الخامس والثمانون

1.9K 217 437
                                    

كان خبرُ موتِ "مونيكا" أعظم من أن يتحمله قلب والدها الذي وصل إلى "جلوسترشير" مع بزوغ الفجر. هدَّته الفاجعة و ألزمته الفراش ما إن وطأت قدماه منزله الخالي من ابنته الوحيدة.

تحدَّث "رونان" باستياءٍ شديدٍ وهو يرافق "مارك" نحو الحديقة الأمامية:

- وضعه حرجٌ للغاية. من الواضح أنَّه يعاني أزمةً شديدةً، والإحتمال الأكبر أنَّه سيتعرض لمضاعفاتٍ قد تودي بحياته.

- إذاً، من الأفضل إعادته إلى "لندن" في أسرع وقتٍ ممكن.

- أخشى أن الأمر لن يكون بهذه السهولة، ففتح الطرقات مقتصرٌ على السماح لدخول "جلوسترشير"، لكن الخروج منها يخضع للكثير من التعقيدات.

- لن أسمح لهم بمنعي، فحالته حرجةٌ، وهو لا يشكو ممَّا يخشونه.

مطَّ "رونان" شفتيه وهو يفكِّر للحظاتٍ قبل أن يزفر بعمقٍ ثم واجه عيني "مارك" –الغارقة في الدموع- مؤكِّداً:

- حسناً، لكن إن نجحت في إخراجه فعلى الأرجح أنَّه سيحتاج لإجراء عملية، وهذا صعبٌ للغاية.

أطبق "مارك" على شفتيه المرتعشتين وضغط بأنامل كفِّه اليمنى على عينيه محاولاً السيطرة على غصَّته الباكية... احتاج للحظاتٍ ليعيد السيطرة على دموعه وصوته متمتماً بإختناقٍ موجعٍ:

- يا إلهي. ما هذه اللعنة التي حلت على هذا المنزل.

ثم أطلق تنهيدةً حارةً و هو يشيح بنظراته المتعبة قبل أن يعيدها إلى صديقه معلناً.

- سأرسل رسالةً إلى شقيقه، و سأخبره أنني سأنقله إلى المشفى.

لم يبدُ "رونان" متفائلاً كثيراً، لكنَّه قال ناصحاً:

- إذاً فليتم نقله في الحال، فربما أنَّه لن يستطيع الصمود حتى تصل به إلى هناك.

********

حظيت "جلوسترشير" بصباحٍ رمادي يهدد بعاصفةٍ في أيِّ لحظةٍ. واكتسحت البرودة الأرجاء الساكنة دون أن يكون لشمس الشتاء حيلةٌ في فرض سيطرتها على تلك السحب التي قررت افتراش سماء الريف منذ بداية يومٍ جديدٍ.

أنهى "هوارد" هبوط درجات المنزل الداخلية لتلتقيه "مسالا"؛ مانحةً إياه رسالةً وصلته للتو.

أصدر قلبه خفقةً بسيطةً وهو يدرك أنَّها من "ميليسا"، فغيَّر وجهته من حجرة الطعام إلى الأريكة الموضوعة في الممر المقابل لحجرة المكتب.

لم تكن الرسالة تستدعي لجوءه إلى تلك الأريكة إذ لم تحوي سوى سطراً واحداً، أعلن عن رفضِ "ميليسا" مقابلته في أرضهما؛ التي اشتراها من أجلها، ووعدها أن تكون هدية زواجهما.

جثم التجهم على ملامحه الوسيمة وقد كان رفضها لهذا اللقاء يعني رفضها لشخصه هو. إلا أنَّه أطلق تنهيدةً قصيرةً وهو يطوي الورقة ليدسَّها داخل جيب بنطاله. لقد هيأ قلبه تماماً لهذا الرفض. وتأكَّد أنَّ مهمة استرجاع فاتنته لن يكون سهلاً.

جلوسترشير..   مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن