الجزء الثامن

849 54 4
                                    

وهكذا دخلت السعادة إلى نفسي واعتبرت تلك المرحلة من حياتي من أجمل الفترات فسلسلة المعلومات الواسعة التي حصلت عليها ساعدت ليس فقط على هدايتي الى الدين الحنيف فحسب بل على إبراز شخصيتي في المدرسة وبين زميلاتي وعُرفت في صفي المدرسي بالتديّن.

الواقع ان حب الإنسان للدين هو إحساس فطري مالم تشوهْه الحضارة المزعومة فقد التقيت في المرحلة الثانوية من دراستي بفتيات طيبات للغاية لكنهن كن خليطاً من التناقضات ،فمظهرهن ماجن  لكن قلوبهن طيبة عامرة بذكر الله وحب الرسول(ص)، ومن بينهن زميلتي (خالدة)، السمراء المحبوبة ولم يكن لضعف جسدها أي أثر على خفة دمها وحلاوة أحاديثها، كانت المشاغبة الأولى في الصف وقائدة المشاكسات ، والناظر إليها وإلى إبرازها لمفاتنها_على صباها_يتصور أنها تكره دينها الإسلامي أو حتى الاعتراف به، ولم يكن ذلك تصوري وحدي بل نظرة جميع طالبات الصف إليها حتى جاء اليوم الذي فهم الجميع فيه مشاعرها الحقيقية...فذات يوم وبعد أن أنهت مدر ّسة الرياضيات شرح حصتها وكالعادة بدأت تتحدث إلى الطالبات في مواضيع مختلفة واندمجت بالحديث عن نفسها وعن قضائها لسهرة راقصة بين كؤوس الخمر، أثار كلامها هذا حفيظة الطالبات وقبل أن أتفوّه بكلمة رأيت (خالدة) وقد وقفت في محلها قائلة:

_ماذا تقولين ياست !! لكن شرب الخمر حرام !!

ردت المدرسة:

_الخمر وشربه ليس بحرام.

_بل هو حرام لأن القرآن ذكر ذلك.

_القرآن الكريم ذكر أن الخمر رجس وليس بمحرم وأمرنا باجتنابه فقط وليس الامتناع عنه...

_ماهذا الكلام ياحضرة المدرسة !هل يوجد في العالم من يقول إن الاسلام لم يحرم شرب الخمر!!

اندهشتُ والطالبات من موقف (خالدة) الجريء هذا في حين أكملت المدرسة:

_ ماهو الدليل على ذلك ...لاتوجد آية تدل على ذلك !

احمر وجه (خالدة) ولم تدر جواباً...وبيأس اتجهت أنظارها نحوي وبلهجة حملتها الكثير من العتاب قالت لي:

_ماهذا يا(سامية)ألا تسمعين ما تقول هذه...هيا...قومي وادحضي آراءها...

تبسمت مشجعة لها واستأذنت من المدرسة في الكلام، وبعد أن أذنت لي سألتها:

_ما هو الفرق بين الحرام والرجس ياترى؟!

_الحرام حرام،والرجس ذنب!

_ليس هذا ماقصدته ياست...لنعد قليلاً إلى الوراء حيث كيفية تحريم الخمر في الإسلام...لم يحرم الله سبحانه وتعالى الخمر مرة واحدة على المسلمين وذلك لتعود العرب قبل الإسلام عليه على شربه، وقد دخل بيوتاتهم وحتى أشعارهم ولم ييتنكروه أو يستقذروه اللهم إلا الموحدين منهم...والله عز وجل يعلم أن المدمنين لن يستطيعوا تركه مباشرة فحّرمه بشكل تدريجي ،فأول ما حرمت الخمر على المصلين حيث قال سبحانه وتعالى:{لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}فامتنع المصلون المدمنون عن ذلك عند الصلاة، ثم وبعد فترة نسخت الآية بآيات أخرى ذات تحريم أشمل وأكبر مثل:{انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه}وقد قرن سبحانه وتعالى الخمر بالقمار لا بل بعبادة الأوثان أي بالشرك وكما نعرف أن الله يغفر الذنوب جميعاً إلا أن يشرك به، فلو كان الشرك محللاً .إذن لصح لك ياست أن تقولي بأن الخمر غير محرمة..ولا أظن أن المسلمين العرب آنذاك لم يفهموا معنى التحريم في النص، فهم يقولون أن كلمة الرجس في التحريم أعظم من كلمة الحرام ذاتها والدليل على ذلك...

_نعم أريد الدليل على ذلك مادمت واسعة الاطلاع هكذا...

_التحريم العملي الذي قاموا به آنذاك هو أحسن دليل عليه، حيث إنهم سكبوا الخمور وما إليه من مواد مسكرة في الشوارع حتى إن رائحتها كانت تعبق في الطرقات لعدة شهور بعد سكبها لكثرتها...

سامية (للكاتبة عالية محمد صادق) ● منقولةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن