الجزء الخامس

990 56 15
                                    


_مرحى لك يا جدي.. يا أحسن جد في الدنيا .. أنا .. أنا احبك كثيراً .. كثيراً جداً.

دمعت عيناه لسماع ذلك مني وربّت على رأسي بحنان بالغ والتفت نحو (سامي) الذي كان ما يزال واقفا ينظر إليّ شزراً لأنه أُهين أمامي وأكمل قائلا:

_ أنت تصفعها لأجل ماذا ؟ لأجل مقاعد لا تملكها لا أنت ولا أبوك ... ثم ألا تحترم عمك يا ولد !!

التزم (سامي) الصمت ولم يجد جوابا ... وتدارك عمي الموقف فألح على جدّي بالجلوس على الأريكة خوفاً عليه من التعب ، فجلس وأجلسني على ركبتيه بحنان وقال مخاطباً أبي:

_ سل ما تشاء يا بني ، سأعطيك ما تحتاج اليه...

صرخ عمي باهتياج :

_ هذه ليست عدالة ، لا يجب ان تعطيه قرشاً واحداً ... إننا عائلة كبيرة العدد ولا يكفينا ما لديك للنفقة .. فكيف للقروض؟

قاطعه جدّي بعصبية :

_ أنا حر فيما افعله بمالي ... وأنا أهبه المال لا أقرضه إياه .... لا تحاول مقاطعة حديثي ثانية ... وأكمل حديثه لأبي :

_ نعم ... إن لك الحق في طلب ما تشاء... كم تريد ألفا؟ ألفين من الدنانير؟ فقط قل ... أجابه أبي بفرح غامر - رغم نظرات عمي الغاضبة ورغم حركته المستمرة رواحاً ومجيئاً-:

_فقط أنا احتاج إلى خمسمائة دينار ... لأوسع بها عملي إن سمحت ويأسددها لك عندما يتحسن وضع العمل ان شاء الله ...

وتشعب الحديث بعد ذلك ... لكني لا انسى نظرات (سامي) الحاقدة إليّ ،ولا انسى الكراهية التي ارتسمت على وجهه الغاضب آنذاك ، فهو لم يحظ في يوم من الايام -كما فهمت فيما بعد- بمثل ما نلته من محبة جدي ولطفه في تلك اللحظة... كانت لحظة حاسمة في حياتي ، لحظة حددت مصيري ومستقبل حياتي .. اذ ان جدي وفي فورة غضبه من عمي وابنه اقسم ان يذل الاخيرين وان يرفع من شأني - حسب اعتقاده- الى مستواهما ، وان يزوجني من (سامي) حين ابلغ التاسعة عشر من العمر !!

صعق عمي وابي لسماعهما هذا النبأ ، فعم السكوت المكان وأتم جدي :

_ سأودع في المصرف مبلغ مائة الف دينار لكل من (سامي) و (سامية) ولن يستلماها الا بعد مرور عام كامل على زواجهما!..

اجاب عمي :

_ وان رفضت ذلك لابني !

_ من لا يرضى بهذا يحرم من المبلغ ويعطى للآخر ، ولا تتكلم الآن ستنال انت واخوك عند زواجهما مبلغ الخمسين الف دينار الباقية اما اذا رفضتما ذلك فسوف اتبرع بما املك وفي حياتي للمشاريع الخيرية ...

ابتسم عندها عمي بخبث وكأنه تأكد من رجوع الثروة اليه كاملة فيما بعد ، بينما سمعنا صوت الباب وهو يصفق بشدة خلف (سامي) المنزعج ، وبالطبع لم افهم شيئا حينها ، ولكنني احسست ان امراً مؤلماً قد حدث، وذلك من خلال قراءتي لتعابير وجه ابي المتألمة ... هممت ان اسأله ، لكنه غمغم قائلا بشئ لم استوعبه :

_ اتريدني ان ابيع (سامية) لقاء المال ؟ لا ... لن افعل ذلك ... مستحيل ....

ضحك عمي بنشوة ؛ الا ان جدي اجاب :

_ ومن اراد شراءها لكي تبيعها !!! انا اريد ل(سامي) زوجة اهلاً له ولائقة لمكانته ومكانة ابيه ، كأمها قنوعة وشريفة ، وهذه الاموال التي انفقها ليست لشراء احد ، وليس هناك اي استغلال في الامر ... فاذا كنت تحبني حقاً فلبّ طلبي هذا ...

بعد صمت لحظات أجاب ابي بحنان :

_كما تشاء يا ابي ..

ابتسم جدي وعمي  ولدهشتي رأيت عمي يصافح ابي بل ويحتضنه مقبّلا :

_ سامحني يا اخي ... لتكن هذه الزيجة نقطة التقاء بيننا لا فراق بعدها ..

امسكت بيد ابي خائفة لا لسبب معلوم واستأذن ابي مودعاً فاستمهله جدي واضعا في يده الكثير من الاوراق المالية .. رفضها ابي في البداية ثم استسلم امام اصرار جدي .. تبادلا النظرات للحظات ثم انحنى ابي يلثم يد جدي ... وفي طريق العودة حاولت ان افهم من ابي ما الذي حصل لكنني لم افلح فقد بقي صامتاً طوال الوقت عدا ما تمتم به من لعن للفقر والحاجة التي تجبر الانسان على فعل ما لا يريد او لا يحب له ولأولاده .

تابعونا....

سامية (للكاتبة عالية محمد صادق) ● منقولةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن