الأجواء بارده .. فرغت الطرقات من حولهم ، لا يسمع سوي خطواتهم علي الأرض الخشنه اسفلهم ، تسير علي وتيره هادئه ، ملأت "ليلي" رئتيها بنسمات الهواء النقيه رافعه عنقها نحو السماء ، تأملت بساط السماء المظلم فوقها والمرصع بنجوم مشعه كجواهر ألماس نادره..
- تاني تاني !!!
ابتسمت بلطفٍ لعبارته ، يحذرها مازحاً من تكرار خطأ التعثر..
ابتسم بدوره ، ثم امتنعت عن التقدم اكثر وانحرفت نحو (مصطبه) الأرض ، واعلنت :- انا تعبت ممكن نقعد هنا شويه نرتاح ؟
لم يعلق.. بل جلس بهدوء جوارها ، فحص المكان حوله بنظره شموليه ، وضافت اصوات حفيف الشجر للأجواء قلقاً مريباً..
قال هنا "سيف" بإبتسامه طفيفه :- الجو هادي اوي .. مش خايفه يحصل زي ما حصل المره اللي فاتت ؟
هزت "ليلي" كتفيها وقالت ببساطه :
- معتقدش ان الحظ هيوقعنا في نفس المشكله سوي مرتين.
اومأ "سيف" مؤيداً وانتظر لحظه ثم اضاف :
- عموما اهو اخر يوم ومش هيحصل اي مشاكل تاني.
عبس وجهها فجاه ، تذكرت انها الليله الاخيره.. وستذهب تاركه للبلده اياماً محمله بذكريات غاليه ستتركها خلفها رغماً عن ارادتها..
رددت بحبور مرير مؤكده :- اخر يوم.
عقد "سيف" يديه امام صدره ، سأل بجديه :
- هي دي اول مره ليكي هنا ؟
اومأت "ليلي" ايجاباً وابتسمت من جديد بينما تجيبه :
- ايوه.. مع اني سافرت في اكتر من مكان لكن هنا لأ.. انا بابا كان بيسفرنا كل سنه مصيف وبلد مختلفه في مصر لحد ما مات وبعدها بطلنا نسافر. الله يرحمه .
"سيف" بإهتمام سأل بإقتطاب :
- مات ازاي ؟
خيم حزنٍ متناهي في قلبها المجروح ، ولازالت محافظه علي شبح ابتسامتها :
- ذبحه صدريه ..كنت صغيره اوي لما حصل ده .. كنت مصدومه و مش مستوعبه ان بابا خلاص مبقاش موجود في يوم وليله .
زاغت بعينيها عنه ، شردت وكأنها تري شريط الماضي يعرض امام بصرها وقد ومضت لمعه الشجن بمقلتيها.. واردفت :
- لما كنا في المستشفي والدكتور خرج وبلغ ماما خبر الوفاه انهارت و فضلت تصرخ وانا لما شوفتها بالحاله دي جاتلي صدمه وقعدت في ركن اعيط و اصرخ زيها لمجرد اني حاسه ان في حاجه وحشه حصلتله.
بدي متأثراً ، سحبت "ليلي" نفساً عميقاً وبدأت تسرد احداث حياتها في إيجاز حزين :
- بابا اتوفي وانا عندي تسع سنين ومن وقتها وماما هي اللي شايله المسؤوليه . كانت بتشتغل لحد ما دخلت ثانويه عامه رغم ان بابا كان سايبلنا ورث بس كانت عايزه تخلي حياتي مرفهه اكتر وبعدها تعبت ومقدرتش تكمل شغل . قررت اعتمد علي نفسي وذاكرت كتير عشان اجيب مجموع عالي وافرحها وفعلا حصل و جاتلي منحه في الجامعه دي .. كانت بالنسبالي في يوم حلم بعيد عن خيالي . بس كان الفضل بعد ربنا لصاحب بابا كان مدير علاقات عامه وليه معارف كتير جدا و كان السبب في انه يجيبلي المنحه دي لأنه كان شايف اني استاهلها خصوصاً بعد موت بابا اللي وقف جانبه كتير جدا وحس انه كده بيردله الجميل .