2

4.5K 126 7
                                    

في منزل أخر لا يقل رقياً عن أي منزل مترف بالمدينة الحديثة ، تعالت أصوات الضجيج من داخل غرفة معينة ، يتبعها صوت إمرأة في أواسط العمر ، ذات شعر ذهبي قصير و بشرة عسلية رقيقة و عينان بنيتان واسعتان ، راحت تتوسل إلي زوجها باكية :
- عشان خاطري يا توفيق خليك معانا ، اقعد بس و هنتفاهم كل حاجة هتتحل.
بينما إنتهي السيد " توفيق علام " من حزم أمتعته داخل حقيبة سفر كبيرة ، ثم أخيرا إلتفت إلي زوجته صائحا في غضب جامح :
- انا خلاص مابقاليش لازمة في البيت يا هانم بعد قضية الحجر اللي رفعها عليا ابنك و اللي روحتي تشجعيه عليها لا يمكن استني ثانية واحدة بعد انهاردة ، اعتبروني مُت مش ورثتوني بالحيا ؟؟
هزت " دينار " رأسها نافية ، ثم هتفت منتحبة :
- ماتقولش كده يا توفيق احنا منغيرك و لا حاجة.
فأجابها " توفيق " بنزق :
- ربنا يخليه ابنك بقي ، دلوقتي بقي راجل البيت هايقدر يمشي نفسه و يمشيكوا لكن انا لأ ، سامعة يا دينار لأ.
- طب يا حبيبي اهدا عشان خاطري ارجوك ، اقعد يا توفيق و مروان سيبهولي انا هكلمه.
- هتتوسطيلي عنده يعني !!
هتف في إنفعال إستنكاري ، ثم تابع بصرامة :
- اسمعيني كويس يا دينار .. مش توفيق علام اللي عاش طول عمره بكرامته راجل حر يجي ابنه علي اخر الزمن و يحجر عليه ، دي تبقي الآية إنقلبت زي ما بيقولوا لما ابن يمشي ابوه و يتحكم فيه.
- ما عاش اللي يهينك او يتحكم فيك يا توفيق.
هتفت بصوت محشرج من شدة حدة البكاء ، فيما إبتسم " توفيق " في سخرية قائلا :
- لأ يا دينار ، ربنا يخليه و يديله طولة العمر كمان .. هو بردو ابني اولا و قبل كل شيء.
ثم تابع في ندم مرير :
- الغلطة كانت غلطتي من البداية ، لما سيبتهولك تربيه علي الحقد و الانانية لحد ما طلع تلفان سادي عدواني و مابيحبش الا نفسه.
ضغطت" دينار " علي شفتيها بقوة ، ثم أطلقت أنيناً خافتاً ممزوجاً بدموع عينيها ، فيما أومأ " توفيق " رأسه في هدوء ، و أضاف :
- هي صحيح غلطتي يا دينار .. لكن انا خلاص مابقاليش سلطان عليه ، فات الآوان ، اديني سايبهولك و سايبلكوا الجمل بما حمل ، علي الله بس المركب تمشي و ماتغرقش.
و حمل حقيبته من فوق الفراش ، فقبضت " دينا " علي رسغه في هوان متسائلة :
- طب هتروح فين بس يا توفيق ؟ معقول هتسيبني ؟ انا ماليش غيرك !
أجابها " توفيق " بقسوة و هو يخلص رسغه من قبضتها :
- مالكيش دعوة انا رايح فين يا دينار ، المهم دلوقتي انك تحاولي تشاركي ابنك في ادارة البيت و الشركة اللي عيشت طول عمري بكافح و ببني فيها.
ثم أضاف علي مضض و هو يهبط السلالم المغطاة بالسجاد الأخضر :
- و انا هبقي اكلمك من وقت للتاني عشان اطمن عليكي.
وقفت " دينار " وحدها أعلي الدرج تراقب زوجها في حزن و قلة حيلة حتي إختفي عن ناظريها ، ثم إندفعت راكضة نحو غرفة نومها و أخذت تبحث عن هاتفهها الخلوي إلي أن وجدته ، فأجرت الإتصال سريعا بإبنها و هي ترتجف إنفعالا في كل أنحاء جسدها ...

***************

بداخل قاعة حمام فسيحة مترفة ، وقف " مروان " عاري الصدر يحلق لحيته التي نمت قليلا أمام مرآة مثبتة بالجدار فوق حوض المياه الصغير ، بينما علي بعد أمتار قليلة منه كانت تجلس بـ( البنوار ) الملئ بالماء الدافء و فقاقيع سائل الإستحمام ذا الرائحة النفاذة ، تلك الفتاة التي رافقته منذ سهرة الليلة الماضية ، فيما إنطلق صوتها الناعم يسأله :
- بقولك ايه يا مارو يا حبيبي !
- قولي يا عمري ؟؟
هتف برقة و هو يباشر حلق لحيته متمهلا ، بينما تابعت الأخيرة سؤالها :
- مش هتتجوزني بقي ؟؟
عند ذلك أطلق " مروان " ضحكة مجلجلة تردد صداها عبر جهات الحمام الأربع ، فتظاهرت رفيقته بالغضب و قالت :
- بتضحك يا مروان ؟ للدرجة دي موضوع الجواز بقي نكتة بتضحكك اوي كده ؟؟
توقف " مروان " عن الضحك بصعوبة بالغة ، ثم أدار وجهه إليها قائلا :
- يا عبيطة ، انا بضحك عشان اكتشفت انك لسا ماعرفتنيش يا سالي ، انا احب اه اتجوز لأ ، لعلمك انا مؤمن جدا بالمثل اللي بيقول - إن دخل الجواز من الباب ، نط الحب من الشباك - و بعدين ما احنا عايشين سوا اهو احسن من المتجوزين ، بقي بذمتك يا شيخة لو كنا متجوزين كنت هعرف اقولك يا حبيبتي ؟؟
- يعني انت بتحبني ؟؟
- اه طبعا يا قلبي بحبك ، لكن بردو بحب إنجي و مايا و سوزي و كل البنات الجميلة اللي زيك.
- يعني مش هتتجوز ابدا ؟؟
سألته بصوت مفعم بالسخرية ، فأجابها :
- نو ، نون ، نيانتي ، لأ بكل اللغات يا حبيبتي هو انا مجنون اجيب واحدة تنكد عليا عيشتي صبح و ليل ! انا احب ابقي حر مش متكتف بواحدة تطلع عين اهلي و ..
قاطعه فجأة صوت رنين هاتفهه الذي تركه فوق حامل المرآة الرخامي ، فإلتفت إليه و ألتقطه ، و لما وقعت عينيه علي إسم المتصل تأفف في ضيق ، ثم أجاب بصوت هادئ متراخٍ :
- ايوه يا ماما !
- انت فين يا ولد ؟؟
وصل صوت أمه عنيفا علي مسامعه ، فتغضن جبينه بعبسه ضجرة و قال :
- ولد ايه بس يا ماما هو انا طالب مدرسة ! و بعدين من امتي يعني بتتصلي تسأليني انا فين و تحققي معايا بالشكل ده ؟؟
- ما جايز فعلا تصرفاتي دي هي اللي بوظتك و خليتك تلفان علي رأي ابوك ، بس انا هصلح غلطتي دي و هاوقفك عند حدك يا مروان.
تنهد " مروان " في نفاذ صبر ، ثم عاد يقول بنبرة هادئة :
- طيب يا ماما ، اقفلي انتي دلوقتي و لما ارجع البيت نبقي نتكلم.
- تجيلي حالا.
- حاضر يا حبيبتي سلام بقي.
ثم أغلق الخط مطلقاً زفيرا طويلا ، بينما سألته " سالي " ممازحة :
- ايه يا مارو ! ماما رفعتلك الشبشب و لا ايه ؟؟
فإلتفت " مروان " إليها في حدة مصطنعة قائلا :
- هتهزري معايا يا بت ؟؟
أجابته بغنج باسمة :
- اها يا حبيبي و ماله ؟ بلاش اهزر معاك ؟؟
إبتسم " مروان " بخفة بدوره ، ثم قال بحدة مصطنعة :
- طب يلا بقي قومي من البركة اللي انتي قاعدة فيها دي خليني اخد دوش انا كمان عشان يدوب امشي.
قهقهت " سالي " بنعومة عاليا ، و قالت :
- امرك يا حبيبي.

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن