الثالث والخمسون

1.6K 235 262
                                    

بزغ فجرٌ جديدٌ، وقد تهادت أشعته الخجولة تتوالى فوق سماء "جلوسترشير" بخفَّة لتشقَّ طريقها بنعومةٍ نحو الطبيعة النائمة, أخذت تداعب الأشجار وتدغدغ الحيوانات الناعسة في جحورها وفوق أغصانها، توقظها من سباتها لتودِّع ربيعها الذي يوشك أن ينقضي.

أنهت "ساشا" تدليك ساقي الليدي "جيسيكا" -الممددة داخل فراشها العالي- مع ارتفاع طرقاتٍ هادئة على باب الحجرة، فأسرعت بإسدال ثوب الليدي بحرصٍ، ثم انشغلت بتغطية سيدتها جيداً.

أصدر قلب "ساشا" الخفقة التي لا تطرق بتلك القوة المثيرة إلا لشخصٍ واحدٍ فقط.. لكنها أبقت عينيها على وجه سيدتها الليدي بينما كانت هذه الأخيرة ترحِّب بحفيدها بنبرةٍ مبتهجةٍ؛ خاصة به وحده:

- مرحباً بعودة حفيدي الغالي.

فردت "جيسيكا" ذراعيها بشوقٍ واضحٍ وهي لا تزيح نظراتها عن وجه "جايسون" الباسم..على حين اعتدلت "ساشا" واقفةً لتتراجع خطوة بسيطة عن الفراش.

التقت عيناها بعيني "جايسون" الذي منحها نظرةً مباشرةً وهو يقف على الطرف المواجه لها من الفراش قبل أن ينحني لعناق جدته التي أغدقته بكلمات الترحيب والسعادة بعودته من "لندن".

بقيت "ساشا" في مكانها بينما حدقتاها تأبيان مفارقة سيدها الذي غاب طويلاً هذه المرة، ليعود بهيئةٍ مختلفةٍ، وقد طالت خصلات شعره الأمامية قليلاً لتدعم جاذبية تلك اللحية الخفيفة التي ترك شعيراتها القصيرة تزيِّن فكه الحاد.

اعتدل في وقفته بينما نظراته تستهدف ملمحاً خاصاً في وجه "ساشا"، فتنبَّهت هذه الأخيرة لنظرة الاستغراب المنزعج في عينيه مما دفعها للانتباه لتحديقها فيه فأسرعت بخفض وجهها بارتباكٍ؛ وقد تذكرت الإصابة على شفتها السفلى.

قبضت "جيسيكا" على كفِّ حفيدها متسائلةً:

- لماذا لم تعد برفقة "بياتريس" منذ يومين؟

اضطر لإبعاد عينيه عن رأس "ساشا" المطرق ليوجهِّ انتباهه لجدَّته موضِّحاً:

- طرأ أمرٌ جادٌ قبل دقائقٍ من انطلاقنا، ولم أشأ أن أرغم "بياتريس" على البقاء برفقتي، إذ كانت متشوِّقةً للعودة إلى هنا.

- لا تقل أنَّك ستعود إلى "لندن" بعد أيام.

- لا، سأبقى في "جلوسترشير".. لا تقلقي.

- نعم حبيبي، فقد اشتقت لوجودك بيننا.

أعاد "جايسون" نظراته إلى "ساشا" وكذلك فعلت "جيسيكا" آمرةً إيَّاها بالانصراف، فأسرعت تغادر.. وما إن ابتعدت من أمامه حتى ركَّز اهتمامه نحو جدته ليعترض بشدة:

- ما هذا الجو الكئيب المحيط بالحجرة؟!! لماذا تبقين الستائر منسدلةً؟

راقبت "جيسيكا" ابتعاده نحو النافذة القريبة من الفراش بينما كانت تعترض موضِّحةً:

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن