الفصل التاسع عشر

1.7K 255 204
                                    

حلَّ الصباح محمَّلاَ بالغيومِ السوداء التي احتلَّت أجزاء من السماءِ؛ حاجبةً أشعة الشمس الدافئة، واعتلى الضبابُ الكثيفُ الجبالَ البعيدة حتى كاد أن يخفيها.

انضمت "آن ماري" إلى "مسالا" المنشغلة بتجهيزِ مائدة الإفطار، فألقت عليها التحية وهي تفرك ذراعيها متمتمة بصوتٍ كسولٍ عكس انزعاجها:

- البرودةُ قارصةٌ هذا الصباح.

أكَّدت "مسالا" وهي تكملُ ترتيب أدواتِ المائدة حول الطبقين الوحيدين فوق المفرشِ الأبيض:

- يجب أن تعتادي على هذه البرودة؛ فالخريف يودعنا وسيبدأ الشتاء بعد أيام.

جلست "آن ماري" على المقعد الخشبي قائلة بضجر:

- أكره البرد القارص، ولا أحتملُ فصلَ الشتاء.

ضحكت "مسالا" وهي تبتعد عن المائدة، ثم قالت بينما كانت تغلق الباب الزجاجي لخزانة الأطباق المستقرة على يمين الطاولة:

- هناك الكثير ممن يفضلونه.

- نعم، فهو الفصل المفضل لدى "جاري".

- لأنه يناسبه تماماً.

التفتت "مسالا" و"آن ماري" إلى "دورندا" التي ألقت بتلك الجملة قبل أن تلقي بالتحيةِ وهي تنضم إليهما. حدَّجتها شقيقتها الصغرى بنظرةٍ معترضةٍ لم تبالِ لها "دورندا"، بل احتلت مقعدها بهدوء تام، ثم عقدت ذراعيها على طرفِ المائدة أمامها لتميل قليلاً نحو "آن ماري" الجالسة على الطرفِ الآخرِ لتنظر في عينيها بتحدٍ متسائلة:

- أخبريني أنتِ ما الفصل الذي يناسب "جاري باركر" أكثر من فصلِ الشتاءِ القاسي الممل.

وقبل أن تتلفظ "آن ماري" بكلمةٍ أسرعت "دورندا" لتضيف:

- إياك أن تختاري فصلَ الربيع؛ فهو بعيدٌ كل البعدِ عنه.

لم يكن لدى "آن ماري" ما تقوله وقد بدا من صمتها أنَّها تفكِّر في سؤالِ شقيقتها الكبرى وتبحث بين فصول السنة ما يناسب شخصية "جاري باركر". على حين اعتدلت "دورندا" في جلستها لتستند بظهرها إلى الخلف بينما عيناها الزرقاوان تراقبان وجه "آن ماري" بتهكمٍ وهي تقول:

- فلنفكر معاً. فصلُ الخريف قد يبدو مناسباً أيضاً فبالإضافة أنه فصلك المفضل؛ فهو فصلٌ تتناسب صفاته مع صفاتِ ابن "باركر".

وأمالت شفتيها الناعمتين ببرودٍ قبل أن تتمتم بينما أنامل كفها اليمنى تعبثُ بالسكين على الطرفِ الأيمنِ من طبقها الخالي:

- فصلٌ لا يخلو من البرودةِ، تبدأ فيه الحيواناتُ بالاختباء، وتهاجرُ الطيورُ.. تيبس فيه الأوراق، وتفقدُ الحياة، فصلٌ معادٍ للطبيعة وقاسٍ أيضاً؛ وبالتالي يناسبه للغاية. ما رأيك أيهما تختارين؟

ارتسمت ابتسامةٌ راضيةٌ على شفتي "دورندا" عندما غلف الامتعاض ملامح "آن ماري". إلا أن هذه الأخيرة اكتفت بمنحها نظرةً لا مباليةً. على حين أطلقت "دورندا" ضحكةً قصيرةً وقد بدأ الحوار يثيرها أكثر، فاستمرت في تحليلاتها قائلةً بنبرةٍ مستفزةٍ:

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن