ضريبة الحرب (2)

45 3 40
                                    

في تلك الليلة، كان ضوء القمر يتلألأ في السماء كألماس نقي، ساطعًا بشكل خاص كما لو كان يتحدى عتمة الليل.

لكن ورغم جماله، كان هناك شعور خفي من الوحدة يكتنفه، كأنه يحاول جاهدًا إخفاء مرارته خلف هالة من النور.

تألق القمر بين نجوم السماء، لكن تلك النجوم، رغم قربها، كانت تبدو كأشباح بعيدة، تراقب بصمت دون أن تتواصل.

وبريقه الفضي ينساب برفق كخيوط الحرير في ظلمة الليل، منعكساً على تلك العيون الوردية التي كانت تفتقد لوهجها على الرغم من بريقها.

تلاعبت الرياح بخصلات شعره الأسود، كأنها تحاول تقديم العزاء، كأنها تحاول مواساته بلطف، لكن برودة الليل تسللت إلى قلبه، تاركةً أثرًا عميقًا من الشجن.

كانت تلك اللحظات تمر ببطء، كما لو أن الوقت نفسه قد تجمد في حضرة وحدته.
كان كل شيء بخير حتى ذلك الحلم الذي تكرر في خياله ككابوس متمسك بجذوره.

ذكرياته الجيدة كانت توشّح ذاكرته، لكن كلمات ذلك الظل الغامض لا تزال عالقة في ذهنه، تتردد كصدى بعيد.

"لابد أنك كنت سعيدًا."

تسربت من شفتيه ابتسامة مريرة، كأنها تسخر من ضعف حاله.

لم يستطع قولها، لم يستطع النطق بها. نعم، كانت تلك اللحظات سعيدة، لكن الكلمات كانت تتدافع في داخله، تأبى الخروج من فمه كما لو كانت محاصرة في زنزانة مظلمة.

تنهد بعمق، محاولًا طرد تلك الأفكار، ومد يده نحو زجاجة الكحول بجانبه. لكن،

"هاه؟"

لم تكن هناك.

تشيونغ ميونغ الذي أدرك سبب اختفائها، راح يضيق عينيه في تركيز، يتأمل الشخص الذي يقف بكل ثقة بجانبه، وهو يشرب منها ببطء، كأنه يستمتع بكل قطرة.

كوااه!"

أخرج تانغ بو صوتًا منتعشًا وهو يسلم الزجاجة إلى تشيونغ ميونغ، الذي أخذها دون أي كلمة، عازفًا عن الحوار.

وهكذا، مر بعض الوقت، وتناقلت الزجاجة بينهما، كأنها حلقة وصل صامتة بين روحيهما.

لم ينطق أي منهما بكلمة، بل كانت الصمت يملأ المكان، وكأنهما يعيشان في فقاعة من الذكريات والأحاسيس.

ثم جلس تانغ بو بجواره، وبدأ الكلام. كان صوته مختلفًا عن تلك النبرة المرحة المعتادة، كأن الغيوم قد غطت شمس مرحه.

نافذة على الذكريات حيث تعيش القصص. اكتشف الآن