جلوسترشير.. مكتملة

الرابع والخمسون

فاجأ "مارك" السيد "بارينغ" وابنته بزيارة صباحية غير متوقعة. وعندما احتل "مارك" مقعده في الحديقة بجوار السيد "جريف" مال هذا الأخير عليه قليلاً ليقول بلهجة ذات مغزى:

- لا أعتقد أنك تنتظر مني رداً بهذه السرعة.

نظر "مارك" إلى وجه "جريف" الذي استطرد ببساطة بينما الاعتراض الهادئ يغلف ملامحه:

- الليلة الماضية خلدتُ للنوم، ولم أبدأ التفكير بعد.

انضمام "مونيكا" إليهما منع "مارك" عن التعليق، فاكتفى بتوجيه اهتمامه الكامل لحبيبته التي رحَّبت بقدومه قبل أن تتساءل عن "ميليسا" ووالديه.

- الجميع يسأل عنكِ دائماً ويرسلون تحياتهم، ويخططون للقيام بزيارةٍ قريبةٍ .

قال "مارك" جملته الأخيرة وهو يمنح "جريف" نظرةً خاصةً .

بعد تبادل الأحاديث المعتادة عن الطقس وآخر الأخبار المتداولة قال "جريف" بهدوء:

- أتساءل لماذا التحقت بالجامعة!!

منحه "مارك" نظرةً متسائلةً فاسترسل "جريف" في حديثه موضِّحاً:

- أعني أنَّكَ الابن الوحيد، ومن الطبيعي أن تتكفل بإدارة أعمال العائلة. خاصة وأن الالتحاق بالجامعات وإكمال الدراسة أنسب لأبناء الطبقات النبيلة والبرجوازية.

ظهر الاستنكار على ملامحِ "مونيكا" العذبة، على حين تحفظ "مارك" عن التعليق، وقد استطاع إخفاء القلق العاصف بمشاعره خلف قناع هدوئه المزيف.

لم تبعد "مونيكا" عينيها المنزعجتين عن والدها الذي تراجع بظهره إلى الخلف لينعم باسترخاء؛ لا يشعر به رفيقيه .

- و لماذا اخترت الطب بالذات؟!

- التحاق "رونان" بكلية الطب خلق الرغبة الشديدة في نفس والدتي، فأحببتُ أن أحققها لها..وقد وجدها والدي فرصةً مناسبةً لي للاختلاط بأبناء الطبقات المخملية.

- من المعروف عن الأطباء أنَّهم غليظي القلب، وحقيقةً لم أتصور أنَّني قد أُزوِّج "مونيكا" من طبيب؟!!

حاول "مارك" مسايرة "جريف"، وتقبُّل أسلوبه الغريب في استجوابه، على نحوٍ لم يعتده منه من قبل.

- هذه النظرة تنحصر على الجرَّاحين فقط..هم من يبدون للبعض كجزَّارين، لا يملكون الرحمة. على الرغم من أنَّهم مضطرون على امتلاك قلوب قاسية من أجل سلامة المرضى وإنقاذهم.

ثم تعمَّد النظر في عيني "جريف" مستطرداً:

- ثق تماماً أنني سأغدق "مونيكا" بالحنان والرعاية.

- أين ستقيم ابنتي؟

- بما أنني أرغب في العمل في مستشفى الجامعة فسنستقر في "لندن".

ألقى "جريف" نظرةً قصيرةً على ابنته قبل أن يقول:

- أعتقد أن أجواء "جلوسترشير" تناسب "مونيكا" أكثر من لندن.