الفصل الواحد والخمسون

1.7K 242 304
                                    

بدأت ظلمة الليل تتراجع في إذعان أمام أشعة الشمس؛ التي بدأت تنبثق في ولادةٍ جديدةٍ داخل رحم السماء الرحبة. خاضعةً لهيمنة سنن الطبيعة التي تفرض عليها الرحيل معلنةً انتهاء سلطتها . لتستقبل فجرٍ جديدٍ احتضن ضوؤه الهادئ تلك العربة التي اهتزت عجلاتها المتسارعة فوق طرقات "جلوسترشير" مخترقة طبيعتها الساحرة، و قد رافقها وقع حوافر خيلها الذي استمر في عدوه و كأنه اشتاق للتجول وسط هذه الطبيعة التي لا تُمل.

فاجأ "هوارد" أسرته بزيارته المبكرة، حتى أنَّه وصل إلى المنزل قبل استيقاظ شقيقتيه. ولم تلتقياه سوى على طاولة الإفطار لتطبع كل منهما قبلةً صغيرةً على وجنته قبل أن تحتلا مقعديهما على جانبيه.

كان يبدو سعيداً راضياً بسير عمله في "لندن"، وحدثهما عن الكثير من تفاصيل يومه، ثم تطرق إلى "سامانثا" ليؤكِّد أنَّها لا تزال تلمح له برغبتها في زيارة الريف قبل انقضاء الربيع.

بقيت "دورندا" صامتةً تراقب شقيقها بنظراتٍ قلقةٍ حذرةٍ وهي لا تزال تفكِّر في كيفية إعلان الخبر الذي يقبض على حنجرتها ما إن احتلَّت مقعدها.

- سأخرج بعد الافطار إلى الحقول لرؤية "جاري"، لكنني سأعود لقضاء وقت الظهيرة وما بعدها برفقتكما، أم أنَّ لديكما أي التزامات؟

أجابت "آن ماري" بالنفي وهي تمنحه ابتسامة مشرقةً. وعندما نظر إلى "دورندا" منحته نظرةً لطيفةً قبل أن تحاول صبغ لهجتها بالهدوء بينما كانت تعيد نظراتها إلى طبقها:

- من الأفضل أن تعرج على منزل السيد "باركر" فمن المرجح أن يكون "جاري" قد قضى ليلته هناك.

وتغلَّبت على ترددها بسرعةٍ لتستطرد:

- فقد كان برفقة أسرته في سهرةٍ خاصةٍ لدى آل "بلير".

رفعت شوكتها إلى فمها لتتشاغل بتناول إفطارها، فوصلتها النبرة التي توقعت سماعها من بين شفتي "هوارد" عندما تساءل:

- ماذا تعنين بسهرةٍ خاصةٍ؟!!

ألقت عليه نظرةً خاطفةً وهي تعيد شوكتها إلى الطبق.

- لقد تقدَّم "رونان" لخطبة "ميليسا". وبما تقتضيه التقاليد دعت السيدة "بلير" أسرته على العشاء في لقاء عائلي...

لم يسمح لها "هوارد" بسرد تفاصيل لا تهمه وهو يتساءل بلهجةٍ حادةٍ:

- هل أنتِ واثقةٌ ممَّا تتفوهين به؟!!

منحته نظرةً أكيدةً وهي تبرِّر باستنكارٍ:

- بالطبع، "ميليسا" من أخبرني.

رأت تلك العضلة المنقبضة بشدةٍ أعلى فكِّه بينما كانت قبضته فوق الطاولة تشتدُّ بقوةٍ؛ مزجت حمرة دمائه المعقودة ببياض بشرته.

لم تتفوه أي من الفتاتين بكلمةٍ عندما نهض بانفعالٍ مخيفٍ عن الطاولة ليغادر الحجرة.

نظرت "آن ماري" إلى "دورندا" بتوبيخٍ وهي تهمس:

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن