الجزء الثلاثون

702 44 0
                                    

وعلى مضض كتبت (لمى)العنوان وخرجت مسرعة فاستقلّيت أول تاكسي صادفتني وما هي إلا نصف ساعة حتى كنت أستقل المصعد إلى الدور الخامس، سألت عنه فأشاروا إلى مكتب جلس خلفه رجل ضخم بشوارب كثيفة ذا شخصية مهيبة خمّنت أنه مسؤول إداري فسلمت عليه باحترام وشرحت له احتياجي في الدار لوجود(سامي)لأمر عاجل استدعى حضوري، فرحب الرجل بي وطلب مني الجلوس لحين حضور (سامي)...جلست وكلي إحساس بالقلق، مرت دقائق رأيت بعدها (سامي)مقبلاً من إحدى الأبواب الجانبية وهو يحمل في يديه حزمة من الأوراق كان يقرأ فيها وضعها مباشرة على مكتب المسؤول وبدأ يشرح له دون أن ينتبه لوجودي ...الحقيقة أن هيئته العامة توحي بأنه شخص محترم في محل عمله...

قال له:

_لم أرسل في طلبك من أجل المشروع يا سيد (سامي)، لكن هذه الفتاة_وأشار إلي فالتفت(سامي)إلى حيث أشار_تود التحدث إليك...تفضل..شحب لونه للحظات وتوترت عضلات وجهه لدى رؤيتي ولم يتحرك من محله، بعبارة أخرى أنه صعق عندما شاهدني...حينذاك تقصدت أن أبتسم لكي يطمئن نفسياً...فربما تخّيل حدوث أمر مُرعب لعائلته استدعى حضوري، حينئذ أشار إليّ باللحاق به في زاوية الغرفة...قلت أطمئنه:

_لا ترتعب يا(سامي)لم يحصل أي مكروه لكن عمتي أرسلتني في طلبك إنها في مأزق يستدعي وجودك...إنها (سها)وزوجها يكادان ينفصلان...وعمتي الآن في وضع لاتحسد عليه.

أستأذن (سامي)من المسؤول في الانصراف وقال:

_على أية حال لقد دققت هذه الخارطة وقد وافقت على تنفيذها وأرجو منك الإشراف عليها...ترك (سامي)المدير وخرج من الغرفة ...بقيت في مكاني لاأدري ماأصنع ، هل سيعود ويصحبني معه أم لا؟إنه لم ينطق ولا بكلمة معي...في هذه الأثناء رن جرس هاتف المسؤول فاستغربت ذلك إذ أن عاملة السنترال أخبرت عمتي بعطل الخطوط الداخلية وهاهو ذا المدير يتحدث بهاتفه ببساطة، انقطع حبل تفكيري بدخول(سامي)وأشار إليّ بالانصراف معه ، فودعت مديره بسرعة وخرجت أمشي لا بل أركض خلف(سامي)ذي الخطوات الواسعة ولحقت به عند المصعد ، ونزلنا معاً إلى كراج المديرية حيث سبقني إلى سيارته البيضاء ،استقلّها وفتح لي بابها الأمامي فجلست فيها والواقع أن منظر الشارع وهو قريب إلى الجالس جميل ومحبب، قرات الفاتحة في سري عندما بدأ (سامي)بالقيادة فهو سريع للغاية، ولم أتوقع أن يسألني بغضب عن سبب حضوري؟!...وبدهشة من سؤاله أخبرته ماحدث ووضحت له أنني ماحضرت إلا لاستدعاء المساعدة فقاطعني بحدة:

_في المرة القادمة لا تحضري إلى محل عملي مهما كان السبب، وحتى الهاتف لا تستخدميه...مفهوم؟

سكتّ ولم أجبه فعاود سؤاله:

_ألم تسمعي ماقلته لك؟

_بلى ،سمعت فلا داعي لكل هذا الزعيق فسمعي جيد و الحمد لله ،ولكني لم أفهم سبب انزعاجك مني إلى هذه الدرجة ..يمكن للمشاكل أن تحصل في أي بيت بحيث يحتاجون ابنهم الأكبر لحلها، خاصة إن كن نساء ضعيفات لا حول لهن ورب الدار غائب...فلماذا يا ترى لا ترغب بمساعدتهن...أظن أنه واجبك!

قال بعد أن أطلق زفرة حبيسة:

_وكيف لا أنزعج منك وانت تضايقينني في  عملي ثم إنك لا تعرفين أمي ونزواتها ....ولو استجبت لطلباتها فلن استطيع الاستمرار في العمل!!ف(سها)_وزجها دائما العراك والخصام بل قولي هوايتهما المفضلة...لقد هددها بالطلاق والضرب أمامك أليس كذلك؟!

قلت:

_نعم.

أضاف:

_نعم، ثم شتم أحدهما الآخر...

بتعجب قلت:

_نعم، نعم كيف عرفت ذلك ؟

وأكمل:

_ثم اتصلت أمي بالهاتف فأخبروها بوجود عطل فيه فالتفتت إلى(أم أحمد)وطلبت منها الحضور إلي فاعتذرت عن ذلك بأنها ستضيع لو تُركت وحدها!

قلت بحماس:

_وكأنك كنت حاضراً معنا ! أو أنك دبّرت كل ذلك؟!

أجاب:

_نعم ...أوصيت عاملة السنترال بذلك وكذلك (أم أحمد).

قلت:

_و(لمى)هل أنت أوصيتها أن تعتذر لعمتي بحضور (نادية)وأهلها؟

وما إن سمع اسم (نادية)حتى ضغط كابح السرعة وأوقف السيارة على جانب الطريق والتفت إليّ قائلاً :

_ماذا ؟ماذا قلت؟أعيدي ذلك!

قلت:

_عمّن ؟عن (لمى)!

بلهفة قال:

_نعم ، ماذا قالت (لمى)لتعتذر لأمي؟

_اعتذرت لها بأنها تنتظر وصول (نادية)وأمها وخالتها ...هذا ماسمعته منها.

انزعج (سامي)لسماع الخبر وضرب مقود السيارة بكفه وأدار وجهه إلى الجهة الأخرى وقد شرد في تفكيره...احترت ماذا أفعل ففضلت الصمت على أمل أن يشرح لي ما الأمر ، مضت دقائق قبل أن ينطلق بالسيارة من جديد ...فقال:

_اسمعي يا(سامية)ستترجّلين على مقربة من البيت وعليك أن تعودي لوحدك سيراً على الأقدام وتخبري أمي أنك لم تجديني....لأني...لأني خرجت منذ الصباح في مأمورية ولا تعرفين متى سأعود، أفهمت؟...

لم أجبه، فتعجب لذلك وقال:

_لماذا لا تنطقين؟ها!هل في الأمر صعوبة عليك؟!

قلت:

_بل في غاية السهولة، الا أنني لست على أستعداد للكذب هكذا لا من أجلك ولا من أجل إنسان آخر ...فالكذب حرام...نهانا رسول الله (ص)عنه حيث قال:&إن الصدق يهدي إلى البر،والبر يهدي ٱلى الجنة،وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً،

سامية (للكاتبة عالية محمد صادق) ● منقولةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن