توقفت عربة السيد "جريف بارينغ" وسطَ سهلٍ فسيحٍ، كسى أديمه الأخضر الأزهار البرية العطرة؛ التي تراقصت بفعل الرياح الخفيفة وكأنها تلقي بتحية خاصة على زوارها.
غمر وهجُ الشمسِ الذهبي "مونيكا" التي تركت العربة أولاً، يتبعها كلبها الضخم. أسرعت ترفع كفها إلى قبعتها الصفراء الكبيرة فوق رأسها لتحميها من تلك الرياح التي عادت لتجول في المكان، ناشرة عبق الأزهار في الأرجاء.
أخذت نفساً عميقاً ثم زفرته ببطء شديد وهي تغمض عينيها لتستمتع بتغريد العصافير المحلقة قريباً منها.
غرقت نفسها البائسة في ذلك الملكوت الساحر للحظات لم تَطُل؛ إذ أرغمها نداء والدها للحاق به نحو إحدى الأشجار الضخمة وقد بدت بقعة مثالية للجلوس تحتها بأغصانها الكثيفة وظلها الوارف.
كان مرأى تلك السهول الخضراء التي لا تنتهي، والفراشات المحلقة في المكان يثير بهجة تشرح الصدر وتسكن النفس، وتبهر العقل.. إلا أن "مونيكا" بدت منشغلة عن الاستمتاع بالطبيعة الخلابة من حولها، وعن الاستماع إلى والدها الذي استمر في حديثه المندفع:
- سيكون جدولك حافلاً بالنزهات والأنشطة. سأصحبك إلى المسرح، وسنحضر الحفلات الموسيقية.
عكست ملامح "مونيكا" المتحفظة لا مبالاةً غريبةً دفعت "جريف" للتوقف عن ثرثرته ليبقي عينيه المتسائلتين على وجهها الهادئ.
تنبهت لصمته فأوقفت عبثها بشرائط قبعتها الباقية في حجرها. وعندما نظرت إليه صرَّح بتعجب:
- اعتقدت أنك ستجوبين هذه التلال فرحاً بهذه العطلة التي قررت قضائها برفقتك في "لندن".
- حسناً، لكن لن أستطيع البقاء هناك لأكثر من خمسة أيام.
- لماذا؟!!
- الحفلة الراقصة بعد أسبوع.
لاح الاستنكار على ملامح "جريف" وأكَّدت عيناه اعتراضه قائلاً:
- منذ متى تهتمين بهذا الحفل إلى الحدِ الذي تفضلينه على البقاء برفقتي؟!!
تسلَّل الارتباكُ إلى نظراتها وهي لا تجد ما تبرر به اهتمامها؛ فهي بالفعل لم تعتد الاهتمام بأي مناسبةٍ مهما كانت.
- "مونيكا"!!
رفعت عينيها الخضراوين إلى وجهه صامتةً فتساءل بهدوء:
- هل لديك رفيق؟
- نعم.
- من؟!
- اللورد "جايسون لاسيليز".
لاح الرضا على ملامحِ "جريف" ولم يستطع سوى إعلان استحسانه، لكن الأمر لم ينتهي بذلك فقد أعاد عينيه الجادتين إلى ملامحها العذبة ليقول بلهجةٍ اعتادتها "مونيكا".
- تعلمين يا صغيرتي تحفظاتي بشأن علاقاتك، ونحو من ترافقين. فلا يكفي أن يكون رفيقك شاباً مناسباً لتخطي أي حدودٍ أنت تعرفينها جيداً.
![](https://img.wattpad.com/cover/266240790-288-k106990.jpg)
أنت تقرأ
جلوسترشير.. مكتملة
Romanceدعوة لزيارة أحد أرياف انجلترا الخلابة.. حيث يحتضن السحر كل بقعة يحتويها، ويتجلى الجمال الذي يثير حواسك أينما توجهت. هناك ستلتقون بشخصيات نسجتها من خيالي المحب لتلك الحقبة الفيكتورية المتميزة. أشخاص عاشوا حياة طبيعية يتخللها المرح والترح.. الحب والكر...