الفصل الخمسون

1.7K 225 271
                                    

استمر فصل الربيع يجود على طقسِ "جلوسترشير" بنسماته العليلة، ودفئه المعتدل. ولم تخلُ مروجه من الناس والدواب.. تداعبهم الأزهار المنتشرة في كل مكان، وتراقصهم الطيور الغنَّاء؛ المحلقة فرحاً بالربيع، دون كللٍ أو ملل.

ما إن غادر "جايسون" إلى "لندن" بعد عودة "ساشا" من الكنيسة برفقة زوجها، لم يعد إلا بعد خمسة أيام، لكنه لم يطل البقاء في "جلوسترشير" ليرحل من جديد بعد ثلاثة أيام بمفرده؛ بسبب توليه شؤون أملاك العائلة في "لندن".

نظام حياته الجديدة أتى مناسباً تماماً لبقاء "ساشا" في قصره، مما ساعدها على استيعاب حياتها هي، والتأقلم مع فكرة بقائها قريبة منه دون أحلام ولا عودة إلى الوراء.. بات لكلٍ منهما حياة تشغله عن الآخر، ترغمهما على قبول قدرهما المحتوم، والتكيف معه.

بقاؤها هنا في "جلوسترشير"، وعدم انتقالها إإلى "لندن" هو بالفعل الأفضل لها ولزوجها، فلم يكن ليجدا هذه الحياة المستقرة، المرفهة في مدينة لا تعرفهما ولا يعرفانها، لذا لا بأس أن يتعذب قلبها قليلاً حتى يجد السلام على يد الرجل الذي منحته حياتها الجديدة.

كانت مدركة تماماً أن قلبها سيعاني كثيراً بينما هي لا تزال عالقة في حياة مالكه.. لذا، لم تعد توبِّخه عندما يطرق بعنفٍ ما إن يصل اسم "جايسون" إلى سمعها، من بين شفتي الليدي أو أحد الخدم.. فقد كانت واعية أنها لا تملك سلطةٌ كافية على مشاعرها؛ والتي ستحتاج لوقت حتى تبرأ منها تماماً؛ فحصرت مقاومتها على تصرفاتها، ومنح زوجها الفرصة ليساعدها على التخلص من هذا العشق وآثاره..

وقد ساعدها "جايسون" كثيراً ليسهِّل عليها ممارسة هذه المقاومة؛ إذ كان يتجنبها بكلِ الطرق الممكنة. لا يسمح لالتقائهما في مكانٍ واحدٍ؛ إن أمكن.. فكأسه يصل إلى الطاولة قرب فراشه بينما هو خارج الحجرة. المرة الوحيدة التي كان بداخل حجرته، بقي واقفاً أمام النافذة الأقرب للفراش دون أن يلتفت إليها مطلقاً.

حتى مرسمه.. كان يطالب بتنظيفه قبل أن يصعد إليه بوقتٍ طويلٍ؛ حتى يضمن عدم مصادفتها.

مضى على غيابه الثاني –عن "جلوسترشير"- أربعة أيام، ومن المتوقع عودته هذا المساء.. وها هو قلبها المتمرد منذ أن سمع بخبر عودته من "جوزيت" وهو يخفق بجنونٍ لا حيلة لها عليه، لكنها تتفهمه، وستروضه في النهاية.

دخلت "جين" إلى المطبخِ لتحتل مقعداً بجوارِ "ساشا"، والكلمات الهامسة بسخطٍ تنهمر من بين شفتيها.

نظرت إليها "ساشا" للحظاتٍ قبل أن تعيد اهتمامها إلى طبق الإفطار أمامها قائلةً بكل هدوءٍ:

- لا بد أنَّك آتيةٌ من حمام لليدي " بياتريس" بما أنَّك تشتمين كثيراً.

همست "جين" وهي تميل على صديقتها:

- أقسم أنَّ هذه المرأة مجنونةٌ. لا أعتقد أنَّ هناك أحدٌ يستعمل غاز الأمونيا بهذا الجنون الذي تستعمله. - تملك شعراً كثيفاً، وليست بحاجة إليه.

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن