المقدمة

61.4K 965 255
                                    

ملاحظة:

"زواج الفصلية" أو "زواج الدية" هو عرف عشائري يقضي بتزويج امرأة من قبيلة إلى رجل في قبيلة أخرى بهدف حقن الدماء بين القبيلتين والتراضي وسد الطريق أمام المشاحنات والخلافات مستقبلاً.

أما النهوة فهي عُرف عشائري قديم يقضي بمنع الفتاة من الزواج برجل غريب عن العشيرة، وبموجب هذا العرف فإن عم أو ابن عم الفتاة "ينهي" على الفتاة، أي إنه يمنعها من الزواج بشخص آخر غيره حتى لو بقيت من دون زواج مدى الحياة.

********

المقدمة

رفعت نورين وجهها المحتقن بالدموع للمرآة أمامها.. تطالع عينيها المتمردتين وقد سال منهما الكحل الأسود على وجهها ملطخًا خديها الأحمرين بخيوط سوداء.. كل ما فيها كان يرتجف من الخوف وكل ما حولها يسوده الكرب والصمت..

ترتدي الثوب الذي ستزف فيه إلى ابن عم الرجل الذي قٌتل على يد ابن عشيرتها.. فقد قُرِّر بموجب التقليد الذي تمليه العادات العشائرية لحقن الدماء أن تكون هي ضحية زواج الدم بما أنها إحدى بنات العشيرة المُعتدية، وأقرب فتاة للقاتل صلةً ودمًا.. ساعات قليلة متبقية لهم قبل مجيئهم لأخذها.. فقد وهبتها عشيرتها إليهم.. وكأنها سبيّة.. وكأنها سلعة مقايضة تحدث بموجبها النزاعات.. وكله.. تحت عنوان.. الثأر..

كفكفت نورين عبراتها التي لا تنضب واستجمعت قواها بوهن لتخطو نحو الباب وتفتحه قليلًا لتقف خلفه متوارية عن الأنظار..

أمها ريحانة لم تكف عن البكاء منذ ساعات.. ووالدها حسن يجلس بجوارها بنظرات شاردة ممزقة وتجهم حزين يخفي بشق الأنفس عجزه وقلة حيلته، ويكتفي بأن يربت على كتف زوجته بين الدقيقة والأخرى.. قبل أن يلتفت لها ويطلب منها بصوتٍ أقرب للرجاء

((توقفي عن البكاء يا ريحانة، لا ينقصنا بكائك هذا ليزيد الوضع سوءً))

فتحت ريحانة عينيها بتشوش عميق فتكاد لا ترى شيء من بين دموعها ثم قالت مستنكرة بصوتٍ مختنق

((ألا يحق لي حتى أن أتحسر على ابنتي التي سنسلمها إلى مقصلة إعدامها بيدينا؟))

نكّس حسن رأسه شاعرًا بالعار البالغ وهو يرى نفسه عاجزًا على أن يحمي ابنته الكبيرة ومدللته الوحيدة، إلا أنه قال بصوتٍ متحشرج

((لماذا تتحدثين بهذا الشكل؟ ألم أخبرك بأني تحدثت مع الرائد مُعاذ الكانز وأكد لي بأنها ستتزوج من خيرة أبناء الكانز.. أمام الناس فقط سيظهر بأنه زواج ديّة، إلا أنه في واقع الأمر سيكون زواجًا طبيعيًا، وإلا لما كنت سأقبل بأن أضحي بأبنتنا هكذا!))

عقدت ريحانة حاجبيها بقوة وهي تتمتم باستهجان

((استفق يا حسن.. ابنتك ستكون ديّة لحقن الدماء ولا شيء أكثر مهما ادعوا، ابنتك التي لم تتلقَ في بيتك إلا الدلال ستواجه الهوان في بيت ابن الكانز.. لستُ امرأة جاهلة يا حسن ولديّ تصور واضح عن الظروف التي تعيشها الفتيات اللاتي يتم أخذهن كضحايا زواج الدم، وكيف سيعشن تحت ضغوط نفسية شديدة لا يمكن تحمُّلها))

قَلْبُكَ مَنـْـفَايَ "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن