من بين الظلام اخترق طفيف من الضوء النافذ عتمته، ومن خلفه صرير الباب الذي تحرر بعد اثنا عشر ساعة، انتشر الذهول على معالمه، لاعتياده على مواعيد فتح باب زنزانته.
اعتدل بجلسته يتحسس الحائط حتى استقام بوقفته، يتسلل لآذنيه صوت دعسات حذاء ثقيلة، تشير على ثقة صاحبها، لتنتهي قبالته بالتحديد، ومن بعدها يقتحم قاعة صمته صوتًا بشريًا يحدثه بعد غيابًا من سماعه لأحدٍ يناشده:
_عامل أيه يا يونس؟سؤال شعر بأن اجابته ستكون ساخرة لدرجة ستجعل من أمامه يأمر بتعذيبه على الفور، فمن المؤكد بأنه يمتلك منصب مرموق كونه تمكن بالدخول إليه هنا، فاكتفى بالصمت وعاد يجلس أرضًا، واضعًا عينيه بنقطة الفراغ المعتاد.
انخفض ذاك الغريب إليه، يخبره بغموضٍ:
_مش عايز تعرف أنا مين وجايلك ليه؟ابتسم بألمٍ، وبسخرية لم يستطيع كتمها قال:
_متفرقش... شوف شغلك يا باشا أنا جاهز.اختصر له عذاب سنوات ببضعةٍ كلمات أخبرته بأنه اعتاد العذاب لدرجة جعلته اعتياديًا، ابتلع غصته وقال وهو يدقق النظر إليه في محاولة لمح معالم وجهه بالظلام:
_بس أنا مش جاي أحقق معاك ولا أذيك يا يونس... في شخص غالي عليا بعتني ليك وبسببه فتحت قضيتك واكتشفت الظلم اللي إنت عشته، وعرفت مين اللي ورا سجنك والسبب في عذابك لحد النهاردة.. اتصدمت إن في بينا ظباط معندهمش ذمة قبلوا الرشاوي عشان يعذبوك طول المدة اللي فاتت دي، بس خلاص أنا هخلصك من كل ده... أوعدم انهم هيتحاسبوا قبل ما يتحاسب الكلب ده.أغلق عينيه بقوةٍ وهتف دون مبالاة:
_مبقاش يفرق... الحياة كلها متفرقليش يا باشا.... لا فارق معايا اللي ظلمني ولا اللي بيحاول يخرجني!دس يده بجيب سرواله وأخرج هاتفه يشغل وضع الفلاش، ونت ثم سلطه على ملامح وجه يونس فأغلق الاخير عينيه بقوةٍ ووجع من تعرضه للضوء بشكلٍ مباشر، وبعدها بدأ يفتح عينيه تدريجيًا حتى اعتاد على الاضاءة ورؤية ملامح ذلك الرجل الجالس أمامه، تغلقت نظرات يونس به، كان يحمل بمقلتيه خصال القوة والنزاهة وكأنه انطلق من غياهب الظلم ليخبره بأن الخير مازال صامدًا، يخبره بأن وإن كانت ظنونه بأن العالم أغلبه يملأه الشر فهناك نسبة ضيئلة من الأخيار..
تحرر من صمته أخيرًا يسأله بفضولٍ أتاه بعد رؤيته لملامحه:
_مين اللي بعتك ليا؟ابتسم "آدهــم" وهو يخبره:
_تلميذك اللي قضيت أغلب أيام امتحاناته تشتغله مدرس وقهوجي..... ابن الشيخ مهران.ردد بعدم استيعاب:
_آيــوب!!#قريبًا... #االاقوى_قادم....
أنت تقرأ
الطبقة الآرستقراطية (صرخات انثى)
غموض / إثارةالجروح أدمت قلوبهن ومازالت كلًا منهن تحارب للبقاء، مذاق الألم لا يفارق حلقهن، جروحهن متشابهة ولكن لكلًا منهن حكاية خاصة هي ضحيتها، الأولى نهشتها الذئاب البشرية وتركتها كالخرقة البالية تعاني بمفردها، والثانية واجهت إنسان مريض نفسي يريد أن يُجحمها دا...