جلوسترشير.. مكتملة

الرابع والستون

بددت أولى خيوط الفجر ظلمة الليل الموحش، واخترق صوت الطيور المبكرة الصمت المطبق على الأرجاء. وعادت الحياة لتدب من جديد في زوايا الريف الذي رأفت به السماء ليقضى ليلة هادئة يلفها السكينة والاطمئنان.

عرجت "دورندا" على "مسالا" في المطبخ قبل أن تلجأ إلى أريكتها المفضلة في حجرة المعيشة لتنزوي في طرفها برفقة ديوانٍ للشعر.

لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى انضمت إليها "آن ماري" وقد ارتدت ثوباً بسيطاً من الكتان المخلوط، نُثِرت على سطحه الأبيض زهورٌ صغيرةٌ بألوانٍ زاهيةٍ. وفضَّلت إبقاء شعرها منسدلاً إلى ما تحت كتفيها بقليلٍ، مع جمع خصلاته الأمامية بالكامل إلى الخلف.

- ماذا؟!! ألم تتمكني أنتِ أيضاً من النوم؟!!

ألقت "دورندا" سؤالها المتعجب على "آن ماري" التي لم تجب وهي تحتلُّ الأريكة القريبة من المدفأة.

راقبت "دورندا" للحظاتٍ ملامح شقيقتها التي لم يغادرها الخمول بعد، ثم أغلقت كتابها لتقول بابتسامةٍ مضيئةٍ:

- أعتقد أنَّ بحوزتكِ الكثير لتحدثينني عنه.

منحتها "آن ماري" نظرةً هادئةً يظلِّلها التعجب وهي ترفع ساقيها إلى داخل الأريكة لتماثل جلسة شقيقتها؛ مسندة جسدها باسترخاء على طرفها. على حين أكَّدت "دورندا" بنبرةٍ عابثةٍ:

- أراهن أنَّ حفل الأمس كان مميزاً للغاية.

- لي أم لكِ؟!!

- بالطبع لكِ. غبتِ طوال الربع الأخير من الحفل برفقة "استيفن ميكايلز"، وشاركته اثنتين من الرقصات الجماعية.

لم يبدُ على ملامح "آن ماري" الباردة أي تجاوبٍ مع حماس شقيقتها الكبرى التي أردفت بينما نظراتها تزداد مكراً:

- أين كنتِ، وكيف قضيتِ وقتكِ بصحبته؟

- أنا أيضاً بحاجةٍ إلى استجوابك. فعندما عدت من رقصتي الأولى برفقة "استيفن" كنتِ قد اختفيتِ فجأةً. وغبتِ لفترةٍ ليست قصيرة.

اعتدلت "دورندا" في جلستها لتنزل قدميها إلى أرض الحجرة متسائلةً بحماسٍ لم يخلُ من التوتر:

- لا تحاولي التهرب من أسئلتي.

- حسناً، لن أخبرك إن لم تخبرينني أنتِ أولاً.

تضاءلت الابتسامة على شفتي "دورندا" وهي تعي جدية شقيقتها الصغرى، فحاولت الحفاظ على مرحها وهي تنظر إلى تعابير "آن ماري" الخالية من العبث.

- خرجتُ برفقة "باتريشيا لاسيليز" إلى الحديقة.

وتعمدت ألا تطيل الحديث عن غيابها مردفة:

- أذكر أنَّ "استيفن" نال إعجابك من قبل، فهل من الممكن أن...

- لا تذهبي بعيداً بأفكارك وطموحاتك. الأمر ليس كما ترغبين.