأبتعد خارجًا، بينما وقف كارتال في مكانه وأنظاره ثابته على المكان الذي خرج منه صالح، كانت كلمات الآخر كالسكاكين في صدره ولكنها الحقيقه.. أستند بيده على الجدار وهو يشّد بيده الأخرى على رأسه يحاول تهدئة نفسه، فهو في تلك اللحظة التي رأى فيها ألم وتخبط صالح، وبالرغم من أنه لم يعشّ الأبوة بنفسه ولم يراها، لكنه بدأ يفهم الآن أكثر من ذي قبل، كان يشعر بمزيجٍ من الغضب والندم، ولكن الأقوى كان شعوره بذلك الفراغ الذي يملأ داخله، الفراغ الذي يُلازمه منذ وعيه على نفسه في هذه الدنيا، أستجمع نفسه وأستدار ناويًا العودةَ إلى شقة أخته، ليجدها تجلس على آخر درجات السلالم القريبه من مكانهم، كانت تجلس وهي تنظر إليه بأعينٍ غاضبه ومليئةٍ بالدموع، ليقل كارتال وهو يرجو أن تكون شكوكه خاطئه: ليلى؟ ماذا حدث؟، لتقل الأخرى بغصةٍ وغضب في آنٍ واحد: هل ماقاله صحيح؟ هل قتلت أبي؟
إلى اللقاء في البارت القادم..

لا يوجد سوى الألم..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن