انتشرت العربات المكشوفة على جانبي طريق واسع ممهد؛ وقد حوت مختلف السلع والأمتعة. بينما تمَّ نصب طاولات خشبية قرب بعضٍ من المنازل البسيطة لعرض ما يقوم أصحابها بصناعتها يدوياً.
كانت منطقة خاصة بالفقراء، وكل ما حوته من جماد وانسان يعكس طبيعة هذه الطبقة المنبوذة. وبدا وجود شخصٍ ك"رونان" -ينتمي للطبقات ذات المال- شاذاً. وكان لا بد من جذب الأنظار إليه، مع إبداء الإهتمام به، وترغيبه بتلك البضائع.
أكَّدت "سكارليت" بشيءٍ من الحرج:
- بالطبع لستَ مضطراً لمسايرتهم.
نظر إليها على يساره دون أن تتوقف خطواته فوضَّحت ببساطة:
- هي ليست مميزةً بالنسبة لك على كل حال.
لم يعلق واضطرت لتحويل انتباهها عنه نحو ذلك الصوت الذي ارتفع هاتفاً بإسمها، فلوَّحت بكفِّها نحو سيدةٍ تقف خلف طاولةٍ متواضعةٍ أمام منزلٍ أكثر تواضعاً؛ بدا وكأنَّه لا يحوي سوى حجرتين.
بينما انشغل "رونان" بمراقبة فتى صغيرٍ أخذ يساعد والده في نصب أعمدة خشبية حول طاولتهم ليتم توفير غطاء مناسب يقيهم قطرات المطر في حال فاجأهم الطقس.
لم يكن صعباً عليه فهم المقصد من حديث "سكارليت"؛ فمثل هذه الأسواق تقوم بنسبةٍ كبيرةٍ على ما يتبرع به الأغنياء -على هؤلاء المعوزين- من متاعٍ بعد إنتهائهم من استعمالها. وقد كان الكثيرُ منهم يضطرُ لبيعِ معونات الشتاء لتوفير احتياجاتٍ أخرى أكثر اهمية؛ كلٌ حسب أولوياته ومعيشته.
لم تكن مثل تلك السلع ما تنوي "سكارليت" إضاعة وقت "رونان" في تفقدها، فسحبت ذراعه لتلفت إنتباهه وهي تعرض عليه بحماس الإتجاه نحو تلك السيدة على الطرف الآخر.
أسرعت تبعد كفَّها عنه وهي تعتذر بارتباكٍ، ثم سيطرت على إحراجها وهي تتقدمه موضِّحةً:
- يجب أن تتذوق حلوى السيدة "بريستون".
ما إن اقتربت "سكارليت" من الطاولة المكتظة بالعلب المعدنية والكرتونية حتى رحبت تلك السيدة الشقراء بها وب"رونان"؛ الذي بادلها ابتسامتها الواسعة وهو يرد على ترحيبها الحفي.
قدمت البائعة ل"رونان" طبقاً احتوى على أصنافٍ متعددةٍ من الكعك الذي تشتهر بصنعه. و وضَّحت "سكارليت" و هي تشجعه على تذوقه:
- عليك تجربة جميع النكهات، ولن تندم.
كانت الحلوى لذيذةً بالفعل، وأعلن "رونان" عن رغبته في شراء المزيد لأسرته، وأمام إلحاح السيدة لمنحه إياها بالمجان وصل لاتفاق دفع نصف المبلغ.
أكمل تجواله بين البضائع التي تنصحه "سكارليت" بتفقدها. وقد حظي بوقتٍ ممتعٍ فاق توقعه. وكان لرفقة "سكارليت" الأثر الأكبر في تلك المتعة التي توجت نزهته، فقد أطلع على جوانب من شخصية ممرضته لم يكن ليعرفها، وعايش مرحها وانطلاقها على نحوٍ لم تكن لتظهره أثناء عملها، أو رفقتها الخاصة معه.
![](https://img.wattpad.com/cover/266240790-288-k106990.jpg)
أنت تقرأ
جلوسترشير.. مكتملة
Romanceدعوة لزيارة أحد أرياف انجلترا الخلابة.. حيث يحتضن السحر كل بقعة يحتويها، ويتجلى الجمال الذي يثير حواسك أينما توجهت. هناك ستلتقون بشخصيات نسجتها من خيالي المحب لتلك الحقبة الفيكتورية المتميزة. أشخاص عاشوا حياة طبيعية يتخللها المرح والترح.. الحب والكر...