"أنت تستحق كل هذا بل هو قليل ما فعلوه بك"
ثلاثة سيارات للشرطه بجوار سيارة الترحيل إصطفت أمام بوابة السجن، تقدم أحد العناصر ليفتح باب السياره في حين أن الآخرين وقفوا متأهبين يراقبون بحذر وأيديهم على أسلحتهم تحسبًا لأي طارئ، نزل كارتال برفقة عنصرين، نزل مُكبل الأيدي، ينظر إلى رجال الأمن بلا إكتراث وكأن نظراته وروحه خاليةً من الشعور، قادوه عبر البوابه التي أُغلقت بقوة خلفه، ولكن صوت إرتطامها لم يكن أعلى من ضجيج عقله وقلبه، فهو أصبح كالجسد بلا روح منذ لحظة إزهاقه لحياة حبيبة قلبه، وكأنها نزعت منه كل إحساس وذهبت فلم يتبقى شيئًا سوى الفراغ، ولكن هذا هو الحال، فكلاً منّا يقتل أحباءه، البعض يقتل بكلامه.. ونظراته.. والبعض بقلمه.. والبعض يقتل فعلاً، يقتل بإنهاء حياة حبيبه سواءً بقصدٍ أو بدون، ولكن! من يقتل يعيش.. ولكنه يعيش بجسدٍ بلا روح، جسدًا يتنفس فقط.. يتنفس بلا إحساس، فما قيمة الحياة أن كانت بالتنفس فقط؟ فهذه ليست حياةً بل موت.. موتًا وأنت على قيد الحياة..
تابع كارتال خطواته بصمت والعناصر من حوله، أخذوه فورًا للزنزانة الإنفراديه، وصلوا إليها، ليقُم أحد رجال الأمن بتحرير كارتال من قيود معصميه، ليقل بنبرةٍ صارمه: ستبقى في المنفرده حتى موعد مقابلتك مع مدير السجن، لم يرد الآخر بل ذهب ليجلس على الأرض مُتكئًا بظهره ورأسه على الجدار ينظر بتوهان لأثار القيود التي جرحت يديه، بعد لحظات أُغلق الباب، ليبقى وحده في صمتٍ عميق، تُحيطه الجدران الأربعه التي عكست برودتها شيئاً من برودة روحه المُتعبه، ليعود ويتذكر تفاصيل الليلة الماضيه التي أساسًا لايدور بعقله سواها، في عقله الكثير من الأسئله، وفي قلبه الكثير من الألم، أغمض عينيه ببطىء، تذكر وجه حبيبته في تلك اللحظه.. تلك اللحظه التي رفع فيها الغطاء عنها بيدين مرتجفتين ليجدها بلا روح، اللحظه التي إرتجف فيها قلبه وكأنه بين يديه، ملامحها الساكنه، وعينيها المغلقتين، أستوعب في تلك اللحظه أنه سكون الموت.. وأنه لن يراها مجددًا أبدًا، بدأ وجهها يتلاشى من أمامه كأنه سراب، تاركًا وراءه شعورًا بالذنب يخنقه ببطء، بدأت الأسئله تتدفق في ذهنه كطوفانٍ لا ينتهي "كيف يمكن ليديّ أن ترتكب شيئًا كهذا؟" "كيف وصل بي الحال إلى هنا؟" "هل كانت تلك اللحظة قدرًا محتومًا أم خيارًا إتخذته بإرادتي؟" كان يشعر وكأن قلبه تحوّل إلى ساحة معركه، مُمزقًا بين الندم والغضب عليها وعلى نفسه، أنحنى ببطىء على جانبه، ليستلقي وهو لازال يُغمض عينيه، ليصبح كل شيء حوله وكأنه حلمًا بل كابوس وربما هذه المره لن ينتهي..
––––––––––––––––––––
عند صالح
نزل من سيارته بينما قفز إدريس للخلف لكي يأخذ حقيبته بنفسه، ليضحك صالح وهو يقول: بني كنت سأخذها لماذا قفزت، ليفتح باب السياره لينزل إدريس وسرعان ما أمسك يد والده بقوه، لينظر صالح بإستغراب ليقل: لماذا مسكت يدي بهذه الطريقه؟، لينظر صالح للأمام عندما لاحظ نظرات إدريس، ليجد علي ومراد يقفون ومعهم مجموعة من الرجال، وسرعان ما قال علي وهو يتقدم نحوهم: هؤلاء الرجال الذين طلبتهم لحماية السيده ليلى، متى سنذهب لرؤية السيد كارتال؟ فلقد أحالوه إلى السجن، ليُرجع صالح نظره إلى أبنه، إنحنى وهو يُمسك وجنة أبنه بلطف: هؤلاء أصدقاءنا، ناس جيدون لماذا خفت؟، ليقل إدريس ببراءه: عمي جومالي قال لي أن الناس الغرباء سيئون ويجب أن نحذر منهم
–"وهو يبتسم بحنان" أجل صحيح، ولكن ليس كل الناس غرباء، هناك من يساعدنا ويكون معنا، هؤلاء هنا ليحموا ليلى
=من ليلى؟
–اووه سيد إدريس لدينا أصدقاء كثيرون سأعرفك عليهم
=وكارتال هل سنذهب ونتعرف عليه؟، هنا تغيرت ملامح صالح، ليُجيب بغضب طفيف: لا، هذا لن تلتقي به
=لماذا؟ هل هو سيء؟
–لا، ولكن هذا ليس الوقت الصحيح لتتعرف عليه، ليستقيم صالح بينما أحكم إدريس مرةً أخرى بقوه وهو يُمسك يده، ليقل صالح موجهًا كلامه لمراد: أين تولغا؟
=لا أعلم بعد أن ذهبت أنت ذهب ولم يأتي حتى الآن
–حسنًا "وأكمل حديثه يُخاطب علي" متى أحالوه؟ ليُجيب علي: لا أعلم فقط وصلني الخبر، يجب أن نذهب وأيضًا يجب أن نوفر له الحمايه هناك، فحتمًا سيحاولون قتله، لينظر صالح إلى علي من رأسه حتى قدميه وهو يتمعن في ملامح وجهه القلقه، ليقل بحدّه: من الذي سيحاول قتله؟، سأل بإستغباء وكأنه لازال يجهّل الحقيقه، فهو يريد وينوي إستجواب علي، ليُجيب علي بتوتر: من سجنوه بالتأكيد، ليتجاهله صالح وهو يدخل للداخل برفقة إدريس، ولكنه هتف بصوتٍ عالي وهو يعطيهم ظهره: أريد أن أتحدث معكما أنتما الإثنان لاحقًا لاتذهبا بعيدًا، ليدخل وكان في أستقباله طبيب ليلى، أندهش صالح من رؤيته، ليقل: حضرة الطبيب عساه خيرًا؟ ليقل الطبيب وهو يبتسم: سيد صالح أراك أفضل حالاً على عكس عندما أتيت لنقل السيده ليلى، ليقل صالح وهو يبتسم ويمسح على رأس أبنه: ربما لأن هذا الأسد أصبح بجانبي، أبتسم الطبيب وأومى وهو لم يفهم قصد صالح، ليقل: لم يكن هناك فرصه لنتحدث من قبل عن حالة السيدة ليلى، هل يمكن أن نتحدث الان؟
="بقلق" بالطبع؟ ماذا حدث؟
–لاتقلق لم يحدث شيء، هل نجلس؟
=أجل فلنخرج للخارج، ليخطوا للخارج وصالح لازال يُمسك بيد أبنه، ليقل الطبيب وهو يمشي بجوار صالح: منزل جميل..
–سلمت
=ولم تأثث المنزل بشكلٍ كامل وهذا الشيء ساعدنا في تجهيز وتعقيم غرفة السيده ليلى بشكل أفضل، فجراحها لم تلتئم بعد فالطبع هي بحاجة لمكانٍ مُعقم، ولأقل لك لن أتفاجأ إن ساءت حالتها، جلس صالح على كرسي بينما أجّلس أبنه على الطاوله أمامه رغم تذمره، وجلس الطبيب على الكرسي الآخر، ليقل صالح بتوتر: لم أفهم؟
=لأشرح لك، الم تأتوا بها مصابة بطلقتين؟
–"بخوف" أجل.. ولكنك قلت أنها ستتعافى
=أجل قلت وأرجو ذلك، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن تحدث مضاعفات غير متوقعه، لقد كانت حالتها حرجه جدًا، وهذا يتطلب المزيد من الوقت والمراقبه، والآن نقلها إلى هنا بعيدًا عن المستشفى، يمكن أن يضرها أكثر، أنت تعلم ولازلت مُصرًا على هذا
–"وهو يمسح وجهه بخفه" أعلم ولكنها ستتعافى وهنا سيكون آمنًا لها أكثر من المستشفى
=صحيح ما علاقتها أو علاقتكم بالذي حاول إيذائها بالأمس؟، توتر صالح لحظتها ولكنه أجاب ببرود: ليس لنا أي علاقه، فقط هي صحفيه.. فلابُد من وجود أشخاصًا يعارضون ذلك أو يعارضون ماتنشره هي
=اووه حقًا يوجد من يعارضون كل شيء والصحفيون غالبًا ما يكونون في مرمى النيران، خاصةً عندما يتحدثون عن قضايا حساسه، لينظر صالح وكأن الطبيب نبههُ على شيءٍ ما، ليردف الطبيب وهو يقف: المهم هو أن ندعو لكي تستجيب للعلاج في الأيام المقبله، وأنت.. صحيح نسيت أن اسألك ماذا تقرب لها هل أنت زوجها؟، ليضحك صالح بخفه ليهتف: لا، لنقل صديقها، ليومي الطبيب بخفه وأقترب وهو يربت على كتف صالح: تكلم معها، فهي في غيبوبه نعم ولكنها تشعر بمن حولها، تستطيع الدخول فأنا سمحت بذلك لك ولكن ليس لوقتٍ كثير، تحدث معها دعها تشعر بك وبكم ربما هذا الشيء سيُساعدها، ليبتسم صالح بخفه وهو يربت على يد الطبيب: سأفعل، سلمت أيها الطبيب لتفهمك للوضع الذي نحن فيه، ذهب الطبيب ووضع صالح رأسه على الطاوله بلا تفكير عندما شعر بدوارٍ خفيف، لتمرّ لحظاتٍ ويشعر بيدٍ تهزه من كتفه، رفع رأسه فورًا ليجد أبنه يجلس في مكانه يُمسك بهاتفه وتولغا يجلس على الكرسي بجانبه، ليهتف تولغا بقلق: آبي؟ هل أنت بخير؟
–"بسخريه" لو أراهن على عدد المرات التي تسألني فيها عن حالي سأربح ملايينًا، لينظر تولغا إلى إدريس الذي ضحك على كلام والده، ليقل صالح وهو ينظر بنفس النظره: هاتفي معك كيف أخذته؟ وأيضًا لماذا تضحك هل فهمت ماقلته؟، ليقفز إدريس من الطاوله، ليقل: فهمت أجل، هذا يعني أن تولغا يسألك كثيرًا هل أنت بخير؟، ليضحك الإثنان، إستقام تولغا وذهب ناحية إدريس ببطىء وهو ينوي مهاجمته لأنه ضحك عليه، ليقل وهو يتظاهر بالجدية والغضب: هل تضحك عليّ أنا؟ سأريك ماذا يحدث لك عندما تضحك على أحدًا آخر، ليقل إدريس وهو يضحك ويتراجع للخلف يحاول الهروب: لاتقترب والله سأخبر بابا!
=لن يستطيع والدك فعل شيء!، ليتقدم بسرعه ناحية إدريس، حاول الصغير الهرب ولكنه تعثر وسقط، ليضحك تولغا وهو يقول: هذا ما يحدث عندما تضحك عليّ أيها المشاكس، وقفز على الآخر وبدأ يداعبه يحاول إضحاكه وهم يستلقون على الأرض، لهث الصغير من الضحك وهو يحاول التملّص من تولغا الذي أفلته وهو يضحك من ضحكته، وجلس ينظر إلى صالح الذي كان يشاهد وهو يتكىء برأسه على يده ويبتسم، شعر براحةٍ تغمر قلبه رغم الخطر الذي يدور حولهم ويتربص بهم، كانت لحظات الضحك هذه بمثابة جرعة من الأمل، ليقل صالح: من الجيد أنني أخبرت مراد وأحضر لكما ملابسًا نظيفه وجديده، أستغرب تولغا كلام صالح لينظر لملابسه ليجدها متسخه من الأرض، ليقل وهو ينفض عن نفسه الغبار: اوف حقًا أتسخت "ليردف وهو يستقيم ويساعد إدريس أيضًا" لماذا أحضرت لنا ملابس؟، ليقل صالح بسخريه وهو لازال يبتسم: أظن أصبح لدي ولدان واحدًا عمره خمسةً أعوام والآخر في الخامسةٍ والعشرون، ما رأيك ياتولغا بأن نذهب للملاهي؟ نقضي بعض الوقت هناك تلعب أنت وإدريس، ليقلب تولغا عينيه بإنزعاج في حين ضحك إدريس مرةً أخرى من كلام أبيه، نظر تولغا إليه مُبتسمًا وأنفجر صالح ضاحكًا، ليقل: أنظر أقسم لك هذا الولد يشبه والده عقله كبير يارجل! ليستقيم وهو يفتح يديه، فركض إدريس يحتضن والده، أبتسم تولغا وهو يتقدم أيضًا ويقول: أفسح لي مجالاً فجميعنا أولاده أيها الأناني، ليعانق تولغا صالح والآخر لازال يضحك بخفه، ليفصل تولغا العناق وهو يسأل بجديه: المهم الآن، ماذا سنفعل بخصوص ذلك الموضوع؟ ولم تخبرني بأنك ستحضر إدريس إلى هنا، ليربت صالح على كتف تولغا، ليقل بتعب: تولغا.. أريد أن أرتاح قليلاً نتكلم لاحقًا، ليومي تولغا وأردف صالح: أنت أهتم بالرجال الذين أحضرهم علي، ليفهموا ماعليهم وما المطلوب منهم، ليذهب صالح برفقة أبنه للداخل بينما ذهب تولغا للباب الرئيسي للمنزل حيث الرجال..
––––––––––––––––––––
الحفره.. منزل العائله
دخل ياماش، توجّه للصالون بحثًا عن أبنته، ليجد جومالي يجلس يضع رأسه بين يديه، لينظر بتمعن وقد تملكه القلق، ليتقدم بحذر وهو يسأل أخيه: آبي.. هل أنت بخير؟، ليرفع جومالي رأسه وهو ينظر لياماش بغضب وخوف في آنٍ واحد، ليردف ياماش عندما رآى نظرات أخيه هذه: ماذا حدث؟
–"بقلةِ حيله" لقد أتى وأخذ إدريس بكل برود
="بخوف" كيف؟ من؟
–صالح
=متى أخذه؟
–ونحن في المقهى أتى وأخذه، وصلت للمنزل وهو يصعد لسيارته، كاد يلكمني لأنني كنت سأضربه أمام أبنه! حسنًا أنا مخطىء ولكن ماسبب هذا الغضب؟ هذا الرجل لماذا تغير هكذا؟، قل لي بيبي هل فعلاً يمكن للإنسان أن يصل إلى هذا الحد؟ يبتعد عن عائلته مؤلفًا كذبه بأنه يريد الإبتعاد لكي يتعالج، يعود لأعماله ويأتي ويأخذ أبنه، جلس ياماش ليقل وهو يتنهد: أنه أبنه، أتركه فنحن فعلنا مابوسعنا ولم يجدي ذلك نفعًا، أنظر إلي ورطت نفسي بأشياءٍ فقط لكي أعيد أخي ولكنه لايريد، في كل مرة أقول صالح لايفعل كان يلجمني ويفعل، كنت اقول أنني أكثر من يفهمه ولكنني لم أعد
–ماذا حصل بينكما في المركز؟
=ماذا تقصد؟
–منذ ذلك الوقت وأنت تقول سحبت يدي ولم أعد أفهمه، ماذا حصل؟ ماذا قال لك لتتكلم هكذا لم أعهدك هكذا
=كيف لم تعهدني هكذا؟
–الله الله اليس أنت من فجّر رأسي في زمن العم لكي يرجع صالح لعقله؟ لماذا الآن لاتفعل؟ لم اسأل من قبل لأنني أعلم أنني لن أجد إجابه
=لم يقل شيئًا فقط قال لي أنني لم أتقبل بأن الشخص الذي قام بحماية عائلتي ووالدتي وأبناء أخي من ذلك العم الذي تسلط على حفرة أبي، وبأن الشخص الذي فعل كل هذا من أجلي قد تخلى عني
–"وهو يضحك بخفه" قال لك هذا حقًا؟
=أجل، وإستقام بعدها ذاهبًا للأعلى حيث زوجته وأبنته، ليهمس جومالي لنفسه: أبي قال لي أن العائله كل شيء، وأنا لن أترك فردًا من عائلتنا بالخلف، لتأتي كاراجا من الخارج، حقيبتها في يدها، لتجد عمها جومالي في الصالون عندما دخلت، ليقل جومالي بإستغراب فهو لايعلم بخروجها: كاراجا؟ من أين تأتين؟
="ببرود وهي تنزع نظاراتها" ذهبت لأتنفس قليلاً
–ومن أخبرتي؟ من ذهب معكِ؟
=لا أحد ذهبت بسيارتي، ليستقيم جومالي وهو يضع يديه خلف ظهره: أبنتي أنظري لدي خمسون سببًا يشغلون رأسي لا تصبحِ واحدة منها
–لكنني أستطيع الإعتناء بنفسي ياعمي، ولا أريد أن أكون عبئًا عليك
=كاراجا! الأمور ليست جيده الآن وأنتِ تعلمين ذلك
–ومتى كانت جيده ياعمي؟ أخبرني هل هناك لحظة واحده شعرنا فيها بالأمان وكنا جميعنا بجانب بعضنا البعض؟
="وهو يتنهد" أنظري أنا أفهم ماتشعرين به ولكن..
–"بغضب طفيف" لايوجد لكن ياعمي أنا لا أستطيع الجلوس هنا كأنني غير موجوده، يجب أن أساعد يجب أن أفعل شيئًا
="يحاول تمالك غضبه" لن تفعلين، الآن نحن نريد أن نكون حذرين وأريدك أن تظلِ بعيدة عن أي خطر لحين إيجاد حل لكل هذا
–"بإصرار" ولكن أنا أريد أن أكون جزءًا من هذا الحل، لتذهب إلى غرفتها تاركةً جومالي يمسح وجهه بغضب وهو يتمتم: ألهمني الصبر يالله..
––––––––––––––––––––
في المساء.. منزل صالح
كان يجلس على الأريكه وأمامه إدريس يلعب في هاتفه، كانت عيناهُ تُغلقان لا إراديًا، يشعر بنعاسٍ شديد، ولكنه كان يتأمل أبنه بهدوء، ليستقيم لحظتها عندما أتت الممرضه المسؤوله عن ليلى تخبره بأنه يستطيع رؤيتها، ليذهب ويدخل للغرفه بعد أن عقم نفسه، ليجدها على حالها، نائمة وكأن سكون العالم جميعه في ملامحها، أقترب منها وسحب كرسيًا، ووضعه بجانب السرير ليجلس بهدوء، ليقل بعد لحظات وهو يفرك جبينه: هذه الغرفة تبدو حقًا كغرفة في مستشفى، لذا لايوجد لديكِ عذر لتستمري في النوم أكثر "تنهد بعمق" سامحيني.. لم أستطع حمايتكِ، كنتِ دائمًا بجانبي، لكنني تركتكِ تتألمين وحدكِ "نظر للأسفل وهو يُغمض عينيه" أتعلمين؟ أبني.. إدريس الآن أصبح بجانبي، أريده أن يتعرف عليكِ، أن يعرف تلك الصديقه التي كانت دائماً سندًا لي وبجانبي، لكنني عاجز "ليضغط بأصابعه على مقدمة رأسه" وكارتال.. اوف يا ليلى لقد عرفت شيئًا لم أكن أتوقعه، الشخص الذي كان في صغري الشخص الذي أعتبرته أخي وحامي طفولتي، هو أخيكِ! هو الذي كان يقف في طريقي، هو الذي كان يهددني بعائلتي وأبني، تم تهديده.. أعرف وأفهم ذلك لأنني مررت بنفس الذي مرّ به، ولكن.. أنا غاضب، غاضب جدًا وأريد خنقه بشدة "ليرفع رأسه وقد أدرك أنه تهوّر في الكلام" لا تأهبي لبعض كلامي فأنا مُتعب، وكأنني أتحمل عبئاً لا يمكن تحمّله، أحيانًا أفكر.. كيف سأستمر وكيف سأستطيع؟ "أخذ نفسًا وقد إزداد التعب في نبرته" أشعر وكأنني أخوض حربًا لا نهاية لها يا ليلى، كل شيء أصبح معقدًا لدرجة أنني لم أعد أستطيع التمييز بين الصواب والخطأ، كل يوم يمر أشعر فيه أنني أفقد شيئًا من نفسي، من قوتي، من صحتي "صمتّ للحظات وهو ينظر ليّد ليلى أمامه" أحياناً.. بل غالبًا أفكر في كل تلك الأمور التي فقدتها، وأفكر كيف سمحت لهذا العالم القذر أن يسلبني كل شيء كان لي؟ أريد أن أقاتل، أريد أن أحمي عائلتي، أريد أن أُثبت لإدريس أن والده يمكنه الوقوف في وجّه كل شيء "أمسك بيدها بعد تردد" لكن ليست لدي طاقه، وأنا.. أحتاجكِ.. أحتاجكِ لتذكّريني من أنا كما كنتِ تفعلين سابقًا، ليتنهد للحظات ومن ثم إستقام بترنح، خرج وهو يمسّد على صدره بخفه، ليجد تولغا يجلس بجانب إدريس، تقدم ببطىء ولم ينتبهوا له، ليجد هاتفه بيد تولغا وإدريس يلعب بهاتف تولغا، لفتّ نظره هاتفه الذي في يد تولغا، وكأن الأخير مشغولاً بشيءٍ ما على الشاشه، مما أثار فضوله ولكنه فجاءه أحس بكل شيء يدور حوله، ليستند على الحائط بيده يفرك رأسه بيده الأخرى محاولاً إستجماع نفسه، ثوانٍ وأستجمع بعض القوة ليرفع رأسه ينظر إليهم، ليتقدم نحوهم أكثر وهو يسأل بصوتٍ منخفض: تولغا، ماذا تفعل بهاتفي؟، ليرفع تولغا عينيه متفاجئًا، ليقل محاولاً إخفاء توتره: لاشيء، ألعب مع إدريس فقط، ليسأل صالح أبنه وهو يجلس: إدريس، لم تقل لي هل أعجبك المنزل؟، ليضحك تولغا بخفه بينما أجاب إدريس وهو ينهض يجلس بجانب والده: أجل أعجبني جدًا، ليقل صالح موجهًا كلامه لتولغا: هل قلت شيئًا مُضحكًا! لماذا ضحكت؟، ليبتسم تولغا وهو يجيب: أتُسمي هذا منزل؟ قُل قصر، ليضحك صالح بخفه وهو يُجيب: لاتبالغ جنم، يعني لنقل منزل كبير، ليسلم وليّ هو من رتب هذا المكان لي، ليقل تولغا بدهشه: لم أعلم أنك تواصلت معه، أجاب صالح وهو يداعب شعر أبنه: إضطررت لذلك، ليسأل إدريس والده: بابا، هل هذا أصبح منزلنا الجديد؟، ليداعب صالح شعره مرةً أخرى وهو يقول: سيكون لفتره، ليبتسم إدريس في حين أردف صالح وهو يسند رأسه للخلف: أشعر بنعاسٍ شديد، نظر تولغا ليقل: أذهب لتنام فأنت لم تنم جيدًا مؤخرًا، ولكن الآخر رفع رأسه ليسأل: هل أتممّت أمر الرجال؟، ليومي تولغا وهو يقول: أجل.. صحيح آبي سأسألك، لينظر صالح بإستغراب، ولكن الآخر نظر لإدريس الذي عاد ليلعب بالهاتف، ليقل: لاحقًا، فهمه صالح ليصمت، ولكن سرعان ما سحب الهاتف من يد أبنه ليرميه نحو تولغا الذي إلتقطه فورًا، ليقل وهو يحاول أن يشتت ذهنه عن ألم رأسه: أترك عنك هذه الأجهزه، وأحضر حقيبتك لنرى ما بداخلها، لينهض إدريس بحماس وذهب مسرعًا نحو أحد الغرف ليُحضر الحقيبه، في حين نظر صالح إلى تولغا
ليسأل بقلق: مابك؟
–لا لا، لا شيء مهم، فقط ماذا سنفعل؟ يعني ماهو القادم؟
="بتعب" سنرى، فقط مايهمني الآن هو أن أبني بجانبي والجميع تقريبًا في أمان على الأقل هذه الفتره
–لم أفهم! ماذا تقصد بهذه الفتره؟ لم تخبرني ماذا حدث معك، ليعود إدريس وهو يحمل الحقيبه، وفتحها أمام والده ليُريه مابداخلها، ليقل صالح وهو يتجاهل النعاس الشديد الذي يشعر به: دعنا نرى، وبينما كانوا يتفقدون محتويات الحقيبه، أخرج إدريس لعبة صغيره وهو يخاطب والده: عمتي إيفسون من وضعتها، قالت بأنها هديتها لي لهذا يجب أن أخذها، ليبتسم صالح: لعبه جميله حقًا، ليمّيل في لحظتها مُستلقيًا على الأريكه التي كان يجلس عليها، أستمرّ إدريس بإخراج الألعاب واللعب بها على الطاوله، بينما نظر تولغا لصالح الذي أغمض عينيه، قلق الآخر لينهض مقتربًا من الأريكه وهو يهتف: آبي هل أنت متأكد بأنك بخير؟، وضع صالح كف يده على عينيه، وكأنه يحاول إبعاد كل ما يُحيط به، ليهمس لتولغا: أخذت دوائي فقط وهذا سبب النعاس، ليقل تولغا وهو يهّم بالنهوض: سأحضر غطاءً لك، ليمنعه صالح قائلاً: لاتتعب نفسك ساعتين وسأستيقظ وأساسًا، ليلتفت تولغا ناحية إدريس، ليقل له وهو يبتسم: إدريس ما رأيك أن تذهب وتلعب في تلك الغرفه؟ فهي تتسع لجميع ألعابك، ليجمع إدريس ألعابه ويذهب لتلك الغرفة الفارغه، نظر تولغا إلى صالح، ليهتف الآخر: أنا كيف سأحمي أبني بهذه الحاله؟، أستغرب تولغا كلمات صالح هذه ليقل بهدوء: مابها حالتك؟، صمّت صالح ولم يُجيب، ليردف تولغا: لا تقلق، فأقوى شخصًا عرفته في حياتي، الشخص الذي حمى وأنقذ شخصًا رغم عدم وجود أي رابط بينهما، سيستطيع بلاشك حماية أبنه، ليبتسم صالح بالرغم من رغبته الشديده في النوم، وقال بسخريه: أجل، ولكن ذلك الشخص كان في قمة قوته، بينما أنا الآن أشعر وكأنني أحتاج إلى إنعاش في المستشفى في أي لحظه، ضحك تولغا بخفه، ليقل وكأنه يُطمئن نفسه بالأكثر: أنت بخير لاتقلق، تحتاج إلى الراحه فقط أسترح، ليُجيب صالح بأعين مُغلقه: إن أخذت قسطًا من الراحه كلما شعرت بالتعب فمن الذي سيحمي ويعتني بأبني، ليقل تولغا بحزم: أولويتك هي أن تعتني بنفسك، وإدريس أنا موجود بجانبه وأنت أيضًا موجود
="بسخريه" لو تعرف كم أكره شعور الضعف هذا
–"بهدوء" نحن جميعنا نمر بلحظات ضعف، ولكن القوة الحقيقيه هي قدرتنا على مواجهة تلك اللحظات والتغلب عليها، حتى عندما نشعر بأننا لا نستطيع
="وهو يبتسم" اووه يبدو أنني أحتاج إلى دروسًا في القوة منك
–"وهو يضحك" وأول درسًا سيكون كيف تستسلم للنوم، ليفرك صالح عينيه للحظه، ليقل وهو يستسلم حقًا لشعور النعاس الذي يجتاحه بسبب الدواء: سأقبل بهذا الدرس، فقط إن كنت هنا لتنتبه على إدريس، ليُجيب تولغا وهو يتكىء بظهره على الطاوله خلفه: أعدك، أنا هنا أساسًا، أنت أسترح، أسند تولغا رأسه لركبتيه وحاوطها بذراعيه بعد أن رآى الأخر غط في النوم فورًا، ليهمس وهو ينظر لصالح: يبدو أنك نسيت ولكن من علمني هذه الدروس هو أنت يا أخي..
