الفصل الرابع و الخمسون

27 5 0
                                    

مرت اجازة جينوفيفا القصيرة كالدهور، و ازدادت همومها اكثر فاكثر، وتراكمت فوق بعضها لتشكل جبلا من الضغوطات، و اخيرا عادت لبيتها، فتحته بضعف لتدخل وهي تجر اذيال الخيبة معها، مشاعرها تلخص بكلمة واحدة "اليأس" يئست من الحياة التي ابت اعطاءها السعادة، يئست من ابتعادها عن اغلى ما امتلكت يوما، و يئست من حالها الذي آلت اليه بعد ان ضنت انها اصبحت قوية غير قابلة للكسر، اغلقت الباب ببطء لتسمع صوته بعد ثواني احست انها اعوام، ثم انهارت ارضا مسندة ظهرها المرهق، وتنزل عباراتها الساخنة على وجنتيها، اغلقت عينيها بضعف، ثم اعادت فتحهما بعد ان انهالت عليها ذاكرتها بصور لابنتها، تمنت ان تكون قادرة على لعن المرضعة، لكنها متأكدة انها هي المذنبة الوحيدة، ارادت احضار ابنتها معها لكن في الان ذاته، لن تستطيع وضعها في هذه الحرب المدمية التي وضعت نفسها فيها، تخالطت الافكار داخلها، لتمسك راسها بكلتا يديها وتصرخ بقوة، معلنة بينها و بين نفسها ان الصرح المسمى جينوفيفا لم يعد قائما بل تحول لاطلال متراكمة والهموم...
ندمت على تلك الصرخة في الحال عند سماعها لصوت خطوات شخص ما يقترب من باب الشقة ببطء، تحركت بهدوء ناحية غرفة المعيشة تاركة مفاتيح الباب التي لم تكن استعملتها لإغلاقه بعد فوق اول طاولة لمحت عند دخولها ثم فتحت رباط شعرها و اتكأت على الاريكة مغلقة عيناها.
-ادخلي او ادخل الباب ليس مغلقا بالمفتاح

صرخت اخيرا بعد لحظات من سماعها لصوت الجرس

بعد ثواني كشفت هوية الطارق، كان فيليبي الذي رغم الفضول الذي دفعه للدخول تقدم بهدوء و نوع من لا المبالاة المفتعلين. لم يتكلم بالبداية، بل بقي ينظر لحال جينوفيفا منتظرا من عقله ايجاد تفسير منطقي لما يراه، استمر في صمته و جينوفيفا لم تستغرب فلا طالما كان شخصا يفضل اختيار كلمات متزنة بدل قول ماقد ينطقه القلب الذي في اغلب الحالات تكون اشياءً نندم عليها بعد ثواني من اخراجها، ببساطة بعد استيعاب العقل لسذاجتها.
- مابك؟

قال بينما يجلس في اريكة قربها، لم تجب الفتاة بل استمرت في النظر للسقف مصرة على صمتها، غير آبهة بوجود فيليبي حتى

- كنت سعيدة قبل السفر و تعودين هكذا
- و ان يكن ، هذا ما يحدث لكل شيء افرح له، يختفي قبل ان افتح عيني من جديد
- من مات الآن؟
- شغفي للاستمرار بالعيش

مرت لحظات صمت من جديد..

- في حالتي كان قد مات لمدة سنوات متثالية و عاد من جديد. ان كان بإمكاني اخبارك بشيء بعد تجربتي فسيكون حتما انك تبالغين، انظري حولك، لكل ما تملكين، الا تظنين انه كاف لتبتسمي كل يوم اكثر من الذي سبقه؟

لم تجبه جينوفيفا بل استدارت ناحيته ببطء بإبتسامة فارغة تنذر بإقتراب انهيار ما، لتنفجر بالضحك مغطية وجهها.

- ما اسعدني اذن! و كم انا ناكرة لجمائل هذه الدنيا التي اعطتني كل شيء: وحدة، كره للذات، و اهم شيء: لعنة بؤس منذ الولادة تسحب مني بعنف كلما سبب لي ابتسامة يوما! لا اعرف كيف قضيت الست سنوات تلك لكن اعرف كيف سأقضي انا التالية ان لم اجد سببا للعيش و ترك تمثيلية السيدة المثالية هذه

جينوفيفاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن