(38)

732 19 3
                                    

دلف صافعاً الباب خلفه بعصبيهٍ مضمره ، كاد "سيف" ان يحرق كل ما يعترض طريقه بنيران غضبه المتفاقمه.. ويالها من نيران.. تحرق قلبه و تنهش صدره المضطرب ، القي المفاتيح علي الطاوله بقوهٍ جرحت الزجاج بشقٍ طفيف دون ان يبالي لإشعال الأضواء حتي فإكتفي ببؤره ضوء خافته كانت كافيه لتبيّن كل شئ حوله ، لم يجتاحه ثوران كهذا منذ أمدٍ.. ، غاضباً كما لم يحدث من قبل !
يزرع المكان بخطي واسعه دون ان يهتدي ، تسارعت انفاسه واحتدمت في لهاثٍ منفعل ، اقتحمت الأفكار برأسه وومضت لحظاته السالفه معها !
واصطحبت معها ذاكره حافله بالأحداث منذ لقائهما الأول حتي لحظه فراره من امامها.. قَلقه الملحوظ عليها ، خوفه ، اهتمامه بها بإفراطٍ منقطع النظير .. كل شئ قدم البراهين امام عيناه المحتدمه .. براهين حبه لها !

ضرب بقبضتيه فوق طاولهٍ خشبيه التصقت بالحائط وعُلقت فوقها مرآهٍ بيضاويه محاطه بإطارئ مزخرف ، اطبق جفنيه بقوهٍ كمن خاض في صراعٍ عنيف صار في أوجه ، صراعٍ مضمر خاضه في مواجهه مشاعره .. كابتاً صوتٍ خافت انبعث من اعماقه المشتعله !
تجاوز الحد معها وسمح لنفسه بالإقتراب وكسر الحاجز بينهما ، سمح لنفسه ان يسترسل في تقبيلها بلا اي قيودٍ او تردد ! بل سمح بالتعمق في علاقهٍ حرمها علي ذاته منذ آمدٍ.. قبل ان يلتقي بها حتي !
وعلي حين غره أمتلكته لوهله.. سَلم لعرشها قلبه في غفلهٍ منه ! نالت نصيباً اعظم من مشاعره ، حصلت علي عواطفه الجريحه ..لها.. لها فقط.!!
وصلت بيديها الي مكاناً محظور حَرمه علي الجميع من قبلها فإستلته هي بقوهٍ امام عجزه !
أحبها ! ..لا يعقل !! فمن المستحيل ان تمس قلبه إمرأه أخري ! وأي إمرأه !! إمرأه جمعته بها علاقهٍ معقده !
مستحيل أن يسلم لها قلبه ويخضع لحبها ويعترف به !

أحبها !! بل عشقها إلي حدٍ فاجأه هو شخصياً !! عشقها الي حد المبيت امام منزلها .. إلي حد الخوف وملازمتها بنفسه ! الي حد التجرد من ثباته وتقبيلها ! الي اقصي الحدود الممكنه !!

اطلق صيحه كزئيرٍ مفجع ضارباً بقبضته زجاج المرآه امامه ، تسللت الشقوق هاربه من أسفل قبضته كما انسدل سيلٍ من الدماء الرفيع فوق الزجاج المجروح ، فتح عينياه الحمرواتان لتصطدم بإنعكاسه المشقوق بالمرآه ..
ابعد "سيف" قبضته عن المرآه حيث تركت يداه ندبتها فوق الزجاج ، فراحت الدماء تتدفق من اصابعه بغزاره تاركه بقعهٍ ملطخه علي الزجاج ..
لم ينتبه الي يده حتي.. ألمته ! ولكن مقاومته لهذا الشعور بقلبه وتفكيره كان اقوي من جرح يده .
تهدجت انفاسه بينما ينظر الي صورته بنظرات باتت خاويه.. استند بيده فوق الطاوله الزجاجيه منحنياً وكأنه خرج لتوه من معركهٍ استنذفت قواه وأنهكته واعلنت خسارته وهزيمته المحتومه ، بالكاد يتنفس !
رفع شعره الغزير بيده للخلف ساحباً نفساً قوياً ، يجاهد بإستماته لمحاربه هذا الشعور الذي احتل قلبه واستحوذ تفكيره ، و لا سيما ان مشاعره كانت الأقوي من بينهما..

____________________________________

لفحت بروده الليل القارس جسدها المرتخي فوق مقعدٍ خشبي ، غرزت حذائها الرقيق في العشب الأخضر اسفل قدميها ، اغمضت عينيها بإستسلامٍ لمداعبه نسمه الهواء العليله مع تراقص شعرها الكستنائي بتناغمٍ هادئ ..
كسر مصباح متوهج علي مقربهٍ منها ظلام الحديقه الدامس وشع مصطدماً بوجهها المرتخي وتركزت بؤرته وتسلطت عليها ، اعتادت التواجد هنا والإختلاء بذاتها أطول وقتٍ ممكن ، تحاول إستعاده طاقتها المستنفذه في خِلوهٍ من الهدوء المتأمل وإن كانت مُعكره الصفو ..

كبرياء الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن