التاسع والثمانون

2.2K 246 591
                                    

أهدي هذا الفصل للكاتبة الحبيبة "أمامة حسن"، والتي اجتذبت بعشقها وتقديرها للرواية عدداً كبيراً من زوار "جلوسترشير".
oOmamao

❤❤❤❤

انقضى الربيعُ سريعاً.. لكن حلول فصل الإنبعاث والولادة من جديد كان انتقالةً ذات أثرٍ عظيمٍ على "جلوسترشير".. انعكس بوضوحٍ على طبيعته وأهله. دبَّت الحياة في أراضي الريف وأرواح ساكنيه ليعيد إليهم البهجة التي قتلها فصل الموت الذي سبقه، ويحيي الأمل بأيامٍ أفضل.

حظي الجميعَ بموسمٍ ربيعي اكتظَّ بالنزهات، والمناسبات السعيدة؛ خاصة مناسبات الزواج.. ليتبعه الصيف مغدقاً عليهم بالحفلات والسهرات المتميزة قبل أن يغادر مسلِّماً الطبيعة ليد الخريف لتعبث بخضرتها؛ صابغة أوراقها بألوان الغروب البديعة، تثير السحر رغم ذبولها، وتروي الأعين بجمالها رغم جفافها.

كان جدولُ "دورندا" يقتضي قضاء صباحٍ خريفي مميزٍ برفقة السيد "توماس" والد زوجها، وأحياناً برفقة "آن ماري" التي تأتي لزيارتها لقضاء معظم النهار بصحبتها.. إما داخل المنزل أو في الزيارات؛ التي ترافقهما إليها "ميليسا".

نظراً لبقائها هذا اليوم بمفردها فضَّلت الانعزال في الحديقة برفقة كتابٍ أخذها تماماً عن بهاء الطبيعة من حولها.. فلم تلتفت لتغريد الطيور المحلِّقة حول الأحواض الحجرية المرتفعة على بعدِ خطواتٍ من مقعدها، ولم يشتت انتباهها النسمات العليلة التي أخذت تلهو بأوراق الشجر المنتشرة في أرجاء البقعة التي تضمَّها.

لكن تلك القبلة المحبة التي طُبعت على وجنتها انتشلتها من بين صفحاتها لتلتفت إلى "جاري" الذي اعتدل في وقفته خلفها وهو يستنكر باسماً:

- ما الذي يشغلكِ عنِّي إلى حدِّ عدم التنبه لاقترابي؟

منحته ابتسامةً واسعةً وهي تريه غلاف كتابها مجيبةً:

- طفلك.

وقعت عيناه على عنوانِ الكتاب "الأم وإبنها" ليطلق ضحكةً قصيرةً مرحةً قبل أن يحتلَّ المقعد الملاصق لها متمتماً:

- كم كتاباً لديكِ في هذا الشأن؟!!

ضحكت موضِّحةً برضا:

- جمعتُ ما يكفي. وكان لشقيقك فضلٌ كبيرٌ في توفيرها من أجلي.

عادت ضحكته الجميلة لترتفع قبل أن يقول بتعجُّبٍ:

- حبيبتي لا تزالين في بداية حملك، ولستِ بحاجةٍ لإغراق نفسكِ في هذه الهموم منذ الآن.

ثم أكَّد وهو يواجه عينيها الجزلتين:

- اطلعت على بعض صفحات الكتاب الذي كنتِ تقرئينه بالأمس.. وليس كلُّ ما ذُكر فيه أمراً ممتعاً.

فهمت ما يشير إليه فخالطت ضحكةٌ خفيفةٌ نبرتها وهي تعترف:

- أسأتُ اختيار الكتاب.. لذا قررتُ التركيز على علاقتي بطفلي بدلاً من عملية الوضع، وصعوباتها المحتملة.

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن