الخامس والخمسون

1.6K 243 319
                                    

كانت "دورندا" تعدُ الساعات في انتظارٍ متلهِّفٍ لإشراق شمسِ يومٍ جديد، سيتيح لها لقاء "جاري" في منزل السيد "هارولد".

أنهت استعدادها في وقتٍ قياسي، وقد انتقت ثوباً من الموسلين المخلوط، ملفتاً بلونه الذي يحاكي حمرة الغروب الدافئ. أضافت أزهاراً صفراء على الجانب الأيمن من خصلات شعرها المصفَّفة أعلى رأسها، وقد حرَّرت بعض خصلاته على جانبي وجهها وخلف عنقها؛ الذي كان خالياً من الإكسسوار رغم اتساع فتحة الثوب.

احتفظت بمروحتها الأنيقة في كفِّها اليمنى وقد علَّقت حقيبتها الصغيرة حول معصمها المغطَّى بقفازها الحريري.

كالعادة لم يكن "جاري" في الحجرة التي خُصِّصت للرقص. وكان على "دورندا" البقاء حيث ينبغي أن يكون برفقة شقيقها وكبار السن من أصحاب الأعمال والتجارة.

كانت "كاثرين رودجر" غائبة في لندن طوال الفترة الماضية، لكنها عادت إلى "جلوسترشير" منذ يومين .. وكم تخشى "دورندا" ظهورها الآن في أي لحظة.

تعمَّدت مشاركة ابنة السيد "هارولد" الآنسة "كارولين" أريكتها؛ إذ كانت في مواجهة المجلس الذي انضمَّ إليه "جاري" .. لم تكن متنبهة لمعظم الحديث الدائر بين "كارولين" وفتاة أخرى تشاركهما الأريكة، فقد انشغلت عيناها بمحاصرة "جاري"، وحواسها تلتقط كل نظرة يختلسها نحوها، وقد تعجب من تواجدها في تلك الحجرة.

أبقت نظراتها الواجمة عليه وهي تستشعر ذلك الاهتمام الذي يحكم التفاتاته نحوها.. نظراته التي تفضحه أحياناً لتعلن عن حبٍ يدفنه بحرصٍ.

وبَّخته في سرِّها على هذا العذاب الذي يفرضه على قلبيهما. لماذا هذا التمنُّع الموجع، وقد كانت عاطفته تحترق في مدفأة شوقها قبل أيام؟!!

لماذا يزهد بعاطفته، وهو ليس واقعاً في حب راهبةٍ. "دورندا" امرأةٌ لا تقبل بالحب الصامت.. هي امرأةٌ تعلن حبَّها صراحةً، ولا تقبل سوى بحقوقها كاملةً. لا يكفيها تحيته القصيرة التي ألقاها للترحيب بها، وكأنها انتظرت لقاءه ليكتفي بتلك الكلمة ثم يبتعد.

بعد تلك القبلة لم يعد هناك مجالاً للتردُّد والتحفُّظ.. لا بد أن تضع حداً لهذا الجنون والحيرة التي يصيب بها قلبها ويفرضه على مشاعرهما.. صمته يقتلها ببطء، وهي لن تكتفي بحبٍ صامتٍ؛ كما يفعل هو.

بما أنَّها اختارت التورُّط مع هذا الرجل المتردد، عليها دائماً اتخاذ الخطوة الأولى لتدفعه للقيام بالثانية حتى تفرض عليه هذه العلاقة.

انفرد "هوارد" و"جاري" في حوارهما الخاص أمام المدفأة بعيداً عنها، فانتظرت "دورندا" اللحظة المناسبة لتتجه نحوهما بشجاعة.

- أرغب في الرقص، فمن منكما سيرافقني؟

صبغت لهجتها بالمرح وهي تردد نظراتها اللطيفة بين الشابين، فابتسم "هوارد" مؤكِّداً:

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن