استيقظت جينوفيفا بفزع، ذلك الكابوس لم يتوقف عن مطاردتها منذ وقتها... منذ استيقظت قبل خمس سنوات لتجد مسدسا فوق رأسها، لاورا تودعها بابتسامتها الخبيثة ، بكاء مارلين، صوت الأحصنة التي كانت تجر العربة و اخيرا، ملمس يد كريستوبال ، كلها اشياء كانت تحاصرها كلما حاولت اغماض عينيها و النوم بسلام...
لكن حتى هذا الكابوس لم يكن خانقا كالشعور الذي يراودها كلما استيقظت لتجد كريستوبال قربها ، "لما لا اخنقه بوسادة بينما هو نائم و انقذ الجميع؟" هذا اول ما كان يخطر ببالها كلما رأته هناك ...
تنفست بعمق قبل توجيه الكلام له، كانت تكرهه بشدة و حتى صوته كان مقرفا بالنسبة لها ، لكن لا حل لها، انها "فتاة كريستوبال" لطالما كررت لنفسها في اسوء اللحظات "على الاقل انتي محمية تذكري" هذا كان الشيء الوحيد الذي يريحها قليلا فبفضل كونها عشيقة كريستوبال لم يكن عليها "بيع جسدها" كالبقية في ذاك المكان ... تجهزت ثم ايقظته، فهي لا يمكنها مغادرة الغرفة دون اذنه.
- كريستوبال ، هاي كريستوبال...
- ماذا؟ ابتعدي اريد النوم
- اريد الخروج
"كأنني اريد ايقاظك، استيقظ الآن او في الجحيم لا احد مهتم " فكرت
- استطيع النزول الى غرفة مارلين؟
- اذهبيغرفة مارلين لم تكن اقل فخامة من غرفة جينوفيفا ، كلتيهما مثل "سجن انيق" . دخلت الشابة الى الغرفة ثم جلست على سرير مارلين مداعبة شعرها.
- استيقظي _استلقت قربها_ انا مللت .
- جينوفيفا ابتعدي انا متعبة، نصف ساعة ايضافية فقط و انهض ...
- انا و كريستوبال سنسافر من جديد في الغد لذلك اريد قضاء اطول وقت ممكن معك ، استيقظي
داعبت شعرها من جديد
- ارجوك
استدارت مارلين ناحية جينوفيفا ثم نهضت من السرير مندهشة
- مجددا؟!
- نعم...
- الى اين هذه المرة ؟
- و كيف لي ان ادري ، انه فقط يحملني معه كحقيبة ايضافية فحسب الى اين ذهب بالطبع لن يخبرني الى اين نحن ذاهبين
- توقفي عن الشكوى، على الاقل انت "فتاته فقط" "ملكيته الخاصة"
- انا لست ملكية احد
نظرتها اصبحت فارغة من اي شعور بينما تخرج تلك الكلمات ، تجاهلت مارلين كلامها بانية حلمها الخاص
- اشتقت الى اخي _ابتسمت_ احلم احيانا به يأتي الى هنا لأخدي
- الم ترسله لاورا لبيت ذاك الغني آلفريدو؟ لابد انها باعته هو الآخر وقتها...
تجمدت نظرة مارلين فتراجعت جينو عن كلامها
-هاي هاي انا امزح فقط... لا بد انه بخير ، من يعلم ربما هو غني الآن حتى
- ياليتني غنية ، لم يكن حينها سيخيفني كريستوبال او غيره ، كنت سأكون ملكة العالم "دونيا* مارلين"- انا لا اريد الغنى ، فقط اريد حياة عادية ، اريد ان يحبني احد ما، ان اتزوج...
بدأت مارلين بالضحك مقاطعة اياها
- "شخص يحبك" ؟ "تتزوجين" ؟ انت فتاة من فتيات كريستوبال ، لا و المفضلة لديه ، لن يتركك تغرمين بشخص آخر حتى ان كان على جثته، حسنا ، في هذه الحالة ستكون جثتك انت و جثة من تحبينه و ليس جثته هو
- اعرف ذلك جيدا ، لذلك ...
نهضت و نظرت من خلال الباب لتتأكد من ان لا احد يستطيع سماعها لتردف
- قررت الهرب
- مالذي تقولينه بحق السماء ؟! _همست_ ان حاولت الهرب ستموتين قبل الخروج من المدينة ! رجاله في كل مكان !
- اتخدت قراري ، و سأنفده حتى لو كان الثمن الموت... حاولت الانتحار مرتين من قبل فما الفرق الآن ان كانت توجد على الاقل فرصة للنجاة هذه المرة... تعبت من كريستوبال و تعبت من هذا المكان ، تعبت من ان يناديني بمحبوبته ثم يستعملني بعدها كأداة لمصالحه. انا بالفعل دخلت السجن مرتين بسبب سرقة وثائق او اشياء قيمة من اجله ! اغراء و سرقة ، هذا ما خلقت له في نظره ! على كل حال _احنت رأسها_ انا تقنيا اودعك الآن ، نجوت او لا ، لن نرى بعضنا ثانية بعد هذا اليوم، سأهرب غدا في القطار الذي سأركبه مع كريستوبال، عند تشتته سأختبئ بين الحشد و اركب قطارا آخر...
في الليلة التالية...
فخورا كعادته، واقفا بكل شموخ و علو ، واضعا يديه في جيبه بثقة متناهية،استمر كريستوبال بمغازلة المسكينة جينوفيفا التي ضاق بها الامر ذرعا، ابتعدت عنه بحوالي خطوتين،لتستمر في التخطيط بدقة، مر بعض الشباب بجانب الفاتنة جينوفيفا، لم يتسنى لهم الوقت للنطق بكلمة في حق جمالها،انهال عليهم بالضرب المبرح کوحش كاسر ابصر فريسته بعد يوم من الجوع ، ثم زفر مطلقا من عينيه شرارا مخيفا ينم على نية بالقتل و مهددا بنظرته كل من تجرأ على التمعن او مجرد القاء نظرة على فتاته، وصل القطار المقصود اخيرا، دفع کریستوبال جينوفيفا بقسوة داخل المقطورة ملقيا بنظراته هنا وهناك ليتأكد من تواجدها بعيدا عن كل من يقلق راحته و التملق بها،ليس حبا فيها بل مجرد تملك مریض، انقطع حبل افكارها مع صوت ارتطام جسدها الضعيف بحافة الباب، ثم عاد الى شباك التذاكر لينهي آخر الاجراءات قبل انطلاق الرحلة، ما ان عاد الى المقطورة،بادر بالبحث عنها،التف يمينا و شمالا، لكنه و للمفاجأة الصادمة لم يلمح طيف المدعوة عشيقته، لقداختفت كالسراب، كحلم جميل غادره دون ترك اي اثر...دونيا*: تعبير اسباني يعني سيدة، في تلك الحقبة كان يستعمل في اغلب الحالات عند التكلم مع سيدة غنية فحسب، مذكرها "دون" .
أنت تقرأ
جينوفيفا
Historical Fictionكنجمة سقطت في ظلام المحيط فنسيت اصلها... في بعض الأحيان تكون الخيارات المعروضة ضئيلة جدا.. فتعقد الحياة صفقة بعنوان تعاني أو تستفاد من معاناة الغير . و هنا تقرر جميلتنا جينوفيفا برحابة صلب مثخن بالخيانة الخيار الثان.. لتقاتل قبل السقوط و تجشع قبل ا...