الفصل الأول ( يوم مشئوم )

4.4K 149 7
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

" العالم قِدر ضخم يُطهي فيه شيء ضخم ، لكننا لا نعرف ما هو حتى الآن ، فكل ما نفعله، أو نلمسه، أو نُفكر فيه هو أحد مكونات ذاك الخليط "    

لو كان بإستطاعتي التحدث مع هذه الدنيا لما ترددت أبدًا و نهرتها بكل ما يجيش به صدري، فلطالما كانت قاسية علي و لطالما عاملتني كقطة تضرب أبنائها بعد أن يتم بلوغهم، ظللت طوال الوقت أقنع ذاتي أن هذه الحياة تُشبه لوحة مفاتيح البيانو، تحوي المفاتيح البيضاء و السوداء التي تتناغم جميعها لتصنع لحنًا مميزًا يُطرب الآذان، لكن البيانو خاصتي لا يوجد به مفاتيح بيضاء، فقط مفاتيح سوداء تجتمع مع بعضها لتخلق مقطوعة ناشذة تصم الآذان ...

تتحسس تلك الأنامل الناعمة على صورة داخل أحد الإطارات ، يظهر في تلك الصورة رجلين يبدوان بمتوسط العُمر، أحدهما بدين بعض الشيء يرتدي قميصًا مُخططًا و الآخر يُشبهه بعض الشيء في الشكل لكنه أقل بدانة، سقطت قطرة من الدموع على أحد هذين الرجلين، فسرعان ما جففتها بحركة منكسرة تنم عن حزن الإشتياق، يظهر من وراء صاحبة الأنامل رجل يبدو أنه قد تعدى الخمسين، فشعره منمق ببضعة خصلاتٍ بيضاء تجتمع مع جسده البدين كثير العلل و الآفات، وضع ذاك الرجل يده على كتف الفتاة يُربت عليها بحنو أبٍ يطمئن على أبناءه، وجدها تقول بكلماتٍ إختلطت بحسرتها 

 - تفتكر هو متضايق مني ؟؟

قالتها هاجر، تلك الفتاة البآسة ذات الشعر البني و البشرة الخمرية 

 - هيتضايق منك ليه ؟

 - عشان أنا مجبتلوش حقه 

وضعت هاجر الصورة مكانها، و بخطواتها المتأنية شرعت تسير نحو أحد الأرائك تجلس عليها مكلومة على أمرها، جلس عمها هارون بجوارها يُخبرها بلكنته الحانية مُربتًا على يدها 

 - متزعليش ... إنتي مفيش في إيديكي حاجة عشان تعمليها 

آجابته مُعترضة 

 - بس أنا محاولتش أصلًا

آحاط هارون ذراعه حول كتفها مع إبتسامة هادئة شقت ثغره 

 - باباكي دلوقتي في مكان أحسن من هنا بكتير ... و كدة كدة حقه هيجيله عند إللي خلقه ... و هو لو كان عايش دلوقتي كان هيبقى متضايق عشان دموعِك دي 

لم تُجيبه و إكتفت بالإبتسام و هي تستند برأسها على كتفه، فهو بالنسبة لها كالحضن الدافيء الذي تسكن إليه بعد أن تتشرب من العذاب و الجروح 

 - يلا بقى .. إنتي  جاية هنا تعيطي ولا إيه ؟؟ ورينا بقى الضحكة الحلوة 

قالها هارون و هو يبتعد بجذعه عنها كي يواجه وجهها و يستطيع بث بها بعض الآمان، كفكفت هي دموعها و بادلته الإبتسام و الضحك الهاديء

قلب محظور ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن