اخدت الفتاة تجري بين الحشد في حرية لم تعهدها من سنين طويلة و جسد مرتعش خوفا من مصيرها اذا ما امسكها كريستوبال حتى تخفت بين ركاب قطار متوجه الى باريس و اخدت لنفسها مقعدا داخله محاولة التظاهر بالهدوء... حتى لاحظت مراقبة شاب لها بٱستمرار فتزايدت نبضات قلبها خوفا من كونه احد رجال كريستوبال التقى بها صدفة و تعرف عليها او اسوء، كونه يعرف بهروبها ، حاولت تصفية عقلها و نظرت اليه غير قادرة على النطق بسبب دمائها المتجمدة من الهلع ، حتى لاحظت شيئا من الخجل يعلو وجه الشاب عند التقاء نظرتيهما فتنفست الصعداء مدركة بأنه لربما ينظر بدافع الفضول فحسب، فعلى عكسه، كل رجال كريستوبال كانو ذوي طباع باردة كالسحالي، لا يهابون حتى الموت كي يخجلوا في مواقف كهذه... راحة بالها لم تدم طويلا، فعند رؤية مراقب التذاكر يمر من جديد بدأ قلبها بالارتعاش خوفا من جديد، لا يوجد كذبة قد تستطيع شرح وجودها على متن القطار رغم عدم امتلاكها لتذكرة ، و الرجل لم يكن يبدو طيبا او متفهما بالتحديد.
بتعبير منزعج و لامسا لحيته الرمادية كل ثانيتين و رامقا الركاب بعينين متعبتين من الحياة ، اقترب المراقب منها و كرر الجملة التي في حياته المهنية لربما قالها لمرات اكثر من شعرات رأسه الشائب:
- آنستي، التذكرة
لم تستطع جينوفيفا النطق بأي حرف حينها ، و قبل ان تبدأ بالكلام بعد صراع طويل داخلها ، وضع الشاب حزمة نقوذ في جيب المراقب ، لم تستطع الفتاة معرفة المبلغ بالضبط لكن لا بد من انه كان كبيرا للغاية ، فبنظرة واحدة من الشاب ، احنى الرجل رأسه و ذهب دون اي اسئلة.
- سامويل آلداي _مد يده للفتاة_
جينوفيفا بقيت صامتة للحظة ، فقط التفكير بأن الفتى لربما كان يستعد لقول هذه الجملة كل هذا الوقت كان كفيلا بجعلها تخرج ضحكة صغيرة، و بالرغم من كونها ممزوجة بدموع و صوت ضعيف بسبب الهلع ، كانت اجمل من ضحكة ملاك.
- جينوفيفا سالميرون
مدت يدها مبتسمة
- شكرا لك على انقاذي
- يسعدني ابتسامك اخيرا، كنت تبدين كعصفور تائه. هل انت بخير؟
- قد اقول انني على افضل حال ، لكن حتى اغبى من في القطار قد يخمن انني على وشك فقدان عقلي ، او ما تبقى منه _ادارت رأسها للاتجاه المعاكس_ لكن لا يمكنني شرح المزيد، آسفة
- عجبا _تنهد مبتسما_ الحياة لا تتوقف عن حذفنا من مكان لآخر ، احيانا الهرب هو الحل الوحيد... انا لا اعرف حتى مالذي اريد فعله في فرنسا لكن انظري اين انا ، قد اقول لك انني اشتهيت الذهاب فجأة لكني في الحقيقة فقط ركبت اول قطار رأيته ببساطة ، و الذي كانت وجهته ابعد
ابتسم من جديد، ابتسامته كانت مغمرة بالحزن لكنها كانت كابتسامة قمر بعيد،و بعده سبب حزنه
- لكن شاهدي ، مازلنا على قيد الحياة ! و هذا مايهم الا تظنين ؟
استدارت جينوفيفا ناحية سامويل ثم نظرت اليه بعينين براقتين و فضوليتين و ابتسمت
- اذن من السهل ايضا تخمين انني هاربة صحيح؟
-رفعت رأسها ناظرة الى اللانهائي
- لا اعرف من ما او من من انت هارب لكن انا اهجر الآن حياة بأكملها، و لم تكن سعيدة بالتحديد ولا مشرفة...
نظرتها اصبحت احزن فأحزن لكن سامويل قاطعها بضحكة لم يستطع حبسها
- آه لو رأيتي حياتي انا ... الفرق الوحيد انني لست اهجرها الآن ، بل تركتها منذ خمس سنوات و ليس الآن خصيصا، و لم تكن مشرفة للحد الذي اردته.
- ولا سعيدة ، هذا ماتشرحه نظرتك
- الألم ألم، لا يهم ان مرت خمس سنوات او مئة ، دائما سيبقى يدميك من الداخل ، يا ليت الندم فقط...
قاطعهته جينوفيفا لتكمل جملته:- يتوقف عن تمزيق قلبنا احياء ... _تنهدت_
- تماما ، و اخبريني ، لماذا قمت به ان كنت تعلمين انه سيؤلم هكذا ؟
لم يكن عليه الشرح اكثر ، فقط بنظراتهما كان يفهمان بعضهما بعض
- لأحمي من احب ، انت؟
- لأعالج ما تبقي من حطام قلبي ، عطش الانتقام يجعلك تشعر بنفسك قويا، قادرا على ايذاء كل من آذوك يوما ، لكن في الواقع... _لمس صدره_ في الواقع هو فقط يلتهمك انت، و يسمم ما تبقى من صفاء روحك ، هذا ان تبقت ...
- انتقام اذن... لا يبدو ان الحياة عاملتك بلطف صراحة_ابتسمت_ و لكن كما قلت قبل قليل، نحن على قيد الحياة! لدينا فرص جديدة "في فرنسا" _ضحكت_ انا سأبحث عن عمل ، هذا اكيد، لكن انت... انت تبدو غنيا اذن لا تحتاج حتى لعمل، ستنجو !
سامويل بدأ بالضحك من نبرتها و للحظة بدا كأن كل حزنه اختفى تماما ليعود من جديد عند نظره للاسفل، الشاب كان وسيما للغاية ، و بسبب ملامحه اللطيفة كانت جينوفيفا عاجزة عن تخمين او تخيل مالذي قد يفعله شاب مثله و يندم عليه لهذه الدرجة...
مرت لحظات من الصمت قبل ان يبدأ سامويل في التحدث من جديد و الآن بنبرة اكثر بهجة:
- الى فرنسا اذن ، لا اتحدث ولا كلمة بالفرنسية لكن سأنجو!
بدأ كلا من سامويل و جينوفيفا بالضحك بقوة و الشاب بقي ينظر اليها شاردا لثواني بنظرة لطيفة زادته صفاءً
- انت فاتنة
ثم ادار وجهه للناحية المعاكسة، كأن ما قاله للتو يخجله بشدة
- لقد تأخرت في قولها اجل ... _ضحكت_ انت ايضا وسيم، كان علي قولها، و لا تحمر خجلا و الا بدأت بالضحك ثانية...
أنت تقرأ
جينوفيفا
Fiction Historiqueكنجمة سقطت في ظلام المحيط فنسيت اصلها... في بعض الأحيان تكون الخيارات المعروضة ضئيلة جدا.. فتعقد الحياة صفقة بعنوان تعاني أو تستفاد من معاناة الغير . و هنا تقرر جميلتنا جينوفيفا برحابة صلب مثخن بالخيانة الخيار الثان.. لتقاتل قبل السقوط و تجشع قبل ا...