جلوسترشير.. مكتملة

الثالث والسبعون

مال ميزان النهار وانحدرت الشمسُ نحو المغيب صابغةً السماء بألوانِ الدفء المتمائلة للون الأرض المغطاة بأوراقِ الخريفِ الجافة.

كان "جاري" يعلِّق المصباحَ على الطرف الأيمن من باب الكوخ عندما وصل "هوارد" على ظهر خيله.

منحه "جاري" ابتسامةً مرحبةً وهو يقف أعلى السلالم القصيرة فطالبه "هوارد" بالبقاء في الخارج بدلاً من الدخول إلى الكوخ.

جلسا عند أولى تلك الدرجات الخشبية، وأبقى "جاري" نظراته على وجه صديقه منتظراً حديثه باهتمامٍ بينما أبقى "هوارد" عينيه الزرقاوين على الأفق البعيد للحظاتٍ قبل أن يتحدث بهدوءٍ:

- لقد حان الوقت لاتخاذ موقفٍ حازمٍ نحو الانتقال إلى "لندن".

وأسرع يردف بحزم:

- سيضطران "دورندا" و"آن" إلى الرضوخ له
ذا القرار، وستعتادان الحياة هناك في النهاية.

- لماذا قررت فجأةً تنفيذ أمر الانتقال وقد استسلمت لرغبتهما في البقاء من قبل؟!! ما الذي تغير؟!!

- لأن الرحيل إلى "لندن" هو الحل الأفضل للجميع حتى لكَ أنتَ.

- لي أنا؟!!!

- نعم، لستَ مضطراً لتحمُّل مسؤوليتهما الشخصية، بجانب مسؤولياتك الأخرى. يكفي أنَّك تهتم بشؤون الأراضي.

- لم أشتكِ لك.

- لن أنتظر شكواك يا عزيزي.. سيأتي اليوم الذي ستتحمل فيه مسؤولية زوجة وعائلة.

وتعمَّد منح "جاري" نظرة ذات مغزى وهو يقول بانزعاجٍ لم يفلح بالتحكم به:

- كما أن شكوى الآخرين بدأت بتجاوز الحدود. هل تعلم ما بقي السيد "كارل" يثرثر به طوال الوقت قبل إنقاذكَ لي منه؟

لم يتفوه "جاري" بكلمةٍ بينما عيناه تطالبان "هوارد" بالاستمرار:

- بدؤوا ينسجون خيالاتهم نحو علاقتك ب"دورندا".

أصدر قلب "جاري" خفقةً فزعةً وهو يتساءل بتعجب:

- ماذا؟!!

- نعم، وهذه ليست المرة الأولى التي يلمِّح لي فيها عن رفضه لملازمتك الدائمة للفتيات؛ وعلى وجه الخصوص "دورندا".

ثم أمال "هوارد" شفتيه باستهتارٍ مستطرداً:

- بالطبع لأنها الأكبر سناً، وتفكيرهم المريض يصور لهم قصصاً تدعم رفضهم لوجودك في حياتهما.

لاحظ "هوارد" تحفظ "جاري" عن التعليق، والرفض الشديد المغلف لملامحه فقال بعفوية:

- لا عليك. انتقالنا سيوقف ثرثرتهم.

فكر "جاري" بضرورة حسم هذه العلاقة والإفصاح عنها قبل أن يفوتَ الآوان.. لقد حانت اللحظة التي لا مفر منها.