الفصل الثاني والأربعون

1.5K 239 184
                                    

تسللت أشعةُ الفجرِ الخافتة إلى السماء لتبدد الظلمة، وتحطم السكون بإيقاظها لتلك المخلوقات التي تُدب الحياة على وجه الطبيعة.. تتهادى الدواب بين المروج الخضراء الشاسعة، وتبحر الطيور في عنان الأفق الواسع.

أبعد "هوارد" قبعةَ "ميليسا" المزيَّنة بألوانِ الزهرِ متفاوتة الدرجات، فوق أرضيةٍ زرقاء باهتةٍ، تناسبت مع الزخرفة المنتشرة أسفل تنورتها الممتزجة بلوني الأزرق والأخضر.

- تعلمين أنَّني لا أحب أن تحجبي جمالكِ عن عينيّ بهذه القبعات.

زادتها ابتسامتها الخجولة فتنةً، فتشاغلت بإبعاد خصلاتها الناعمة عن كتفها الأيمن إلى خلف ظهرها فامتدت كفُّه ليعيد بعضاً من تلك الخصلات موضِّحاً:

- وأحبُّ انسدال شعرك على كتفيك.

نظرت إلى وجهه ودهشة الرضا تظلل تعابيرها الفرِحة. أسعدها كثيراً أن يستقبلها بهذا المزاج الهادئ، وهذا الشوق الدافئ فقد اتسمت لقاءاتهما الأخيرة بالحدة، واقتصرت على الجدالات الحانقة، والأخبار المزعجة.

تنبه لذلك التعجب الممتزج بنظراتها المبتهجة فأكد بهيام لا يقبل الشك:

- أحبكِ، وأحبُّ كل ما ينتمي إليكِ.

لم تمانع بعناقه المحكم قبل ان تلتقي الأعين في حوارٍ صامتٍ يغلفه الكثير من المشاعر، وبقي قلبها يرسل وخزاته العذبة بينما عينا "هوارد" الجريئتان لا تكتفيان من التجول في سحرها الأخَّاذ:

- هل تدركين كم أنتِ فاتنةً؟ لا يمكن لعينٍ تراكِ ألَّا تلقي بصاحبها صريعاً.

همست ونظرة العشق في حدقتيها تؤكِّدان صدقها:

- لا تهمني سوى عينيكَ. ولا أريد لغير قلبكَ أن يقع صريعاً في حبي وحدي، ولن أسمح لامرأةٌ أخرى أن تشاركني حتى في أوقاتك.

ارتسمت ابتسامةٌ راضيةٌ على شفتيه الرقيقتين وهو يعي جيداً المغزى خلف كلماتها الأخيرة، فارتفعت كفُّه إلى الخصلاتِ التي داعبتها النسماتُ الهادئة قائلاً بولعٍ:

- فاتنتي.. أنتِ لم تُخلَقي لتغاري من النساء، بل لتحترق النساءُ غيرةً منكِ.

اختلَّ إيقاعُ نبضاتها وهو يعقب كلماته بقبلةٍ على وجنتها فابتعدت عنه لتقف على طرف التلة العالية مستنشقة الهواء المشبع برائحة الأزهار البرية؛ متأملةً المنازل المتناثرة وسط تلك المساحات الشاسعة على مد البصر.

عادت تلك الرجفة إلى جسدها وذراعاه تحيطانها من الخلفِ. مسحت بكفَّيها على كميّ جاكيته الداكن قبل أن تقبض على ساعديه وهي تنعم بقربه المطمئن دون حديث.

مرَّت دقائقٌ على وضعهما يتأملان الطبيعة بصمتٍ تامٍ، ولم يفكر أي منهما في إنهاء ذلك العناق إلى أن همست "ميليسا" بشرود:

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن