رقائق

لا تكن جاهل وتنقد عالم جليل

بص يا ابني.. النقد هو أعلى درجات الفهم.. مثلاً انت واقف دلوقتي في أوضة عمليات مع مجدي يعقوب بتتعلم منه تكنيك عمليه معينه.. بتقف تتعلم وانت ساكت.. بتتفرج بس.. مابتروحش تقوله لأ معلش انت عملت دي غلط كان المفروض تعملها كدا..

فـ انت ماينفعش تنتقد مجدي يعقوب في جراحة القلب إلا لو كنت أعلم منه.. طاب لو انت استشاري؟ برضو تقف تتعلم.. طاب لو كنت متخصص؟ برضو تتعلم ولو هتسأل تسأل على استحياء.. طاب لو كنت نايب؟ تقف وتتفرج وانت ساكت.. طاب لو كنت طالب لسه؟ ماتقفش أساساً.. طاب لو انت مالكش علاقه بالطب ولا الجراحه؟ يبقى تخرس خالص وماتحاولش تفكر في الموضوع أصلاً..

تمام؟ متفقين لحد هنا؟ ماشي.. نسقط الموضوع بقى على الدين.. وانت بتقرأ كتاب صحيح البخاري أو أي كتاب فقه بتبقى اللي مالوش علاقه بالجراحه، والبخاري مجدي يعقوب.. فـ ماتحاولش تنتقده بأي طريقه.. حتى لو قريت وذاكرت ووصلت لدرجة الاستشاري.. برضو هتفضل نقطه في بحر بالنسبه للأئمة دول..

واحنا بنقرأ في الفقه والحديث والتفسير بنشوف العجب.. تلاقي المؤلف ماسك الباب من أوله لآخره.. مابيسيبش نقطه مايتكلمش عنها.. كنا بندرس في الفقه أحكام مستحيل تحصل.. كان يقولك "ايه الحكم لو الراجل قال لمراته انتي طالق إلا نص طلقه".. تقرأ الكلام وانت متعجب.. تقول ازاي حد ييجي في دماغه يحط حكم زي دا..! بس الحقيقه ان الأئمه ماسابوش مجال لتفكيرك.. كانوا بيفترضوا أحكام ويردوا عليها بعد ما يقولوا الأحكام الأساسيه.. عشان مايجيش حد بعدهم يسأل عن حكم ومايلاقيش له إجابه..

يعني مثلاً في باب الزنا اتكلموا عن كل حاجه من اول التعريف لحد الحدود.. والأحكام كلها.. المحصن وغير المحصن ومش عارف ايه.. وفي اخر الباب يقوم حاطط افتراضات مستحيله.. فـ تلاقيه يتكلم عن "اللواط"، "حكم وطء البهيمه".. يقوم واحد متخلف فاتح فهرس كتاب الفقه ويقولك اتفرج.. بيتكلموا في الفقه عن وطء البهايم.. آدي أئمة الفقه.. بيقولولنا ننام مع الجواميس وهخيهخيو وبتاع..

تيجي تقرأ في التفسير.. تلاقي الأئمة يقولولك الأيه نزلت امتى وفين وفي مين.. ويقولك إعرابها.. وفضلها.. وبعدين يفسرهالك.. ولو فيها حكم شرعي يفصصهولك.. ولو فيها قصه تاريخيه يحكيهالك من منظور الدين، وبعدين يقولك بس خد بالك في إسرائيليات بتقول كذا..

كنت بقرأ من فتره تفسير "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى".. الامام ابن كثير فضل أكتر من 30 صفحه تقريبا يقول ايه هي الصلاة الوسطى.. يقولك فلان وفلان وفلان من الصحابه والأئمة قالوا انها العصر.. وفلان وفلان قالوا انها الصبح.. وفلان وفلان قالوا إنها الظهر.. ويقولك كل الأحاديث والروايات اللي بترجح كل رأي..

انت ممكن تبقى قاعد تقرأ وتقول هتفرق في ايه إني أعرف الصلاة الوسطى! مايقول الرأي الراجح وخلاص.. انت ماتهتمش.. بس الناس دول كانوا بيتحروا الدقه في كل حاجه..

لما تيجي تقرأ في الحديث.. وتشوف الإمام البخاري ودقة التحري في السند وصحة الأحاديث.. وتشوف وهو بيقولك فلان عن فلان عن فلان.. بس الحديث دا ضعيف عشان فلان كان كذب مره وهو صغير فـ كدا مش هناخد بسنده عشان ممكن يكون كذب في رواية الحديث برضو.. وتقرأ انه ماكنش بيكتب الحديث الا لما يصلي استخاره.. وانه قعد يجمع كتابه على مدار 16 سنه..

تشوف الحاجات دي وتنبهر وتقول ازاي! ازاي حد يكتب كتاب بالدقه دي! ازاي في حد بالعظمه دي! لأ وبعد كل دا تلاقيهم في قمة التواضع وإنكار الذات.. يعني الإمام الشافعي اللي الإمام أحمد ابن حنبل قال عنه: "ما أحد مس بيده محبرة ولا قلمًا إلا وللشافعي في رقبته منة، ولولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث، وكان الفقه مقفلًا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي".. وكان زاهد وورع وعالم وعابد.. تلاقيه في الآخر بيقول عن نفسه "أحب الصالحين ولست منهم، لعلي أن أنال بهم شفاعه"..

كل الأئمه كانوا كدا ولما تقرأ سيرتهم جسمك هيقشعر.. من عبادتهم ورحلاتهم في طلب العلم وزهدهم في الدنيا وتواضعهم.. تلاقي كل إمام بيقول رأي الإمام الفلاني أصح من رأيي.. والإمام الفلاني أعلم مني..  وبعدين تشوف عبده سرسج وهو بيكتب ع الفيسبوك يا جماعه البخاري غلط وهو بيجمع الأحاديث.. يا جماعه انا مش مقتنع برأي أبو حنيفه..

المهم يعني يا ابني.. المفروض عليك انك تتعلم من الناس دي.. ولما تيجي سيرة الإمام البخاري أو مسلم أو الشافعي أو مالك او غيرهم تسكت خالص وتسمع.. لازم تعرف مقام الناس دي.. قبل ما يتقال دا حديث رواه البخاري تعرف مين البخاري.. قبل ما يتقال دا رأي الإمام مالك تبقى عارف مين الإمام مالك.. لازم تقدر الناس دي وتحترمهم.. وماتطلعش تقول أصل أحمد ابن حنبل.. اسمه سيدنا الإمام أحمد ابن حنبل، يا تافه..

مش تبقى حمار في اللغه ومش عارف الفرق بين المبني والمعرب، وحمار في الفقه ومش عارف الفرق بين الحدث الأصغر والحدث الأكبر، وحمار في علوم الحديث ومش عارف الفرق بين الحديث المرسل والمنقطع و... و...

وتقوم متجنعص أوي في قعدتك وتقول أصل أبو حنيفه.. اصل حديث البخاري دا.. أنا اعتقد إن رأي الشافعي دا.. لأ.. انت ماتعتقدش.. انت مالكش انك تعتقد.. انت ماتفكرش ورا الناس دي.. انت تسمع وتتعلم وانت ساكت.. ولما تتعلم وتعرف مين دول هتقدّرهم وهتتواضع.. وهتفضل تقرالهم.. وتتعلم منهم.. وتتواضع.. وتقرأ.. وتتعلم.. وتتواضع.. وهيبقى عندك 80 سنه وهتموت وانت ماسك كتبهم وبتتعلم منهم، وبرضو مش هتوصل لحبة رمل علقت يوم في جزمة واحد فيهم وهو رايح يدي مجلس علم..