جبل هوا لا يحتاج أمثالكم

36 3 26
                                    

في عمق ساحة المعركة، حيث كانت الحياة تتصارع مع الموت في رقصتها الأخيرة، استقرت غيمة من الدخان الكثيف فوق الأرض، كأنها غطاء ثقيل يثقل الأجواء.

كانت الشمس تتسلل بخجل من بين السحب الداكنة، وكأنها تخشى أن تشهد ما حدث.

الأرض، التي كانت يوماً تحتضن خطوات المحاربين، غدت بحيرة من الدماء، تسرّبت إلى كل شقوقها، وكأنها تسعى لتروي ظمأ الموت.

أشلاء الجثث، مبعثرة بلا تمييز، كأنها قطع شطرنج مهجورة على لوحة معركة غارقة في السواد، كل منها يروي حكايات من الألم والفقد.

الأذرع المقطوعة، والأرجل المكسورة، تشهد على صراع حياة لم يُكتب لها الاستمرار.

رائحة العفن، التي بدأت تتسلل من بين الأجساد، غطت المكان كستار ثقيل، تجعل من الصعب التنفس.

المكان بأسره، كان محاطاً بالصمت القاتل، بينما كانت الذكريات تتلاشى، تتسرب من بين الأصابع كالرمل.

رائحة الدم، الحادة والمقززة، امتزجت بعطر الموت الذي يلوح في الأفق، وكأن الحياة قد انقطعت عن هذه الرقعة الملعونة.

ومضات من الذكريات، كانت تتراقص في العقول، تتذكر ضحكات الأصدقاء، ووعود النصر، كل ذلك محاصر الآن في جحيم الواقع.

في هذا المكان لم يعد هناك منتصر أو مهزوم، بل مجرد بقايا لرجال كانوا ذات يوم يحلمون بالحياة.

الأشجار المحيطة، التي شهدت هذا العنف، وقفت عارية، وكأنها فقدت القدرة على الإحساس، تراقب الصمت الثقيل الذي حل بعد العاصفة.

السيوف، التي كانت تدور في الهواء كرقصة الموت، استقرت الآن مكسورة، مطرقة على الأرض، كأنها تعلن عجزها عن حسم المعركة.

تلك الساحة، التي كانت تمثل الشجاعة والفخر، تحولت إلى قبر جماعي، مليء بالأحلام المكسورة والمآسي التي لا تنتهي.

هنا، حيث اختلطت الدماء بالتراب، لم يُترك شيء سوى صدى الحرب، الذي يصرخ في عمق الفضاء، مدفوعاً بالأسئلة التي لا إجابة لها.

في وسط تلك الساحة، حيث تناثرت الجثث كأوراق شجر ذابلة، وقف رجل واحد، بدا وكأنه نبتة شاحبة في بستان من العذاب.

كان المنتصر في هذه الحرب، ولكن انتصاره لم يجلب له أي شعور بالسعادة أو الفخر.

على العكس، غزا قلبه ألم عميق، وكأن كل جثة تحت قدميه كانت تروي قصة من الفقد والندم.

نافذة على الذكريات حيث تعيش القصص. اكتشف الآن