الجزء الرابع

1K 58 11
                                    


الواقع ان صراخ عمي وزعيقه شغلني عما في يدي فلم أشعر بالقطرات تنحدر من كأسي ملوثة الأريكة التي جلست عليها...

ران الصمت على الجميع لصوت الصفعة و نظر أبي إليه متوقعاً من عمي أن يعاقبه على فعلته هذه... ولكن للأسف بدلاً من ذلك أبدى سروره لابنه وقال له:

_ لا تلمها يا(سامي) ...تصورت هذه الأرائك الثمينة مثل أرائكهم الرثّة فلم تبال...منذ تلك اللحظة كرهت عمي وكرهت (سامي)معه ولم أعلم أن القدر كتب لي معه قصة ستطول، وهنا استدار أبي في مواجه عمي كاظماً  غيظه محاولاً ألا يفضح غضبه:

_ أنت أخي الكبير ومهما قلت أو فعلت فإنك في مقام أبي ، لكن عليك بتربية ابنك الوقح هذا...ثم...ثم...إنك قد احتجزت أبي وسيطرت عليه وعلى أمواله ... لماذا لا تدعوه ليسمعني ... بل ....بل لماذا تمنعني من التحدث إليه...هل تحتفظ به كرهينة في بيتك..أتنتظر موته لتستولي على أمواله ...بئس الابن أنت...أتظن أن الله سيدعك تنال مافي ذهنك أو أنه غافل عن ذلك...أتظن أنك ستبقى ويموت أبي لا سمح الله...بل ...أنت...بحرصك وبدانتك هذه ...ربما ...ربما.. واتتك المنية قبله...

وانفجر عمي غاضبا يرد على أبي ،لكننا سمعنا صوتا آمراً يأتي من أعلى السلم يقول:

_توقفا ...كفّا عن الشجار ...ألا تخجلان من نفسيكما؟تتحدثان عن موتي...وأنا لا أزال على قيد الحياة...أيها اللئيمان...

نظرت إلى مصدر الصوت...نعم...إنه جدي بنفسه الذي وقف بهيبته أعلى السلم المطل على باحة الدار ...شيخ جاوز الستين من عمره، إلا أن مظاهر الصحة والقوة تجعله يبدو وكأنه في الخمسين، نزل السلالم ببطء مستنداً على عصا خشببة طويلة حتى وصل إلى حيث وقف عمي وأبي...بادره عمي بتملق واضح:

_اسم الله عليك ياأبي...لا عليك بما سمعت...إذ كيف تطيب لي الحياة من بعدك...توقف عمي عن الكلام لأن جدّي حدّجه بنظرة قاسية ولسان حاله يقول له لا تكذب ...تقدم نحو أبي فسارع أبي الى تلقف يده وتقبيلها بينما سحبها جدًي برفق واحتضن أبي ولاحت لي الدموع في عينهما واضحة، سأله جدًي:

_كيف حالك يا ولدي لم أرك منذ أكثر من عامين...لم لا تسأل عني يا بني؟...

خفض أبي عينيه خجلاً بينما أكمل جدًي قائلاً:

_أعلم...أعلم ماستقوله ...إن هذا اللئيم _وأشار ٱلى عمي_قد منعك من ذلك_...يريد الثروة له وحده... إنك ومنذ أن خاصمك وطردك من بيني ،اعتمدت على نفسك واتخذت لك عملا شريفاً وزوجة شريفة...قنعت بك كما أنت...لم تطمع في مالي ...ولم تسألني يوماً أن اعطيها شيئاً رغم مرور الأعوام والسنين ...ورغم أنك أصبحت أباً ...لكني لا أذكر أنك طلبت مني مالاً يوماً ما...وإن كنت اتمنى دوماً ان تفعل ذلك...لكنك كأبيك أبّي النفس...وهذه البنت الجميلة....وألتفت إليّ وكنت لا أزال أضع كفي على محل الصفعة التي تلقيتها على وجهي

_فتقدم نحوي وأزاح كفي عن وجهي ثم قبّلني وقال:

_أمثل هذه الفتاة الجميلة يصفعون؟...لقد شاهدت كل شيء...أين هو كأس الشراب؟..

ناولته إياه...بعد أن كنت وضعته على المنضدة خوف أن ينسكب ما بقي من شراب ولم أذق منه شيئاً بعد...تناوله جدّي من يدي واتجه نحو المقعد الثمين الملوث وأخذ يسكبه عليه ببطء حتى افرغ الكأس..أحسست براحة كبرى ودخلني إحساس بالزهو عظيم ،وبتشف نظرت الى(سامي)وضحكت بفرح طاغٍ وأنا انطلق نحو جّدي فأحتظنه بيدي الصغيرتين وأقول له:مرحى لك ياجدي يا أحسن جد في الدنيا..أنا..أنا احبك كثيراً.كثيراً جداً.

تابعونا....

سامية (للكاتبة عالية محمد صادق) ● منقولةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن