فرحت كثيرا جدا وربما أكثر منه لأنه كان فرحا ،فعندما يفرح يكف عن المشاكسة باليد والقدم ...لكن الطامة الكبرى كانت في والدي الذين كانا أميين ويؤكدان نبوغه وتفوقه علي ،وعلى عدم صلاحيتي وأهليتي للحاق ولو بذرة صغيرة من ذكائه!! وقد حز هذا الامر في نفسي كثيرا وجعلني أتسائل فيما بيني وبين نفسي أحقا هو أذكى مني؟! وكيف عرفا بنبوغه ولم يدخل المدرسة بعد ؟!ولماذا يصران على هذا الأمر؟! في الحقيقة أن والدي الطفل هما أعز ما يملك في الحياة وليس له سواهما منبع للحنان ولا يتحمل أن ينسياه وإن كانا مشغولين بفرحهما عنه، في عمرة فرحهما بحسن نسياني وآلمني ذلك كثيرا فآليت على نفسي الإنزواء عنهما،إنهما يؤمنان بذكاء حسن وتفوقه علي ويريدان أن أقتنع أنا أيضا بذلك وهو أمر فوق طاقتي لأني كنت أراه أقل ذكاءا، تأكدت من هذا أثناء لعبنا سوية...كان ينفجر غضبا لتفوقي عليه ثم يغش دائما ليربح اللعبة،تنتهي ألعابنا دائما بزعيقه وصراخه وقبل أن يبدأ بكيل اللكمات تهرع أمي للمساعدة! لم تكن تضربني لكنها تعنفني كثيرا فيشمت بي وينتهي اللعب...حينها إعتقدت أنها تكرهني،لكن عندما تجاوزت تلك المرحلة عرفت أن مواقف والدتي كانت لحمايتي من تلقي المزيد من الضربات وهي لم تكن تملك وسيلة سوى ذلك.انطويت على نفسي أكثر واعتبرتهم _أمي ،أبي وحسن_ أعداءا وأصبحت أخشاهم...ففي ذات مرة كنت ألعب وحسن في حديقة الدار ،وأنا ألعب معه بعد أن يسمح لي طبعا باللعب بعده وإلا فالويل لي، اللعبة هي حراثة الأرض بفأس أبي الكبيرة،الوقت ضحى والجو منعش رطب وإذا بأبي يناديه ،ترك حسن الفأس ودلف إلى الداخل مستجيبا لمشيئة أبي،وما هي إلا ثوان وأصبحت الفأس تحتل أناملي الصغيرة أضرب بها الأرض مستغلة كل لحظة من اللحظات قبل حضور حسن ... ولم أتوقع عودته بهذه السرعة وكالعادة فاجئني بزعقة من خلفي فأفلتت الفأس من يدي لتقع على أعلى جبهته ...إلتفت إليه لأرى ما حدث فراعني منظر الدماء التي غطت وجهه ، أغمضت عيني وصممت أذني أختفيت في داخلي كالنعامة التي تخفي رأسها في التراب ... تخيلته وأنا مغمضة العينين...تعلوه الدماء وسبب ذلك هو ...أنا... وإن أقسمت بأغلظ الأيمان فلن يصدقوا أن ما حدث كان صدفة ...يا لخيبتي... أنا لا أرفع يدي بوجهه وحالي على ما هي عليه فكيف بي وقد ضربته_على ما سيظنون_ وأية ضربة!! سالت فيها الدماء !!! دخل حسن إلى الدار مولولا ...فكرت ماذا علي أن أفعل في هذه الحالة ؟! لن تنقضي لحظات حتى يحضر الجميع...لم أشعر إلا وأنا أهرول هاربة من الدار ...إلى أين؟! لا أعلم ...إن اتخاذ القرار والإلتزام به لمن هم دون السادسة من العمر أمر صعب للغاية..استجمعت قواي وأخذت أركض وكأن جيوشا جرارة أو ذئابا مفترسة تطاردني ...لم يوقفني عن الركض سوى ألم حاد في رئتي جعلني أستند إلى باب أحد بيوت الحارة لألتقط أنفاسي بصعوبة بالغة ...مضت عدة دقائق وأنا على تلك الحالة...تلفت حولي فرأيتني قرب بيت أخي الكبير ،قادتني قدماي دون وعي مني إليه ،هدأت من مشاعري قليلا..طرقت باب الدار ..كان لزوجته أخلاقا دمثة ..هذا ما قلته لنفسي كلما زرتها مع أمي علاوة على أنها ابنة خالتي أيضا...لكنني وفي هذه المرة فوجئت بانزعاجها لرؤيتي ،فهذه هي المرة الأولى التي ازورهم فيها لوحدي.. زعق شقيقي بأعلى صوته مؤدبا أطفاله ،لقد كنت في موقف لا أحسد عليه ...جلست بهدوء وانزويت في مكاني ،لم يرحب بي أحد ولم يحفل بمقدمي أي منهما ،فتعجبت كثيرا إذ كانا سابقا يهشان لي ويبشان مجاملة لي ...أو بالأحرى لأمي ...ابتدرني أخي:مالذي جاء بك يا سامية ؟
_أشتقت لرؤية الأطفال.
_متي ومات الأطفال معك.
ألتفتت الى زوجته أبحث في وجهها عن استنكار لما قاله، فرأيتها لا تبالي بفظاظته، أصبت بخيبة أمل عظيمة فنهضت مودعة وجررت قدماي بتثاقل وعدت أسير ببطأ في الشارع المؤدي إلى دارنا لا اعرف ماذا افعل ولا إلى أين أتجه ....وفي غمرة افكاري وحيرتي تلك سمعت صوتا محببا الى أسماعي يناديني بطيبة:
_أيتها الملعونة الصغيرة ...ألى أين هربتي؟
وقرص خدي بحنان ثم ضمني الى صدره وحملني طوال الطريق إلى البيت...كان ذلك هو أبي، قلت له:
_بابا أنا لم اضربه، سقطت الفأس لوحدها على رأسه...اقسم لك...اقسم لك على ذلك.
_لا عليك...نحن نعلم كل شيء ولا تثريب عليك.
_وماما، ماذا ستفعل! هل ستضربني؟
أحمر وجه أبي وقال بجد:
_كلا..لا تخافي نحن نحبك كما نحب (حسناً) ولا خوف عليك من أحد.
وصمت فألقيت برأسي على كتفه وقد أحسست بالثقل ينزاح عن كاهلي.
تابعونا.....
أنت تقرأ
سامية (للكاتبة عالية محمد صادق) ● منقولة
Spirituálníعندما يترسخ الايمان في القلب عندها يتجسد في الواقع ف يصور أجمل معاني الإيمان والأخلاق ....... ~ سامية~ قصة فتاة تواجه الحياة بإيمانها ..... تابعوا معنا هذه القصة المشوقة !!!