الجزء الثاني والثلاثون

698 40 1
                                    

ضحك جدّي وربّت على ركبة (سامي)بجواره قائلاً:

_برد أعصابك يابني ...وتناول الشاي لك الحق أن تغار عليها...ها، لم تخبرني متى ستشتري خاتم الخطبة لك ول(سامية)؟

ببرود أجابه :

_الجمعة إن شاء الله تعالى ...هذه الجمعة كنت تع باً للغاية...لذلك س

أصطحبها الجمعة القادمة..

قلت:

_ولكن يا جدّي...!

_ماذا يا(سامية)؟!!

_ألا يمكن تاجيل شراء الخواتم؟...

_لماذا يا بنيتي ؟

_إنني ...إنني أخجل أن أضعه في إصبعي...و...

وهنا قاطعني (سامي)مستغلاً الفرصة: ‏‏‏

_هل سمعت ماقالته...ألم تجد لي عروساٌ غيرها؟!

_إن لم تفعلي ذلك فلسوف أغضب منك يا(سامية).

_حسناً...حسناً...أيها الجد العزيز الكثير الغضب للاشيء...لن أدعك تغضب مني.

سرحت وأنا أرتشف الشاي الساخن في حالي وما أنا عليه...بينما كان جدّي وحفيده يتناقشان حول أمور بسيطة يضخمانها وكلٌ يحاول أن يثبت للآخر صواب رأيه تساءلت في نفسي...إن الفتاة في مثل حالي ستُسعد جداً بشراء خاتم لها وستفرح كثيراً وتتباهى به أمام صديقاتها ...ولكن أنا!! ...لا بأس...الحمد لله على كل حال، استأذنت جدّي في الانصراف فاستوقفني (سامي)قائلاً:

_مهلاً ....سآتي معك.

خرجنا سوية...وارتأيت ألا أتكلم معه فما فائدة الكلام مع إنسان يكذب...ولم يخب ظني به، فقد قال:

_آسف إن كنت آلمتك بكلامي ...فأنا أريد من جدّي أن يعتقد حقيقة أننا مخطوبان ،وإلا من يغير عليك ومن رجل عجوز مثل (أبي خضر)؟!

_لا بأس عليك...فأنا ابتدأت أشعر بالامبالاة تجاه مايحدث من أمور غريبة حولي ...ولكن مالذي جعلك تزور جدّي هذا المساء ؟!هل اعتقدت بكلامي لك سابقاً ...أو...أو...

_أو ...ماذا؟

_أو إن عمتي قد أرسلتك ثانية؟!

بإنزعاج قال:

_دعيك من أمي..

-لم تخبرني ما الذي أتى بك؟!! هل اقتنعت بصلة الرحم؟!

_هكذا...أردته أن يشعر أننا مخطوبان فعلاً...فليس من المعقول أن يترك الخطيب خطيبته طوال الوقت الذي يتواجد فيه في الدار مع جدّه ولا يسأل عنها...ثم...ثم ...إنك لا تسأمين من التحدث إلى كبار السن حتى إنك تفضليهم على الشباب.

أطرقت هنية أفكر بما قاله، أحسست أنه يتعلل بهذا السبب،فجأة ذكرت موقفه من(نادية)وهربه منها فتوقفت عن السير وسألته:

_حسناً...قل لي...لماذا هربت صباح هذا اليوم من (نادية)وأمها؟!

تسمّر في مكانه وبدأ يتنفس بصعوبة كمن قد أصابه سهم قاتل ،وبغضب قال:

_وما شأنك أنت ...أنت فضولية جداً ...هذا أمر لا يهمك ولا يعنيك...

ومشى قليلاً إلى الأمام ثم عاد إلي كمن تذكر شيئاً،فقال:

_بالمناسبة...إذا طلبت أمي أو أي شخص آخر منك....

أكملت له:

_لن أحضر إلى دائرتك...فهمت ذلك جيداً...ألا توافقني أن الحديث إلى الكبار الهادئين أفضل من الحديث إلى الشباب النزقين السريعي الغضب؟

قال بفتور وقد أحس بالخجل:

_بالطبع لا...ولكنك تتدخلين فيما لايعنيك فتسمعين مالايرضيك...

_وهل يمكن لإنسان أن يتجاهل مايحصل حوله وكأنه حجر أو شجر أو جماد ،هل يمكن أن اتجاهل كل ذلك الشجار الذي حصل في الصباح بين(سها)وزوجها وعمتي و(لمى)؟لقد تشاجروا حتى ظننت أنه سيقتلها.

وجئت أستنجد بك...فإذا بك تعرف كل شيء وتتجاهله ...وعندما أعود...أجد المشكلة قد حُلت ....أمر عجيب ...لماذا لا تخبرني عن سبب ذلك كله!!

_ألم أقل لك...أنت فضولية!..

_أشكرك...

قلت هذا وتركته وانا أتميز غضباً متجهة لغرفتي فناداني.

_تمهلي ...رويدك...

توقفت فتبعني ووقف في مواجهتي وهو يقول:

_إنها قصة لا تنتهي ...هما على هذا المنوال منذ أن أنجبت ابنتها الصغيرة...يتخاصمان في الصباح ويتصالحان في الظهيرة ويتناولان الغداء والعشاء معنا ويعودان إلى دارهما سوية...وتستمتع أمي بالظهور أن لها ابناً يساعدها في العراك عند الحاجة....رغم علمها سلفاً أن مشكلتها لا تنتهي وهي مشكلة أسبوعية إن لم نقل يومية ...وهي لا تهتم في الواقع لحضوري .. ولا تستوعب ماتسببه لي من ضرر في محل العمل ...لذا أوصيت عاملة البدالة أن تخبر من يتصل من البيت بذلك...إن أمي تظني مستغنياً عن العمل الحكومي بسبب غنى أبي وثرائه ...لكنها مخطئة فلأبي مشاريعه...العاطفية...الخاصة التجارية التي لا يعلم عنها أحد وهو يتكتم على أموره...اتركينا من هذا الحديث ...أخبريني...يبدو أنك تملكين قدراً من الثقافة ...هذا واضح من أسلوب كلامك ...هل أكملت مرحلة دراسية ما؟

_خمّن أنت!

_أكملت المتوسطة

بخيبة أمل أجبته:

_لقد حزرت ...بالضبط فأنا قد أكملت المرحلة المتوسطة من المدرسة....وعندما رأيته لم يقتنع أستاذنت منه قبل أن يكثر من الأسئلة وتركته راجعة إلى غرفتي ...وعندما كنت أسدل الستائر لاحظته يقف في محله الأول حيث تركته وقد أمسك بيده سيجارة يدخنها ساهما ينظر صوب غرفتي ...فأسدلتها بسرعة وأطفأت النور ثم دخلت في الفراش وقد عزمت أن أفي بنذري من الصلوات فأخرجت المسبحة من تحت وسادتي وبدأت بها ثم غفوت دون أن أفكر بشيء آخر ...

سامية (للكاتبة عالية محمد صادق) ● منقولةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن