مساء الخير..
الحقيقة أنّني أُشفق على حال الرجل في بلادنا هذه..
ذلك الرجل الذي من جهة تفتك به غريزته؛ إذ يحيط به العُري من كل جهة، حتى أصبح خروجه من بيته لدراسة أو عمل هو أعظم جهاد لنفسه وشيطانه ودنياه، يُرهق بدنه، ويشتت ذهنه، ويعتصر فؤاده، ثم يأتي إليه سمجٌ -أو سمجة- ليقول له بدم بارد "غض بصرك يا أخي" والمسكين لم يعد يدري إلى أين ينظر أصلًا!!
ومن جهة أخرى يُعافر في تعليم نظامي لا يجد فيه كثير نفعٍ إلا أن يُحصّل وجاهة اجتماعية لعلها تعينه على زواجه أكثر مما تعينه على كسب عيشه..
ومن جهة أخرى يُفرض عليه غالبًا خدمة عسكرية لا تزيده رجولةً بقدر ما تزيده إهانة وقهرًا وذُلًا..
ومن جهة يجاهد ليتعلّم أبسط أمور دينه التي لم يسمع عنها في المدرسة ولا الجامعة علّه يجد برًا يعصمه من بحر الشُبهات والشهوات المتلاطم..
ومن يجهة يجاهد في طريق أخرى ليتعلّم مهارة أو حرفة أو علمًا ما عسى أن يتكسّب منها؛ إذ اكتشف أن ما حصّله في تعليمه النظامي لم يكن كافيًا لحياة شبه كريمة، والأهل لم يعد في إمكانهم إعالة أولادهم كما ينبغي لزيادة ضغوطاتهم..
ومن جهة يرى الفتيات المناسبات من حوله يقل عددهن الواحدة تلو الأخرى ولا يسعه سوى المشاهدة في صمت..
ومن جهة أخرى -غالبًا- يخوض صراعًا وجوديًا مع أهله ليحافظ على ما تبقى من استقلاله الوجداني دون أن يعقّهم (هذا إن لم يكن مُغتربًا عنهم).
ومن جهة يحاول أن يحافظ على أمنه واستقراره..
ثم تأتي الأزمة الصحّية، وتتوقّف المصالح أكثر، ويشتد الكرب أكثر..
ثم هو مُطالب منه أثناء خوضه كل تلك الصراعات أن يحصل على مصدر دخل ثابت وآمن ثم يجني مئات الآلاف في أيام معدودات ليستطيع أن يشتري بيتًا وأثاثًا يتزوّج به ويعف نفسه عن الحرام الذي لم يعد هناك في الوجود ما هو أسهل منه.
ثم هو مُطالب منه بعد ذلك أن يكفّي بيته ومصاريفه التي تتضاعف كل يوم فوق كاهله.. ويكون مصدر أمانة وطمأنينة ورعاية لمن يعولهم.
ولعله لا يُحدث هذا "الصياح" المعتاد لأنه قد رُبي على ألا يجاهر بضعفه وانكساره وقهره وقلّة حيلته -ولست هنا بصدد مناقشة هذا تربويًا- فتعوّد أن يحافظ على كبريائه، فهو ينبغي أن يكون مصدر أمان لمن حوله لا مصدر خوف وجزع، فيستتر بضعفه في خلاءٍ بعيدًا عن أعين الناس لينفجر..!
كلما نظرت في أعين الرجال من حولي أقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يستعيذ دائمًا من قهر الرجال!... آهٍ ثم آه من هذا، نعوذ بك يا ربنا من غلبة الدَّين وقهر الرجال!
والعجيب كل العجب أنه رغم ما أراه فلا أجد في مجتمعنا أحدًا يتكلم عنهم أصلا إلا من رحم ربي، بل كل يوم تقع عيني على برنامج وسلسلة وكتاب ومقال وفيديو ومحاضرة و"بوست" و"جروب" وصفحة جديدة عن المرأة وفكر المرأة ومشاكل المرأة ووو..
وهذا ليس تحقيرًا مما تعانيه المرأة في بلادنا.. ولكن لاعتقادي الشخصي أنه لو تحسّن حال هذا الرجل المقهور -الذي يعول أسرته- لتحسّن حال المرأة غالبًا.
ولا أُحب أن يفهم من كلامي العويل والندب، وإنما هو لفت نظر للرجال المقصرين في واجباتهم، ودعوة من أعماق قلبي لكل من له منبر أو كلمة مسموعة: عالم الرجال أشد ما يحتاج اليوم إلى غرسٍ جديد.. وتأهيل فكري ونفسي ومهني وبدني وقل ما بدا لك.
الرجل هو قوّام الأسرة وعمود خيمتها.. وأي إصلاح لا يبدأ به ولا يولّيه اهتمامًا = إصلاح ناقص لا يُعوّل عليه كثيرًا.
ورحم الله كل امرأة زوجة كانت أو أمًا أو أختًا أو ابنة كانت عونًا على تخفيف هذا العبء من على رجلها وكانت له مساحة الدفء واللُطف التي يرتاح فيها لا يزداد بها همًا وغمًا.. وكان الله في عون كل امرأة لم تجد الرجل المناسب الذي يقوم بشئونها وأولادها كما ينبغي فقامت هي مقام الرجل والمرأة معًا.
وعظّم الله أجر كل رجل يكافح في تلك البلاد.. هوّن عليك يا أخي.. واحتسب جهادك عند الله واطلب منه العون والمدد.. وإني أُحبك.
#نادي_الرجال_غير_السري
أنت تقرأ
رقائق
Non-Fictionمقولات، حكم، خواطر، نصائح، عادات، عبادات، علوم .. الخ كل شيئ اعجبني لم تكتبه يدي بل رأيته أضعه هنا فالشكر لقائلها/لقائلتها 💜