الفصل الحادي والأربعون ((الأخير))
بعد ثلاث سنوات..
كان مُعاذ بأقصى سعادته لزيارة والده وإخوته في شقته.. جلسوا جميعهم على مقاعدهم حول المنضدة القابعة في الشرفة الواسعة وقد تساقطت أشعة الشمس المشرقة كأنها تتغزل بالأوجه الملقاة عليها بخفة..
طالعوا السًّماء استمتاعا بصفائها وبمنظر الأجواء الخارجية للحي في فترة العصر الرائقة، لاسيما في هذا الحي الهادئ الذي تتواجد فيه شُقة مُعاذ مقارنة بحالة الصًّخب المزعجة بمعظم نواحي المدينة، فتذكرهم بأجواء القرية..
ارتشف مُعاذ من فنجان قهوته ثم تساءل مواكبًا آخر الأخبار
((بالمناسبة يا أبي، ما هي آخر أخبار أهل القرية المجاورة لنا؟ تلك التي قتل ابنهم ابن عشيرة أخرى))
حانت نظرة من الحاج يعقوب له مجيبا
((وماذا سيكون غير إلزامهم بحكم الجلوة بعد الرجوع لقانون منع الجرائم، ذلك القانون الذي يجبر العشيرة كاملة على الانتقال إلى مكان بمحافظة أخرى، بذريعة منع حمام الدّم والثأر الذي سيحدث لو بقي أهل القاتل إلى جوار أهل القتيل))
عقِب مُعاذ على كلام والده مستنكرا
((سيتم ترحيلهم جميعا!؟ ولكن سمعت أن عشيرة القاتل يبلغ عددهم سبعين عائلة، ومجموعهم حوالي ثلاثمائة فرد))
هزًّ يعقوب كتفيه قلة حيلة فهذا ما سيحدث لهم.. لِتشوب نظرات مُعاذ التعاطف والشفقة على حال عشيرة القاتل الذين تحاصرهم عادات عشائرية قميئة.. حيث أنّ عددهم الكبير سيفرض على كل عشر عائلات على الأقل أن تقيم في بيت واحد رجالًا ونساءً دون استثناء.. قديما كانت الخِيم وبيوت الشًّعر تنتقل مع أهلها فلا يجدون مشقة في الجلوة، أما اليوم يوجد من منهم أستاذ جامعي، محامي، مهندس وغيره، فكيف يؤخذ كل هذا الجمع الغفير بذنب أحد أقاربهم الذي لا يعلمون عنه شيئا، في زمن اختلت فيه الموازين ولا يكون للوالد كلمة على ولده!
فلم يجد إلا أن يغمغم بصوته الرخيم
((هذا هو نتاج القسوة والتّجبُّر والظلم، وما اقترفه الفِكر المجتمعي المتعصب الّذي لا ينتسب للدّين بقدر ما ينتسب للعُرف))
عقِب مُؤيد على كلام أخيه وهو يكتف ذراعيه بتحفز
((الجميع يَعي هذا لكن الجميع يُحارب كلمة الحق ويتبّع هوى الباطل، الجميع لا يرَ سوى ذاته المملوءة بالعنصرية الجاهليّة المؤطّرة بقوانين الأعراف العشائرية.. وبعد ذلك يأتي الجميع يبكون من مرارة الواقع ويئنون من قسوة الحياة..))
مطَّ مَازن شفتيه وهو يناظر أخيه مُؤيد وكلماته التي اتسمت بالحكمة والوقار فبدا كأنه حكيم زمانه وهو يتحدث.. رغم أنه هو نفسه أول من يدفن رأسه في الرّمال عندما يتعلّق الأمر بقضاياه الخاصّة فلا نقاش يصلح معه! وهو أيضًا قبل سنوات عند موت ابن يحيى عمه من كان محرك الشّر ومن يوقد في كل شبان القرية نزعة الانتقام لابن عشيرتهم من عشيرة الهنادل.. أما الآن فعندما لم يعد الأمر يتعلق به أو بعائلته أضحى موقفه مختلفًا تمامًا!
أنت تقرأ
قَلْبُكَ مَنـْـفَايَ "مكتملة"
Romanceرفعت نورين وجهها الباكي للمرآة أمامها.. تطالع عينيها المتمردتين وقد سال منهما الكحل الأسود على وجهها ملطخًا خديها الأحمرين بخيوط سوداء.. كل ما فيها كان يرتجف من الخوف وكل ما حولها يسوده الكرب والصمت.. فها هي مرتدية الثوب الذي ستزف فيه إلى ابن عم ال...
