تمدد "هوارد" على العشبِ الأخضرِ واضعاً رأسه في حجر "ميليسا" التي كانت تسند ظهرها على جذع شجرةٍ ضخمةٍ نشرت أغصانها الفارعة في الهواء لتنعم على ضيفيها بظلِّها الدافئ.
مرَّرت أطراف أناملها باستحياءٍ بين تلك الخصلات البنية المتموجة فوق رأس "هوارد" المستكين بهدوء.
استغلت إغماضه لعينيه لتغرق في تأمل ملامحه الساكنة بحبٍ كبيرٍ بينما الابتسامةٌ الراضيةٌ تملأ وجهها المبتهج.
بقي هو يستمع إلى صوت الرياح الخفيفة العابرة بين الأغصان فوقهما مصدرةً حفيفاً يبعث على الراحة. أوقفت أناملها عن حفر تلك الخطوط العميقة في شعره الكثيف، وأنهت تأملَّاتها المحصورة في حدود وجهه لترفع عينيها إلى الطبيعة أمامها.
فتح "هوارد" عينيه الزرقاوين -دون أن ينهض عن حجر "ميليسا"- لتواجهه الأغصان المتعانقة في الأعلى تداعبها نسمات الخريف الباردة.
- كم أفتقد هذه السكينة وهذا الهدوء الساحر. في المدينة لا يمكنك الحصول على مثل هذه اللحظات أبداً.
أزاح بنظره عن الأغصان فوقهما ليستقر على وجه "ميليسا" الذي يعلوه. بادلته النظر والوله يعبث بخفقاتها، وبدت حواسها متحفزةً لاحتواء كل ما يصدر من عينيه وشفتيه:
- والأهم من كل ذلك.. أنَّه لا يوجد في لندن وجهٌ ساحرٌ يفتنني كهذا الوجه الذي يطل عليَّ الآن.
غاص قلبها بين ضلوعها واضطربت نظراتها السعيدة وحمرة الخجل تزين قسماتها.
ارتسمت ابتسامةٌ محبةٌ على شفتيه وهو يستمتع بمراقبة تأثير اعترافه عليها. وعندما أشاحت بعينيها عن وجهه اعتدل جالساً ليواجهها. أصدر قلبها خفقةً قويةً وهي تنظر إلى وجهه بينما رعشةٌ خفيفةٌ تجتاح أطرافها.
تعلَّقت عيناها بعينيه الجرئتين، وقد ألجم قربه لسانها.
- حتى وإن كنتُ بعيداً عنكِ فلتثقي أنك برفقتي دائماً. وجهك لا يفارق مخيلتي. أراكِ في وجوه جميع النساء، وأسمع صوتك في أصواتهن.
عكست نظراتها مفاجئتها المغلَّفة بالغبطة العظيمة والرضا العميق. شعرت وكأن قلبها على وشك الخروج من صدرها من قوة ضرباته. وعندما بقي صامتاً تساءلت بخفوت دون أن تفارق عيناها عينيه:
- ألهذا لا تبحث عني عند عودتك؟!
واجه ذلك العتاب في نظراتها بتساؤلٍ فأردفت وهي تحافظ على خفوت نبرتها:
- شعرتُ مؤخراً أنك لم تعد تكترث بلقائي. تتجول هنا دون أن تكتفي.. بينما لا تهتم برؤيتي، ولا يزعجك غيابي وإن طا...
أسكتتها سبابته الضاغطة على شفتيها بخفةٍ لتحبس الكلمات في حلقها. تسلل وخزٌ لذيذٌ إلى قلبها بينما كان يؤكد بخفوتٍ:
- أنتِ لستِ كأي شيءٍ آخرٍ.
ثم أبعد سبابته دون أن يبعد عينيه مستمراً في حديثه المربك:
أنت تقرأ
جلوسترشير.. مكتملة
Romanceدعوة لزيارة أحد أرياف انجلترا الخلابة.. حيث يحتضن السحر كل بقعة يحتويها، ويتجلى الجمال الذي يثير حواسك أينما توجهت. هناك ستلتقون بشخصيات نسجتها من خيالي المحب لتلك الحقبة الفيكتورية المتميزة. أشخاص عاشوا حياة طبيعية يتخللها المرح والترح.. الحب والكر...