––––––––––––––––––––
صباحًا.. بعد مرور أسبوع
كان يجلس في الزنزانه الإنفراديه، مُحاطًا بالصمت الثقيل الذي لم يعد يُزعجه، وكأنه وجد في الوحدة ملاذًا له، لم يُخرجه الحراس من المنفرده طوال الأسبوع، ولكنه لم يهتم أو يُبدي أي أعتراض، ليُفتح الباب بعد لحظات من قبل أحد رجال الأمن الذي قال فورًا: هيّا أخرج، ليرد كارتال وهو ينظر أمامه ببرود: الم أقل بأنني لا أريد أن أرى أحدًا؟، ليتقدم الحارس بصرامه: المدير يريد رؤيتك والآن، لاتجعل الأمر صعبًا علينا جميعًا، وقف ببطىء كمن يسحب نفسه بالقوة، ساروا به بإتجاه غرفة المدير، وكان الآخر يجلس خلف مكتبه بهدوء، ليدخل أحد العناصر، ليقل: لقد أتينا بكارتال تكين، ليومي المدير وهو يقول: أدخلوه، دخل كارتال ببرود ونظراتٍ باهته وكأنه لم يعد يعنيه شيئًا في هذه الحياة، ليجلس تحت أنظار المدير الذي ينظر بتمعّن، ليقل وهو يترك القلم من يديّه: تركتك في المنفرده لأسبوع، ولم تعترض، هل يعجبك مكانك؟
="ببرود" يعجبني طالما أنني مبتعدًا عن ضجيج الآخرين، أبتسم المدير بخفه ولم يفاجئه ردّ كارتال، لينحني للأمام قليلاً وهتف بنبرةٍ جديه: سأكون صريحًا.. أنت هنا اليوم ليس لأنني أردت ذلك، بل لأن هناك من يريد رؤيتك، ليرفع كارتال حاجبيه بغرابه: كم مرة سأقول أنني لا أريد أن أرى أحدًا؟، ليُجيب المدير: ومن أنت حتى تأمر؟ " ليردف وهو يؤشر لباب المكتب" لقد أتى أساسًا، دخل صالح في لحظتها مع نهوض المدير، ليتقدم المدير وأحتضن صالح بخفه، ليقل صالح: عذبتك معي، أغمض كارتال عينيه بقوة عندما سمع صوت صالح، لم يراه لأنه يجلس مُعطيًا ظهره لباب المكتب، ليرد المدير: لاعليك يا صالح، هذا أقل ما أستطيع فعله لأجلك "وأشار إلى كارتال" أظن أن هناك ما تريدان التحدث به، ليخرج المدير تاركًا الغرفه، بينما تقدم صالح بهدوء وجلس أمام كارتال، ليبتسم بقهر وهو يرى أن الآخر يتحاشى النظر إليه، عمّ الصمت لبُرهه، كسر هذا الصمت صالح عندما نظر إلى أعين الآخر ببرودٍ لايخلو من الغضب وهو يقول: لماذا لاتريد النظر لعينايّ؟، حينها وقعت أعين كارتال على أعين صالح، ولكنه لم يُجيب بل ظلّ ينظر بهدوء، ليردف صالح: لماذا ترفض رؤية علي الذي يأتي لزيارتك كل يوم منذ أسبوع؟، ولكن الآخر لم يُجيب مرةً أخرى، ليردف صالح وهو يستند للخلف: مرّ أسبوع ألا يتملكّك القلق؟
–"بجمود" أي قلق؟
=أختك.. هل تذكر أنها أصيبت وفي غيبوبه؟ أم قتلك لحبيبتك جعلك تنسى كل شيء، لينهض كارتال بسرعه وهو يُمسك بياقة صالح، ليقل بغضب من بين أسنانه: لا تجرؤ على الحديث عن ذلك! لا تظن ولو للحظة أنني نسيت، ولا تظن أنك تعرف ما يكمّن داخلي
="وهو يبتسم ببرود" إذًا لماذا تهرب؟ دعني أخبرك بشيء.. لن يمضي عندما تهرب بل سيزداد سوءًا، أنا جربت لايمضي، لينظر كارتال بحرقة للآخر، وكأن كلمته هذه ضربت قلبه، ولكنه لم يتراجع بل شّد على ياقة صالح، ليقل: أنت لاتفهم شيئًا، لقد..
="وهو يقاطعه" قتلتها هذه هي الحقيقه، ليصرخ كارتال: أنت ماذا تريد مني؟ لماذا جئت؟ هل جئت لتنتقم لأنني لم أخبرك بالحقيقه أم لأنني فضّلت حمايتهم على حمايتك؟، ليصرخ صالح بغضب هو الآخر: جئت لكي أنهي ذلك الحقير، لينظر كارتال وهو يعقد حاجبيه، وسرعان ما أفلت ياقة صالح وذهب يضع كفيّه على وجهه وهو يضحك بقوه، نظر صالح إليه مطولاً بغضب، ليهتف الآخر وهو يجلس مكانه ينظر بإستهزاء ناحية صالح: تنهيه؟ اوف ياصالح يا لها من نكته، هل تظن أنك قادرًا على إنهاء شخص لم تستطع أن تقترب منه حتى!، ليتقدم صالح ووقف أمام الآخر ليميل للأمام وهو يقول بغضب: كارتال تكين.. لاتظن ولو للحظة أنك تعرفني، قد تكون تعتقد ذلك ولكن أنت لا تعرف ما الذي أستطيع فعله، أنا سأنهيه وسأدفنه مع سلالته التي قبله في أعماق الأرض، ولم أتوقع أن رجلاً مثلك سيجعل من تسبب بوضعه هذا أن يفلت بفعلته، ليضحك كارتال بمراره، ليقل وهو ينظر لصالح بحدّه: أتظن أن رجلاً قتل أباه سيجعل هذا يفلتُ منه؟، تحولت ملامح صالح من الغضب إلى صدمةٍ، ولكنه أخفى صدمته وهو يعود لكرسيه ليجلس، ليردف كارتال: حين ذهبت أنا قبل سنوات.. آخر مرةٍ رأينا بها بعضنا، هل تذكر ماذا قلت لك؟
="بإندفاع" لا أتذكر شيئًا
–"وهو يبتسم بسخريه" ربما لاتتذكر فقد أصبحت رجلاً كبيرًا، كنت قد قلت لك إن العالم مكان قاسٍ، وأن من يسعى للإنتقام سيتحمل عواقب أفعاله، لماذا قلت لك ذلك هل تعلم؟، لم يرد صالح بل نظر بحدّه، ليُكمل الآخر: لأنني رأيت في عينيك شرارة الإنتقام من عبدالله، أنا بعد كلماتي هذه ذهبت وقتلت أبي بيدي، تجمدت ملامح صالح للحظه، فصمت ولم يُجيب، فهو يريد أن يُكمل كارتال حديثه، يريد أن يعلم ماذا حدث مع الآخر لتتقاطع طرقه مع أبن عبدالله هذا، ليُكمل كارتال: كانت ليلةً مظلمه والمطر لم يتوقف وقتها، كان قد أتى لتوه من حانةٍ ما، وأنا كنت في القبو كعادتي أنام حتى الفجر وأستيقظ لكي أُباشر أعماله القذره، أنتظرت لعشر دقائق بعد دخوله، صعدت للأعلى بهدوء، هل تعلم ماذا كان في يدي؟ ليس سلاحًا أو سكين كان مفك براغٍ صغير، لينظر صالح بتمعن، بينما أكمل كارتال وهو ينظر لصالح بمراره: تخيل! قتلته بمفك براغٍ ليس لأنني لم أجد سلاحًا أو سكينًا، بل لأنه كان يعاقبني وأنا صغير بأن أفككّ لعبتي الوحيده التي تربطني بطفولتي الضائعه، لعبتي التي لم أملك سواها طيلة حياتي، كان يجعلني أفككّها أمامه لمئات المرات ومن المساء حتى الصباح، وهو يقول لي بكل برود عندما يراني أبكي من شدة البرد والآم يديّ وهو يضحك "إن كنت تريد أن تصبح رجلاً، عليك أن تعمل" ، شّد صالح على قبضتيه بقهر وحزن، ليردف كارتال: صعدت للأعلى وذهبت بإتجاه غرفته، ليلتقط أنفي فورًا رائحة الخمر وأنا لم أدخل بعد، تقدمت وفتحت الباب، كان يجلس على كرسيه ورأسه مائل للخلف، منتشيًا وبيده شرابًا، في تلك اللحظه شعرت برغبة الإنتقام تزداد في داخلي أكثر وأكثر، فتقدمت بكل هدوءٍ وبرود، قال لي عندما رآني "أنت ماذا تفعل هنا؟" ولكنني لم أسمح له بإنهاء جملته، فلقد طعنته في قلبه، كان ثملاً فلم يستطع مقاومتي جيدًا، فأنا بعد الطعنة الأولى شعرت بلذة الإنتقام فإستمريت أطعنه مرارًا وتكرارًا، وكأن كل طعنه كفيلة بإخراج كل الألم والغضب الذي كُبت بي لسنوات، لم أعد أسمع صرخاته، فقط كنت أرى الدماء تتدفق، وكأنها تحمل معها كل آلامي وذكريات طفولتي الضائعه، توقفت فقط عندما أحسست بإنقطاع أنفاسه، طعنته كثيرًا أتوقع أنها قاربت العشرين طعنه، ذهبت بعدها خرجت من ذلك المنزل بجزءٍ مني فقط، فالجزء الآخر كان قد سلبه هو مني، بحثت عنك، ولكنني عندما أتيت لمنزل عبدالله، رأيت آخر مافعلته أنت، لم أجد إلا جثثهم فقط، مضيت في طريقي وحيدًا كنت أظن أنني سأجد الراحة بعد إنتقامي ولكنني كنت مخطئًا، كل ما حصل هو أنني غرقت أكثر في الظلام، حاولت العيش وقتها، ولكنني لم أستطع فخرج الكبير أمامي وعرض علي العمل معه ظننته بالبداية شريكًا، ولكنه إستحوذ على كل شيء أعمال والده ووالدي مع مرور السنين، ليضحك صالح بإستهزاء، بينما أكمل كارتال: وعندما قابلتك في أفغانستان في تلك الطاوله، عرفتك فورًا، عرفتك عندما ناداك أحدهم بأسمك "فارتولو سعدالدين" وعرفت في نفس الوقت هوية الكبير الحقيقيه وغايته، بأنه يريد الإنتقام منك ويريدني أداةً لذلك، ولكنه من الواضح لم تعد تعجبه هذا الأداة فقرر التخلص منها، هو وأبي والجميع ***
––––––––––––––––––––
مركز الشرطه
طرق داهان باب المكتب، ليأتيه صوتًا يأمره بالدخول، ليدخل بهدوء وإحترام، ليهتف عندما أغلق الباب وتقدم ناحية المكتب: ناديتني ياحضرة العميد؟، لينظر العميد بأعين غاضبه وهو يقول: بماذا كنت تفكر عندما قلت إنك ستتعاون مع فارتولو؟ أنت تعلم أنه في صفهم ونصف الشركات بأسمه، أنت تفسد كل شيء إن لم يكن لديك خبر!
="وهو يحافظ على هدوئه" لكن يا حضرة العميد، فارتولو لديه معلومات، وكنت أعتقد أنه يمكننا إستغلالها للوصول إلى الشخص الذي يقف فوقهم وفوق كارتال
–"بغضب متزايد" وكنت تعتقد أنها فكره جيده؟ الرجل وافق على مساعدتنا ثم تراجع في آخر لحظه، كيف يمكنك أن تكون ساذجًا لهذه الدرجه؟
=هو في صفهم بالإجبار، لم يُصرح بذلك ولكنه واضح، صدقني لقد وافق في البدايه ولكن حدث شيئًا جعله يُغير رأيه ويتراجع
–مهما يحصل لا يمكننا الوثوق به يا داهان! إن كان قد تراجع فهذا يعني أن هناك شيئًا ما يجري في الخلف
=لكن إن لم نتعاون معه، سنبقى في دوامة الفوضى هذه، علينا أن نكون أذكياء ونستخدم أي فرصة تُتاح لنا
–هل تقصد بأنني أتصرف بغباء؟
=أستغفـ...
–"وهو يقاطعه" أنا منذ سنواتٍ عديده أعمل في هذا القسم، وقد رأيت أشياءً أكثر مما تتخيل، لا أحتاج إلى شخص مثلك ليُعلمني كيف أعمل، إذا كنت تعتقد أن التعاون مع فارتولو سيكون الحل، فأنت مخطئ فهذا ليس إلا كشف لخططنا
="يحاول تهدئته" لا، لم أقصد ذلك يا حضرة العميد، أنا أحترم خبرتك، لكن الوضع يتطلب أحيانًا قراراتٍ غير تقليديه
–وقراراتك غير التقليديه هي التي ستجعلنا نغرق في هذه الدوامه! نحن لا نتعامل مع مجرد شخص عادي، بل مع كيان قوي لديه أيدي تمتد في كل مكان
=أفهم ذلك، أنا أعتذر.. ليقف العميد ويتجه لنافذة مكتبه يتأمل الخارج وهو يتنفس بعمق يحاول تهدئة نفسه، ليقل داهان بعد لحظات: أمسكنا بكارتال، بقيت الأذرع الأخرى ورأسهم الكبير وأنا متأكد أننا سنُمسكهم، فقط دع الأمر لي ولن أُخيب ظنك
–"بهدوء" وكيف كنا سنُمسك بكارتال تكين إن لم يكن رأسهم الكبير هو من سلمّه بيديه لنا؟
="بإستغراب" لم أفهم!
–"بسخريه" برأيك كيف وصلنا بلاغ مُفاجئ من مجهول بوقوع جريمة قتل في مستودعٍ مهجور، لنجد فجاءةً كارتال هناك وهو المتورط، وكيف وصلت لنا جميع تُهم كارتال بتوقيعه وبصمته الشخصيه؟ ما أسمه هذا؟
="وكأنه للتو أستوعب" تقصد أن هناك من كان يخطط لذلك منذ البدايه؟ وأن إمساك كارتال لم يكن محض صدفه؟
–بالضبط، رأسهم الكبير بهذه الطريقه تخلص من كارتال الذي أصبح عبئًا عليه، أو ربما لأنه خالفه في شيء أو فعل خطئًا لذلك تخلى عنه
=نحن نواجه لعبة أكبر مما توقعنا
–على ما أظن.. أخبرني ما الجديد بقضية كارتال؟
=محاكمته الأسبوع القادم وهو لم يوّكل محاميًا لهذه اللحظه
–لايريد الخروج هذا واضح، أتربطه علاقة بالمحاميه؟
=لم يُصرح بذلك ولكن أظن، ربما حب وماشابه..
–أنها لعبه قذره، ما أشنعها حقًا
=حضرة العميد، أعتذر مرةً أخرى، وأطلب فرصة ثانيه وثق بي سنصل لكبيرهم ونوقعه هو وشركائه
–"وهو يتنهد" أنت أفضل عنصر في فريقي أيها النقيب، ولكنك تتسرع في قراراتك، كُن حذرًا ولا تفعل شيئًا بدون أمرٍ مني أو أخباري أولاً
=أمرك.. شكرًا على ثقتك حقًا أشكرك، ليخرج داهان وهو يهمس لنفسه: سأكشف كل خيوط هذه اللعبة القذره، وسأُمسك بهم جميعًا..
––––––––––––––––––––
عودةً لكارتال وصالح
هتف صالح وهو ينظر للأسفل يفرك يديّه بقوه: كل هذه السنوات تعمل لديه ولم تعرف نيته إلا قبل ثلاثة أعوام!
–"ببرود" أجل
=بماذا هددك؟
–بأختي ومـ..، توقف يبتلع ريقه، فقد أصبح من الصعب عليه النطق حتى بأسمها بعد مافعلهُ بها، ليقل صالح: الم تفكر بقتله بعد معرفتك لكل شيء؟
–لم أستطع
=قتلت والدك! ولم تستطع قتل حثالة يشبهه، ألا زلت تذكر ماذا فعل والده بنا؟ حسنًا كان يعاملك كأولاده ولكنه كان يجعلك تعمل مثلي تعمل حتى..
–"يُقاطعه" حتى تُدمي يدايّ أعرف.. أنا لم أراه ولو لمره، لا أعلم ملامحه ولا شكله ولا حتى أسمه سوى بأن الجميع يُناديه بالكبير، وإن أراد مقابلتي يرتدي قناعًا لايُظهر سوى عيناهُ السوداويتين، ولكنني رغم كل هذا كنت أحاول بأن يتراجع عن مايريد فعله، كان لدي أمل بأنه سيتراجع عن إنتقامه وبأنك لن تعلم حتى بوجوده، بوجود شخصًا من ماضيك يطاردك ولكنني لم أستطع فأصبح همّي حمايتهم فقط
="وهو ينفجر غاضبًا" حمايتهم؟ إلى متى كنت تعتقد أنك تستطيع؟ كان يقتلكم ببطىء أيها الأحمق، أنظر ذهبت أول ضحيه كنت تريد حمايتها، ليستقيم وهو يفرك وجهه بغضب، بينما شّد كارتال على قبضتيه بألم، ليُكمل صالح: أنت تعلم أنه لن يجعلك تتنفس عندما يقضي عليّ مثل ماكان يُخطط اليس كذلك؟
–"بجمود" لا أعلم، وهو مازال يُخطط ولم يكن، ليقترب صالح ويضرب الطاوله بغضب، ليقل بحدّه: اللعنه عليك! لو تعلم كم أريد قتلك
–"بحسره" أرى ذلك بعينيك أساسًا
=كيف أصل إليه؟ ماذا تفعل عندما تريد أنت مقابلته؟
–وهو يضحك بخفه" هو الذي يريد مقابلتي وليس أنا، لذلك لن تستطيع إن لم يريد هو ذلك، كان يرسل موقعًا لأماكنٍ مهجوره وأذهب إليها أو يتصل ذراعه اليمين بأرقامٍ وهميه، يعني أرقامًا لإستخدامٍ واحد فقط
=من هو ذراعه اليمين؟
–أسمه كنان ولا أعرف شيئًا غير ذلك
="وهو يقترب ببطىء" كان بإمكانك أخباري! كان بإمكانك أن تأتي وتشرح لي كل شيء
–حسنًا لأشرح لك ما الذي لم تعرفه بعد، هو كان متعاونًا مع عمك، تجمد صالح في مكانه لوهله، وأتسعت عيناه صدمةً، ليهتف: ماذا؟
–مثل ماسمعت، لماذا أتينا لأفغانستان وقتها أساسًا؟ لأجل تقوية العلاقه بينهما، لقد كانا يعملان معًا لسنوات، عمك كان يوفر له المعلومات، وفي المقابل كان هو يحمي مصالحه ويمنحه مكاسب لا تعد ولا تحصى، ولأقول لك.. عمك لايعلم شيء سوى أنه شريكًا معه للإستيلاء على الحفره
="وهو يضحك بقهر" لماذا أندهش أساسًا؟ كلاهما***
–وأيضًا أستغلينا أبنه شهرام، أو لأقل أستغليته أنا ولكنه طمع في العمل مع الكبير فلم يلقى سوى التهديد بالقتل فهرب ولا أعلم أي هو
=ماذا؟ بماذا أستغليته؟
–لكي أسحبك لطرفي، الم أقل أنها كانت فكرتي بأن أجعلك تعمل معنا؟ لم أجد طريقة لإجبارك على هذا سوى شهرام ورغبته في الإنتقام، فأتفقت معه وهجم على حفرتكم وأنا أنقذتها وهكذا أصبحت تعمل لدينا
="بصدمه وقد أستوعب للتو" تركته يهجم ولم تمنعه؟، ليقترب ويُمسك ياقة الآخر، ليصرخ بحرقة وغضب: كنت تعلم! لقد قتل إيمي أيها ال***، لقد كان بإمكانه قتل عائلتي! وجّه فوهة السلاح على رأس أبني وأنت كنت تشاهد بكل برود!
–"بهدوء" ما الذي كان بإمكاني فعله؟ كل خطوةٍ أخطوها كانت محسوبه، وكل كلمة أقولها مراقبه، ليتركه صالح وتراجع للخلف وهو يُمسك رأسه ويردد بصوت مختنق: اللعنه عليك، أنت.. أنت لم تعد نفس الشخص الذي عرفته وحماني في طفولتي، أنت الآن لاتفرق عنهم بشيء
–"بألم وهو يُشيح بوجهه" ربما.. أنا نفسي لم أعد أعرف من أنا، لقد جردوني من كل شيء، من إنسانيتي، ومن قراراتي، لم يبقى مني سوى بقايا شخص مُرغم على إتباعهم، ولم يجني سوى الفقد والألم، ليقترب صالح بغضب وهو يؤشر بسبابته، ليقل بحرقه: وأنت تستحق كل هذا بل هو قليل ما فعلوه بك، ليخرج تحت أنظار كارتال الذي شّد على قبضته وهو يتألم حسرةً وندم، رفع رأسه بسرعه عندما أحس أن دموعًا مكبوته مُنذ مدة ستخونه، ليهمس لنفسه بصوتٍ مبحوح: اوف يا صالح، كم أتمنى لو تعلم كم كنت أحاول حمايتك.. كم كنت مستعدًا للتضحيه بكل شيء لأجلك، لكنني لم أستطع.. ليدخل المدير بهدوء وهو يتلفت حوله بإستغراب، ليقل: أين ذهب صالح؟، لينهض كارتال وهو يهتف بسرعه: أخبرهم لكي يعيدوني لتلك الزنزانه أرجوك، لينده المدير للعناصر، بينما عند صالح الذي صعد لسيارته بغضب، فتح أزرار قميصه العلويه فهو شعر بأن أنفاسه أصبحت ثقيلة وكأن الهواء من حوله يخنقه، ليضرب المقود أمامه بغضب وهو يصرخ بقهر، أسند رأسه للخلف، ليقل بحرقه: كيف وصلت إلى هنا.. كيف أنتهى بي الأمر أواجهه بدل أن أجد معه الخلاص؟
––––––––––––––––––––
مساءً في الحفره.. المقهى
كان جومالي جالسًا، يحتسي كوب الشاي بعقلٍ مليءٍ بالأفكار، دخل ياماش في لحظتها وهو يتنهد بخفه، ليجلس بجانب جومالي، بينما هتف الآخر: ماذا فعلت بذلك الأمر؟
–أمر ماذا؟
=أمر السيد نجاتي
–ها صحيح، لقد وجدت شريكًا يعرفه أحد أصدقاء أبي القدماء، يريد شراكتنا والتحدث معنا لإتفاقٍ ما، سيأتي غدًا لنتناقش ونرى ماذا سيحصل
="بشّك" هل أنت واثق من هذا؟
–أجل فليس لدينا حل آخر، فزيادة شراكتنا هي الحل الوحيد لتوسيع نطاقنا، خصوصًا مع الظروف التي نواجهها في الفتره الأخيره، عندما يتحسن حالنا سنعوّض السيد نجاتي
=أنت أب الحفره بيبي، الأمر بيدك ولكن كن حذرًا
–"وهو يبتسم" سأكون آبي لاتقلق، أنت لماذا لم تذهب للمنزل؟
="وهو يتنهد بقهر" تأخر الوقت اليس كذلك؟ عقلي لا يصمت ولا أعرف لماذا، أجلس ساعاتٍ أفكر بأمر واحد فقط، نظر ياماش بحزن، في حين نهض الأكبر وهو يردف: هيا فلنذهب سويًا لابُد أنهم ينتظروننا، ليخرج ياماش خلف أخاه وهو يمسح وجهه ويتنهد بضيق..
––––––––––––––––––––
في هذه الليلة المظلمه
كان صالح يسير في المدينه، يسير بخطواتٍ مُثقله، بقلبٍ مُحمل بألآم لاتنتهي، وكتفٍ مليء بأعباءٍ لايمكن لأحدٍ أن يحملها، وبرأسٍ مُثقل من تعبٍ وأفكار تلاحقه كماضيّه تمامًا، ماضيّه الذي لا يتركه أبدًا، سواءً في واقعه أو أفكاره أو حتى في أحلامه! كان الهدوء يعّم المكان والشوارع خاليه، والأنوار خافته، لايوجد أي بشرٍ في المكان، ولكنه لم يأبه، بل أستمر يسير وهو شاردًا، يتذكر أبنه، ملاذه.. وأغلى ما لديه في هذه الدنيا، وتدور في رأسه جملة واحده فقط "ماذا لو حدث له شيء؟" أستمر يسير بدون أي وجهه، ليتوقف فجاءه عندما سمع صوت خطواتٍ خلفه وكأنها تتبع أثره، ليلتفت فورًا وهو ينظر بحذر، لتتجمد أنفاسه للحظه عندما لم يجد أحدًا، لايوجد سوى هدوء الليل المُريب، توقف لدقيقه وقد تملّكه القلق، فعاد أدراجه ينوي الذهاب لسيارته، وصل لمنزله بعد لحظات، لم يجد رجاله، والمنزل مُظلمًا من الخارج وكأن لا حياة فيه، تقدم بأنفاسٍ قلقه ودخل المنزل ليجده خاليًا، مشى ببطىء وهو ينادي أبنه، يناديه بجميع ما يخطر على باله "إدريسم" "جونيور" "قطعة الأسد" ولكن لا مُجيب، ليُسرع بخطواته يبحث في كل شبرٍ في المنزل، ولم يجد أحدًا، لتتسارع أنفاسه قلقًا وخوفًا، ليركض ينوي الخروج، ولكن قبل خروجه، سمع صوتًا يأتي من الشرفه، صوت ضحكٍ ثقيل، ليركض بلا تردد نحو الصوت، وحين دخل رأى ما يخافه أكثر من أي شيء، رأى شخصًا غريبًا مُلثمًا يُمسك بإدريس ويوجّه سكينًا حاده لرقبته، والصغير كانت عيناه تدمعان بصمت، ليتقدم وهو يصرخ: لا لا! أبني.. أتركه حالاً، ولكنه تعثر وسقط قبل أن يصل لأبنه، همّ بالنهوض ولكنه رأى الدماء تتدفق تحته، لينظر بغير إستيعاب، صرخ وهو ينظر ليديه المُرتجفتين والملطختان بالدماء: أبني.. إدريس!
إلى اللقاء في البارت القادم..

أنت تقرأ
لا يوجد سوى الألم..
أدب الهواةسيناريو بأحداث مختلفه للجزء الرابع "Çukur" *ملاحظه: هذه المره الأولى لي في كتابة شيئًا ما..