الفصل السابع والعشرون

1.7K 250 114
                                    

بعد رحيلِ "مسالا" غرقت "دورندا" في نومٍ عميقٍ لساعاتٍ تجاوزت طوال الليل.. كان هذا الأفضل لها حتى لا تشعر بآلام رأسها وقدمها، لكن ذلك لم يستمر طويلاً فما إن حصل جسدها المرهق على قدرٍ كافٍ من الاسترخاء حتى بدأت الآلام تقلق راحتها.. كانت تئن بضعفٍ وألمُ قدمها يرسلُ وخزه على طول ساقها، وثقل رأسها يشعرها وكأنها تغرقُ في بحرٍ تشدَّها جاذبيته نحو قاعه بضغطٍ رهيبٍ.

كان ضوء الفجر يزحف ببطء عندما فتحت "دورندا" عينيها بتثاقلٍ لترى "جاري" منحنياً فوقها بملامحٍ متوترة وهو يرددُ اسمها بقلقٍ واضحٍ.

عادت لتغمض عينيها المتعبتين وهي تبللُ شفتيها بطرفِ لسانها قبل أن تطلبَ كأسَ ماءٍ وجدته أمامها في الحال.

انكمش جسدها وكفُّه تسند مؤخرة رأسها ليرفعها بحذرٍ شديدٍ وهو يساعدها على الشرب. جثم الحرجُ والرفضُ على مشاعرها وقربه الشديد يثيرُ أعصابها، ويحرِّض نفورها منه إلا أنَّها لم تكن في وضعٍ يمنحها القدرة على تغييرِ شيء، أو حتى الاعتراض.

عاد الاسترخاءُ إلى جسدها وأعصابها بينما كف "جاري" تعيد رأسها بكلِ حرصٍ إلى الوسادة.

سمعته يتساءلُ بصوتٍ دافئ صادق الاهتمام:

- هل تشعرين بالألم؟

تمتمت بالإيجاب بضعفٍ دون أن تفتحَ عينيها، فدام الصمتُ للحظةٍ قبل أن يقولَ بهدوء:

- لا بأس.. سيزولُ قريباً.. هل أحضر لك شيئاً لتأكليه؟

- لستُ جائعة.

شعرت بقشعريرةٍ باردةٍ تسري في عامودها الفقري وكفُّه تضغط على جبينها ليختبر حرارتها. عندما فتحت عينيها الزرقاوين، أبعد كفَّه موضِّحاً باطمئنانٍ أنَّها لا تعاني من الحمى، ثم ابتعد من فوره نحو المدفأة الصغيرة ليضيف إليها المزيد من الحطب.

ساد صمتٌ غريبٌ، وصوتُ حفيفِ النارِ الملتهبِ داخل المدفأة يبعثُ شعوراً لطيفاً بالسكينة؛ يتخلله فرقعةٌ خفيفةٌ ما بين لحظةٍ وأخرى.

أطلقت "دورندا" تنهيدةً خافتةً وهي تريح كفَّيها فوق غطائها السميك بينما عيناها تحدِّقان في الباب القابع أمامها. كانت ألسنة النيران ترسلُ إشعاعاً دافئاً يتراقصُ فوق جدران الكوخِ الخشبية، وشردت بأفكارها إلى أن قاطعها صوت "جاري" الذي تساءل دون أن يترك أريكته.

- هل تشعرين بالحاجةِ للعودةِ إلى النومِ؟

- لا.

- جيد.

حركت رأسها نحوه ببطءٍ شديدٍ فوضَّح:

- لقد نمتِ لوقتٍ طويلٍ مما أثار قلقي. وإن كنتِ لا تزالين تشعرين بالنعاسِ والضعفِ, فهذا مؤشرٌ سيء.

زفرت نفساً هادئاً قبل أن تتمتمَ:

- ألمُ رأسي خفَّ كثيراً وإن لم يزل بعد.. لكن ألم قدمي يزدادُ سوءاً.

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن