السابع والثلاثون

1.5K 239 265
                                    

انتهى الشهرُ الأخيرُ من الشتاءِ لتخلع الطبيعة رداءها الأبيض بالكامل، وتحرر معالمها المبهجة لتمتع الأنظار بزينتها الساحرة.

عادت الطيورُ لتصدح بتغريدها الشجي في الأرجاء المشمسة، وتلاعبُ نسماتِ الربيع العليلة المتبخترة بين الأشجار الباسقة بعد أن استردت رونقها وفتنتها. بدت أراضي "جلوسترشير" ضاحكة مستبشرة بأزهارها العطرة، تطرز سجادها الأخضر بأبهى الألوان.. بينما صوت الجداول الصغيرة تصدر خرير مياهها لتوقظ الأرض التي بقيت غارقة في سبات الشتاءِ الأصم.

حتى الإشراق طال ملامح "ساشا" العذبة، ولم تفارق الابتسامة الجميلة شفتيها منذ أن أعلنت "جوزيت" بالأمس عن عودة السادة هذا الصباح..

أخيراً ستدب الحياة في روحها، وتشرق شمسها بعودة ذلك الحبيب الذي أعيا قلبها شوقاً وهي تعد الأيام لعودته. لقد طال غيابه لما يقارب الشهرين، وقد كانت مدة طويلة للغاية، بدت وكأنها لن تنتهي.. لكنها انتهت أخيراً..

ستعود هذه الخفقات المجنونة لترهق قلبها حتى دون أن تراه؛ ففكرة وجوده حولها يجعل هذا الخافق هائماً، لا يهدأ.

لم تنم لتستيقظ مبكرة.. بل واصلت ليلها ترسم الكثير من الصور في مخيلتها، وتصيغ شتى الجمل اللائقة بالترحيب به. رغم معرفتها الأكيدة بأن كل شيء سيتلاشى ما إن تراه، لكن هذه كانت تسلية لياليها الوحيدة خلال غيابه.

استحضار طيفه الحبيب والاهتمام به، ومغازلته واغداقه بكلمات الوله والشوق.

أخذت حماماً مسرفاً؛ بعطرِ أزهارها الخاصِ الذي يعشقه، والذي امتنعت عن استخدامه طوال فترة غيابه؛ إذ أصبحت هذه الرائحة حكراً له وحده. بعد أن أنهت تسريح شعرها نظرت إلى وجهها الجميل بابتسامة زادت قسماتها العذبة إشراقاً ووداعةً.. لم ترَ نفسها بهذا الجمال من قبل، فهي لم تدرك جاذبيتها إلا بعد أن نظرت عيناه إليها، ولم تحب ابتسامتها إلا عندما أرَّقت نوم سيدها ذات ليلة.. تسلَّلت دموع السعادة إلى عينيها.. عيناها.. أكثر شيء باتت فخورةً به.. تأمَّلت لونها العسلي الملفت، المشع وسط سياجٍ من الخضرة الجذابة. لطالما أمطر هاتين العينين بكلماتِ الغزل الصادق، ونظراتِ الافتتان الفاضح. عضت على شفتها السفلى بينما تورُد خديها يكمل صورة مثالية لعاشقة انصهرت مشاعر الوله والهيام بغيرها من درجاتِ الحب لتشكل أروع التعابير؛ معلنةً عن العاطفة المتأججة في زوايا قلبها المتيم.

اقتربت "جوزيت" من المدخل الداخلي للقصر لترحِّب بسادته النبلاء. كانت "جيسيكا" تسير بكبريائها الواضح ونبلها المتجسد في كل جزء من ملابسها وقسماتها الجامدة. يتبعها حفيدها "جايسون" الذي لم يكن بحاجةٍ حتى لارتداء قناع الجمود والترفُّع، فقد كانت هالة الأصالة والنبل تنبعث منه دون تكلف. وبدلاً عن "باتريشيا" -التي بقيت في "لندن" مع أسرتها- حضرت "بياتريس"؛ إحدى حفيدات السيد "جلبرت لاسيليز" شقيق "جيسيكا"، وقد بدا أنَّها لم تفوِّت فرصة العودة إلى "انجلترا" لحضورِ سباق الربيع؛ كما حدث العام الماضي.

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن