جلوسترشير.. مكتملة

الفصل الثاني والعشرون

شارك "جاري" أسرته طعام الغداء، وكانت السعادة تظلِّل وجوه الجميع وهم يتابعون أخبار "رونان" الذي قال بارتياحٍ عظيمٍ وبهجةٍ غامرةٍ:

- كم يسعدني حقاً عودتي إلى "جلوسترشير".. الآن فقط أستطيع الشعور بأنني فردٌ منها؛ إذ كان عملي يبقيني في "لندن" أكثر من بقائي هنا.

أكَّدت "اليزابيث" بابتسامةٍ جميلةٍ:

- لن أقلق بشأنك بعد الآن.. بعد إنهاء التزاماتك نحو العيادة واستقرار عملك بها، سأبدأ بتدبير أمر زواجك.

ضحك "توماس" و هو يضع سكينه على طرفِ الطبق أمامه، ثم قال وهو يرى تلك الابتسامة التي أضاءت ملامح ابنه الأصغر:

- احذر، فهي تعني ما تقول.

اعترضت "إليزابيث" دون أن تزول الابتسامة عن شفتيها:

- لمَ الحذر.. "رونان" سيرضخ لرغبتي وسيكون أفضل من شقيقه الذي يرفض إرضائي.

اكتفى "جاري" برسم ابتسامةٍ هادئةٍ بينما كان يستمر في تناول طعامه دون تعليق. فلو فتح مجالاً لوالدته في البث في هذا الأمر, فلن يغلق حتى آخر اليوم.

مسح "توماس" طرف شفتيه بمنديل الطاولة القطني قبل أن يوجِّه حديثه إلى "رونان":

- كم سيستغرق تمهيد الطريق إلى الهضبة..

أكمل "رونان" تقطيع شريحة اللحم داخل طبقه وهو يوضِّح ببساطة:

- لن أحتاج لذلك؛ فتلك الأرض مباعة، ولم أتمكن من شرائها.

رفع "جاري" عينيه إلى "رونان" باهتمام. على حين أردف هذا الأخير:

- حاولتُ التحدث إلى المالك الجديد، لكنَّه رفض التواصل معي وعلمت أنه لا ينوي بيعها؛ خاصة أنَّه اشتراها قبل عرضي بأيامٍ فقط.

اعترضت "اليزابيث" باستياء:

- ألم تقل أنها الخيار الأفضل، وأنَّك لا تتخيل موقعاً آخر للعيادة.

منحها "رونان" نظرةً مستسلمةً دون تعقيب.. على حين أكَّد "جاري":

- ربما أن هذا لصالحه، لأنَّها لم تكن الأفضل بالفعل.

******************

حرَّرت "ميليسا" شرائط قبعتها البيضاء الكبيرة لتخلعها قبل أن تستند على جذعِ شجرةٍ ضخمة، بظلالٍ وافرةٍ.. لجأت إليها تفادياً لتحرش تلك الرياح القوية التي عبثت بثوبها بعنف.

مررت كفها اليسرى على جانبي رأسها للتأكد من تنظيم خصلاتها المشدودة للخلف قبل أن تنسدل خلف ظهرها. تشاغلت بتأمُّلِ السحبِ الكثيفة وهي تحدِّث نفسها باطمئنانٍ أنَّها لا تنذر بنهارٍ ماطرٍ.

ولم يمضِ وقتٌ قبل أن يظهرَ خيلٌ يعدو بسرعة متجهاً نحوها. خفق قلبها بحبٍ لرؤية فارسه؛ الذي لم يرتدي القبعة حتى لا يخفي جمال خصلاته المتموجة، المتناغمة مع سالفيه الجذابين.