الفصل السادس والعشرون

1.9K 241 264
                                    

كان من الطبيعي أن تتخذ "دورندا" الطريق الذي يتخلل الأراضي الزراعية؛ متجنبةً الطرق العامة، فهذا الوقت تكون الأراضي خاليةً من المزارعين وهو الطريق الأقصر لقصر آل "كيتينج".

أخذ "جاري" يحثُّ خيله على الإسراع بأقصى ما لديه، وما هي إلا دقائقٌ قبل أن يلمح ذلك الخيل البني على بعد مسافةٍ طويلةٍ، لكنَّها لم تكن لتشكِّكه بهوية فارسته؛ بتلك الخصلات الشقراء المتطايرة من تحت قبعتها الصغيرة المثبتة بشريطةٍ عريضةٍ أسفل ذقنها.

كان تحكُّمه بخيله يفوقها بمراحل، والاقتراب منها سهلٌ للغاية. لاحظ "جاري" التفات "دورندا" إليه باستدارةٍ سريعةٍ بعد أن وصلها وقع حوافر خيله على الأرض إثر مطاردته الملحَّة خلفها. ارتجف قلبها بقوةٍ وملامحها تعكس فزعها الشديد.. إلا أنَّها لم توقف الخيل بينما صوت "جاري" الهادر يأمرها بالتوقُّف.. تشبثت باللجام، وحاولت التركيز على الطريق أمامها؛ مرغمةً خيلها على الإسراع بينما كفَّاها القابضتان على لجام خيلها ترتعشان بشدة. لم تتنبه لذلك المنحدر الصغير الذي ظهر فجأة لتلتوي ساق الخيل ساقطاً بشكلٍ مريعٍ على الأرض الصلبة تحتهما..

أطلقت "دورندا" صرخةً فزعةً وهي تجد نفسها تهوي أرضاً دون أن تعي السبب، لتتلقى السقطة بساعدها قبل أن تشعر بضربةٍ قويةٍ في رأسها أفقدتها الوعي من فورها.. حتى أنَّها لم تشعر بقدمها المحشورة تحت ثقل خيلها الجريح.

قفز "جاري" من فوق خيله قبل أن يكمل توقُّفه، ثم أسرع بهلعٍ عظيمٍ نحو "دورندا" الغائبة عن الوعي ليحاول إفاقتها دون جدوى. ارتعشت أطرافه و هو يعيد رأسها إلى الأرض المنبسطة بحذرٍ قبل أن يوجِّه اهتمامه نحو خيلها الذي بدا في حالٍ سيئةٍ هو الآخر، وجرحٌ عميقٌ ينزفُ أسفلَ عنقه.

نجح "جاري" بصعوبة في إزاحةِ الخيلِ المتألِّمِ عن "دورندا". ومن حسن حظِّها أن قدمها فقط ما بقي محشوراً تحت ذلك الجسد الضخم. ما إن تأكد "جاري" أنها بعيدةٌ عن أي خطرٍ آخرٍ حتى ألقى بجسده الخائر من الفزعِ على الحشائش القصيرة وكفَّاه ترتفعان إلى رأسه بتوترٍ عظيمٍ؛ يفكِّر بجزعٍ فيما يجب فعله.

*************

كانت البرودة القارصة تلفحُ جسدَ "مارك"؛ رغم تدثره الجيد بمعطفه، والهواء البارد يؤذي ملامحه، مما دفعه للف الشال الصوفي حول أنفه ليغطي معظم وجهه الممتعض دون أن يفكرَ بتركِ مكانه بجوارِ سورِ الإسطبلِ الخاصِ بقصر آل "لاسيليز"، وقد طال انتظاره لعودة صديقه من نزهته.

إلا أن "جايسون" تعرف على هوية ذاك الشخص الملتحف بالسواد باستثناء خصلات شعره الكثيفة التي تُركت دون غطاء.

ترجَّل "جايسون" من فوق خيله -على بعدِ خطوات من "مارك"- ليسلِّم اللجام ل"ميكر" الذي سارع للاهتمام به.

تهيأ "مارك" لأي ردة فعلٍ قد تصدر من صديقه.. وبقي صامتاً وهو يعتدل في وقفته، مبعداً الشال عن وجهه في انتظار اقتراب "جايسون" منه.

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن