و حين رفعت رأسي كانت المحاضرة قد انتهت و خرجت مسرعة نحو مواقف السيارات لأعود للمنزل حتى موعد محاضرتي الأخرى بعد 3 ساعات ..
و ما أن أغلقت باب السيارة حتى تعالى رنين هاتفي و قد كان المتصل آخر شخص أرغب أن يكون "د. طارف".
ترددت في الإجابة عليه قليلاً ثم قررت أن أضع نقطة لما يحدث
- اهلاً دكتور- اهلاً ريم ، هل أنتِ في عجلة من أمرك ؟
- كلا ، هل هناك شيء ؟
- نعم .. هل لنا أن نلتقي في المكتبة في غرفة الدراسة الثانية ؟
- حسناً سوف نلتقي في المكتبة ، و لكن دعني أحذرك .. لا يمكنك قول المزيد مما قد انتهينا منه البارحة
- أنا بانتظارك
- مع السلامة
حين أنهيت المكالمة شعرت بالغضب .. بالاستياء الشديد و خرجت من سيارتي نحو المكتبة .. كانت غرف الدراسة عبارة عن غرف صغيرة كاتمة للأصوات لإتاحة فرص للمجموعات الدراسية من خمسة أشخاص في أخذ حريتها بالحديث بالمكتبة .. و بابها زجاجي حتى يعلم الآخرون إن كانت فارغةً أو لا ..
في طبيعة الحال لا يحبذ الكثيرون الالتقاء في المكتبة في ظل هذه الأجواء الربيعية و لهذا فهي شاغرة تقريباً .. نقرت الباب و دخلت إلى غرفة الدراسة رقم 2 حيث يجلس د. طارف
- تستطيع اخباري بما تريد
- ريم ، هل جربتي مرةً أن لا تتخذي قراراً أمام أمر صعب تريدينه ؟
- و ما الذي علي أن افهمه هذه المرة ؟
- اتركي لي فرصة واحدة فقط لأقول ما أريد .. فرصة واحدة هي كل ما أطلبه .. استمعي إلى ما سأقول حتى النهاية
جلست بمقابله و قلت
- حسناً .. فرصة واحدة فقط ، لن استمع لنفس الموضوع غداً أو الأيام التي تليه .. بإمكانك أن تبدأ ..- لم يسبق لي أن دخلت في علاقات مع أي فتاة من قبل .. أنتِ تعلمين حقيقتي السابقة و لكنكِ تجهلين السبب الذي دفعني لأقضي عمري في طريق لا يشبهني ..
حكى لي موقفاً تعرض له و هو صغير من امرأة منحرفة مما شكل له عقدةً ضخمة اتجاه النساء كافة .. كنت أصغي إليه و قلبي متأثر حقاً بما يقوله .. ليس للكبار أي حق في تدمير طفولة أي أحد .. الأطفال عليهم أن يبقوا سعداء و آمنين ثم حين يكبرون فإن للحياة أن تعذبهم كيف أرادت .. أكمل هو حديثه قائلاً :
- ريم .. كنت ابكي بعد نهاية كل يوم عشته بطريقة لا تلائمني .. كنت احتقر نفسي في داخلي .. كنت ألوم نفسي كل ليلة على ما يحدث في حياتي .. لا أحد قد يعلم ما عايشته في حياتي حقاً .. ما الذي دفعني لأدرس مثل المجنون هكذا .. هل تعتقدين أن الحصول على الماجستير و الدكتوراه خلال خمس سنوات فقط هو أمر هين ؟ كنت ألوذ من نفسي بالإنغماس في الدراسة و البحوث ليل نهار ..
اختنق بكلماته ثم غطى وجهه ليمنعني من أن أرى الدمع الذي خرج من عينيه .. لم أعرف ما الذي علي قوله .. أخرجت منديلاً من حقيبتي و وضعته على الطاولة التي تقع في منتصفنا
- لا بأس .. كل هذا قد مضى .. لا تكن قاسياً على نفسك
هذا كل ما استطعت أن انطق به
- أنا بخير .. أنا لا أريد إضاعة هذه الفرصة ابداً في الحديث عن الماضي .. ريم ، أنتِ الوحيدة التي لم يتوقف عقلي عن التفكير بها .. أنا لا أعلم ما الذي حل بي بعد أن رأيتكِ في محاضرتي لأول مرة .. شعرت و للمرة الأولى أنني كائن حي .. أن الأمل موجود حقاً في الحياة .. بحثت قليلاً في ملفكِ الجامعي و وجدت عدد ساعاتكِ التطوعية كبير .. و قرأت تعليقات المدرسين عنكِ .. أدركت أن علي أجد طريقةً ما لكي أتحقق من قلبي و ما إذ كنتِ ستؤثرين عليه أم لا و خرجت بفكرة النادي .. حين طرحت الأمر لباقي المدرسين اقترح اسمكِ أحدهم فقلت أنكِ تدرسين معي ، و نصحوني أن أحادثك بالأمر مما شجعني على الحديث معك في اليوم الذي اقترحت فيه فكرة النادي .. لا تعلمين مقدار سعادتي حين بدأنا العمل سويةً ، شعرت أن الحظ قد ابتسم لي .. أن الأرض قد طابت ، و أن الحياة قد وضعتكِ في طريقي لحكمة .. يوماً بعد يوم كنت اتأكد فيهما من مشاعري أكثر فأكثر .. بتِ تسرقين جلّ يومي بالتفكير بكِ .. أنا لا أنام الليل يا ريم ! لا أنام .. كنت أخاف إن أنا أخبرتكِ أن تغضبي .. أن تعتقدي أنني ظننتكِ فتاة سهلة أو أنني رجل بلا ضمير .. فكرت مئة ألف مرة قبل أن اتخذ قراري بإن أطلب منك أن تشاركيني حياتي حتى الأبد .. أرى سعادتي بوجودكِ كزوجة لي .. فكرت أنني قد أندم مرة إن بحت بما في قلبي و أنني سأندم كل يوم إن كتمته في داخلي حتى أموت .. ريم ، أنا لست أنوي إزعاجكِ حقاً .. ليس الأمر أنه تنقصني الاحترافية في العمل كأستاذ أو مشرف نادي كما تعتقدين .. الأمر أنني لا أراكِ من وجهة نظر الأستاذ تجاه طالبته بل من وجهة نظر رجل لإمرأة .. أنا لا أريد أن اسمع إجابتكِ الآن .. خذي من الوقت ما ترغبين حتى يكون قراراً نابعاً من قلبك و لا علاقة للتسرع فيه
- هل انتهيت ؟
- أجل
- إذا دعني أخبرك شيئاً .. سأكون صريحة جداً معك و أتمنى أن تعذرني على ما سأقول إن كان سيزعجك .. أنا لا أحب المشاركة .. منذ أن كنت فتاة صغيرة و أنا لا أحب مشاركة ألعابي مع أحد .. لا أحب أن أبقى مع أي أحد لفترة طويلة .. أنا أختار نفسي في كل شيء .. لست ممن يرغبون بالعيش مع أحدهم في حب حتى الأبد .. لا تستهويني هذه الحياة حقاً .. تستطيع أن تعتبرها أنانية مني و لكنني لا أميل لقرار أن أشارك حياتي مع أي كان .. و لا أحب الأطفال .. لا أتفق مع من يقدسون الأمومة و يرونها جنة .. أنا لا أطمح إلى تكوين عائلة و الانغماس بها عن العالم .. أنا أريد أن أكون سعيدة .. و سعادتي ليست في الحصول على عائلة .. أنا أملك واحدةً بالفعل ، و هي عائلة رائعة .. ليس هنالك ما يدفعني نحو الحب .. أنا أخاف أن يُكسر قلبي فأحميه من أي أحد .. ليست لدي الثقة بالآخرين .. و لا أجد أن هناك شخصاً يستحق أن يسلب مشاعري كلها مني .. أريد أن أحب الجميع دون تخصيص .. أريد أن أقوم بالأعمال التطوعية دون أن يعارضني رجلٌ لا يحبها أو يرى أنه أهم مما أحب .. أريد أن ابتسم بصدق للأبد .. أريد أن أنام و أنا سعيدة لنفسي و بنفسي .. أريد أن أحافظ على رضا نفسي على حياتي .. و لهذا فأنا لا يمكنني أن أوافقك على ما تريد .. أنا لا أشك بأي كلمة قلتها و أحترم شجاعتك و أشكرك على صراحتك معي و لكنني لا أستطيع أن أبادلك أياً ما قلته ..
أنا لن أكذب عليك أو أعدك بأي شيء .. أنا لا أحبك كـ رجل !
أنت تقرأ
بعد كل شيء
Lãng mạnمن يتحمل خسارات المرء حين تفيض عن احتماله ؟ من يشد أزر أنثى تركت كل شي لتبحث عن نفسها و لا تجدها ! من يملك الصبر العظيم لاحتمال كل ما لا يحتمل ؟ هل من شجاعة المرء أن يكتب قصته البشعة أم هي دناءة منه ؟ هل التخلي عـمن نعتقد أننا نحب و متيقنين تمام ا...