من باب إحياء الليلة بشيء من العلم،
من الأخطاء القبيحة التي شاعت للأسف في ألسنة عوام الناس من أمثالنا أننا إذا تحدّثنا عن حُكم شرعي في مسألة ما، سأل أحدهم: هل يصحّ هذا الحديث؟ أو أليس هذا حديثًا ضعيفًا؟
طيب إيه المشكلة في هذا السؤال؟
المشكلة أن الحُكم الفقهي لا يتوقّف على صحّة الحديث وعدمه فقط، بل قد يكون الحديث ضعيفًا ويأخذ منه الفقهاء حُكمًا، وقد يكون صحيحًا ويردّ الفقهاء العمل به!
فيتعجب أحدهم الآن، ويقول: كيف يردّ الفقيه العمل بالحديث الصحيح؟ كيف يردّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ما هذا الكفر الذي تقوله؟ (ثم يكثر من علامات التعجب هكذا !!!!)
.
فنقول: نعم، واشرب عنّاب كده واهدأ لتفهم، قد يترك الفقيه العمل بالحديث الصحيح لأسباب كثيرة، منها أن في الحديث عُمومًا قد خُصص بحديث آخر، أو كان فيه إطلاقٌ قُيّد بحديث آخر، أو لورود النسخ، أو قد يُترك الذي فيه نفي لقيام الإثبات، أو لأن الحديث قد ورد على سبب معين، أو لقيام معارض أقوى منه، وغيرها من الأسباب،
.
وقولك (هات لي دليل على كلامك بآية أو حديث) = أيضًا قول خطأ.فقد يكون الحُكم الشرعي الذي وصل إليه الفقيه غير مستند إلى آية أو حديث بشكل مباشر أصلا!
فمصادر التشريع عندنا كثيرة، منها ما هو متّفق عليه: القرآن والسُنة والإجماع والقياس، ومنها ما هو مُختلف فيه بين المذاهب الفقهية، كالاستحسان والاستصحاب، وعمل أهل المدينة، وقول الصحابي، والمصلحة المُرسلة، والعُرف، وشرع من قبلنا، وغيره..
كلام مكلكع ومش فاهمين منه حاجة صح؟
صحيح، وليس مهمًا أن نفهم ما قيل، فشرح تلك المسائل والألفاظ وغيرها يُبسط في علم أصول الفقه.ولكن هذا هو الانطباع الذي أريد أن أتركه في نفسك.. أن الأمر ليس بهذه البساطة والسطحية التي تظنّها، فاسكت قليلًا واهدأ وتواضع.
.
يكفيك أن تعلم أن الفقه صِنعة دقيقة مُعقدة يا صديقي، والله مُعقدة للغاية، ولها أصول وقواعد كثيرة راسخة ومتداخلة بُذل فها الأعمار لتؤصل وتُقعّد وتُشرح، ويبذل الفقيه دهرًا من عُمره ليكتسب تلك الملكة ويمتلك (أدوات ومناهج وأصول الفهم) ليدخل على النصوص الشرعية الشريفة فيفهمها ويعمل بما فيها على وجهها الصحيح، ولو اطّلعت على بعض تلك القواعد فقط لكان للعلم هيبته وحُرمته في قلبك، ولعلمت مقامك منه، ولما استخففت واستهنت به، ولما ظننت أن كل من امتلك وصلة نت ومولانا الشيخ جوجل ويُحسن النسخ واللصق= أصبح مؤهلًا للسؤال والكلام في العلم، بل هذا والله من البلاء الذي أفسد على الناس تصوراتهم عن العلم وأهله!
.
فإذا فهمت هذا، علمت أن من البدع المُنكرة القبيحة سؤال العامّي من أمثالنا: (ما صحة حديث كذا؟) أو (ما دليلك على كذا؟) وكأنه يمتلك أدوات فهم الدليل! بدلا من أن يسأل من يثق في علمه ودينه سؤالًا واحدًا فقط: (ما حكم كذا؟).. ثم يعمل بفتواه وشكرًا.فاللهم علّمنا.
![](https://img.wattpad.com/cover/250481352-288-k340617.jpg)
أنت تقرأ
رقائق
Non-Fictionمقولات، حكم، خواطر، نصائح، عادات، عبادات، علوم .. الخ كل شيئ اعجبني لم تكتبه يدي بل رأيته أضعه هنا فالشكر لقائلها/لقائلتها 💜