(29)

758 18 0
                                    

الأجواء بارده .. فرغت الطرقات من حولهم ، لا يسمع سوي خطواتهم علي الأرض الخشنه اسفلهم ، تسير علي وتيره هادئه ، ملأت "ليلي" رئتيها بنسمات الهواء النقيه رافعه عنقها نحو السماء ، تأملت بساط السماء المظلم فوقها والمرصع بنجوم مشعه كجواهر ألماس نادره..

- تاني تاني !!!

ابتسمت بلطفٍ لعبارته ، يحذرها مازحاً من تكرار خطأ التعثر..
ابتسم بدوره ، ثم امتنعت عن التقدم اكثر وانحرفت نحو (مصطبه) الأرض ، واعلنت :

- انا تعبت ممكن نقعد هنا شويه نرتاح ؟

لم يعلق.. بل جلس بهدوء جوارها ، فحص المكان حوله بنظره شموليه ، وضافت اصوات حفيف الشجر للأجواء قلقاً مريباً..
قال هنا "سيف" بإبتسامه طفيفه :

- الجو هادي اوي .. مش خايفه يحصل زي ما حصل المره اللي فاتت ؟

هزت "ليلي" كتفيها وقالت ببساطه :

- معتقدش ان الحظ هيوقعنا في نفس المشكله سوي مرتين.

اومأ "سيف" مؤيداً وانتظر لحظه ثم اضاف :

- عموما اهو اخر يوم ومش هيحصل اي مشاكل تاني.

عبس وجهها فجاه ، تذكرت انها الليله الاخيره.. وستذهب تاركه للبلده اياماً محمله بذكريات غاليه ستتركها خلفها رغماً عن ارادتها..
رددت بحبور مرير مؤكده :

- اخر يوم.

عقد "سيف" يديه امام صدره ، سأل بجديه :

- هي دي اول مره ليكي هنا ؟

اومأت "ليلي" ايجاباً وابتسمت من جديد بينما تجيبه :

- ايوه.. مع اني سافرت في اكتر من مكان لكن هنا لأ.. انا بابا كان بيسفرنا كل سنه مصيف وبلد مختلفه في مصر لحد ما مات وبعدها بطلنا نسافر. الله يرحمه .

"سيف" بإهتمام سأل بإقتطاب :

- مات ازاي ؟

خيم حزنٍ متناهي في قلبها المجروح ، ولازالت محافظه علي شبح ابتسامتها :

- ذبحه صدريه ..كنت صغيره اوي لما حصل ده .. كنت مصدومه و مش مستوعبه ان بابا خلاص مبقاش موجود في يوم وليله .

زاغت بعينيها عنه ، شردت وكأنها تري شريط الماضي يعرض امام بصرها وقد ومضت لمعه الشجن بمقلتيها.. واردفت :

- لما كنا في المستشفي والدكتور خرج وبلغ ماما خبر الوفاه انهارت و فضلت تصرخ وانا لما شوفتها بالحاله دي جاتلي صدمه وقعدت في ركن اعيط و اصرخ زيها لمجرد اني حاسه ان في حاجه وحشه حصلتله.

بدي متأثراً ، سحبت "ليلي" نفساً عميقاً وبدأت تسرد احداث حياتها في إيجاز حزين :

- بابا اتوفي وانا عندي تسع سنين ومن وقتها وماما هي اللي شايله المسؤوليه . كانت بتشتغل لحد ما دخلت ثانويه عامه رغم ان بابا كان سايبلنا ورث بس كانت عايزه تخلي حياتي مرفهه اكتر وبعدها تعبت ومقدرتش تكمل شغل . قررت اعتمد علي نفسي وذاكرت كتير عشان اجيب مجموع عالي وافرحها وفعلا حصل و جاتلي منحه في الجامعه دي .. كانت بالنسبالي في يوم حلم بعيد عن خيالي . بس كان الفضل بعد ربنا لصاحب بابا كان مدير علاقات عامه وليه معارف كتير جدا و كان السبب في انه يجيبلي المنحه دي لأنه كان شايف اني استاهلها خصوصاً بعد موت بابا اللي وقف جانبه كتير جدا وحس انه كده بيردله الجميل .

كبرياء الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن