في صباح اليوم التالي ..
داخل قاعة المسرح بمعهد التمثيل ، جلس "شهاب" قبالة الدكتور "حسن" رئيس القسم في زاوية جانبية ..
بينما بقية أفراد الفريق يتدربون فوق خشبة المسرح .. :
-انت عندك نبرة نادرة يا شهاب .. بتجمع بين الشجن و القوة و العذوبة ، كل دول ممكن تستعملهم في نفس الوقت زي ما قلتلك امبارح.
قال الدكتور "حسن" تلك الجملة مخاطبا "شهاب" الذي أفتر ثغره عن إبتسامة بسيطة أظهرت أسنانه الناصعة ، ثم قال مزهوا بنفسه:
-انا تحت امرك يا دكتور .. يشرفني اني اتدرب او حتي اشتغل تحت ايدك.
إبتسم "حسن" بإستحسان و قال:
-عظيم ، يبقي زي اتفقنا ليلة امبارح .. كل يوم بعد ما تخلص كليتك هتيجي هنا من 2 الضهر لـ 7 المغرب .. دي كلها هتبقي فترة التدريب اليومية اللي هنمشي عليها لحد ميعاد عرض المسرحية.
ثم نهض إستعدادا للرحيل و هو يقول:
-اظن انت اتعرفت علي المجموعة كلها امبارح و التعامل بينكوا بقي سهل .. عيش بقي حياتك و معاك كلمات الاغاني كلها ، عايزين الحان كويسة بقي !
أومأ "شهاب" مبتسما و هو يقول:
-ان شاء الله يا دكتور ، اوعدك بحاجات هتبسطك مني.
منحه "حسن" إبتسامة ودودة ، ثم إستدار علي عقبيه و سار خارجا من القاعة ..
و في الحال بدأ "شهاب" يعد و يهئ نفسه لأجواء تأليف الموسيقي مستعينا بجيتاره الخاص كبداية إستلهامية ..
و بينما هو في أوج تركيزه ، أتت "هاجر" من خلفه خلسة و فاجأته للمرة الثانية و لكن بلباقة و ود هذه المرة:
-صباح الخير يا مايسترو !
إلتفت "شهاب" نحو مصدر الصوت واجما ليجدها أمامه مرة أخري .. تنهد بعمق و أرخي تجاعيد وجهه ، ثم قال بتهذيب يعوض به عن فظاظته السابقة:
-صباح النور يا انسة آاا ..
سارعت الأخيرة بلهفة معرفة نفسها ثانية و كأنها لم تصدق تجاوبه اللطيف معها ..
و بدون تردد ، جلست في الكرسي المقابل له و الذي كان يجلس فوقه الدكتور "حسن" منذ قليل ، ثم قالت بجدية:
-انا بس كنت عايزه اعتذرلك لو كنت فهمتني غلط امبارح ! .. انا ماكنتش اقصد اضايقك ابدا .. انا دي طريقتي العادية ، مرحي زايد شوية او يمكن شويتين ، الناس اللي يعرفوني مابيزعلوش مني فلو كنت انت زعلان انا جاية لحد عندك اهو و بعتذرلك.
إبتسم "شهاب" بخفة ، ثم ردد بلطف:
-مافيش داعي للإعتذار يا انسة هاجر .. انا مش زعلان و الا ماكتتش هرد عليكي السلام اصلا.
زفرت "هاجر" بإرتياح قائلة:
-ماشي يا سيدي .. ريحتني و الله ، بس احنا خلاص بقينا زمايل و Team ( فريق ) واحد ، يعني لا تقولي يا انسة و لا اقولك يا استاذ ، ارفع الالقاب خالص و ناديني باسمي ، هاجر .. هاجر و بس.
أطلق "شهاب" ضحكة قصيرة و قال:
-ماشي يا هاجر.
بإبتسامة خجولة سألته "هاجر":
-تشرب قهوة معايا ؟؟
أومأ "شهاب" موافقا و هو يقول:
-اوكي.
عاينته "هاجر" بنظرها لأخر مرة مما بث فيه بعض الإستغراب ، ثم نهضت متجهة نحو منضدة ربضت فوقها مكينة صنع القهوة ...**********************************************
كان "عبيد" واقفا في منتصف حديقة ڤيلا "توفيق علام" يرش العشب الأخضر بالماء عندما تناهي إلي سمعه صوت جلبة خفيفة عند البوابة الرئيسية ..
إستدار وراءه و راح يدقق النظر حتي إستطاع أن يتعرف علي هوية الزائر الثائر .. ترك ما يفعله ، و سار نحو البوابة ..و صل عند الرجل المسن حديثا و فصل بينه و بين رجال الأمن بقوله:
-ايه ايه انت و هو حاسبوا .. وسعوا كده ده عم مرسي بواب البيت القديم بتاع توفيق بيه .. سيبوه.
ثم إلتفت نحو الرجل و قال بلطف:
-ازيك يا عم مرسي ؟ ليك وحشة و الله.
ببشاشة رد "مرسي":
-و انت كمان يا عبيد .. ايه اخبارك يالا ؟؟
تنهد "عبيد" بثقل و قال:
-اهو ماشية يا عم مرسي ، كل اللي يجيبه ربنا كويس .. بس قولي بقي يا عم مرسي ، ايه اللي فكرك بأهل البيت هنا ؟ جاي عايز حد فيهم و لا ايه ؟؟
-ايوه يابني ، انا كنت جاي للست دينار.
-طيب يا عم مرسي .. تعالي معايا انا هدخلك.
و أخذه من معصمه من بين رجال الأمن و سار به إلي الداخل .. :
-الا انت عايز الست دينار في حاجة مهمة يا عم مرسي ؟؟
تساءل "عبيد" بفضول ، فأجابه "مرسي" بتلقائيته المعهودة:
-انا جاي اشتكلها من ابنها مروان بيه.
قطب "عبيد" مستغربا و سأله بإهتمام:
-ماله مروان بيه ؟ .. عملك ايه يا عم مرسي ؟؟
-ما عمليش انا يابني .. عمل لسكان العمارة ، ما انت عارفه حمقي و بيخانق دبان وشه ، كل يوم و التاني يمسك في خناق واحد من الجيران و اخرهم كان الاستاذ رياض صالح ابن معالي وزير الخارجية.
-و عمل فيه ايه بقي ؟؟
-الموضوع مايستهلش يابني و الله .. كل ده عشان الاستاذ رياض ركن عربيته قدام العمارة في المكان اللي بيركن فيه مروان بيه ، ليه و ليه بقي انه يركن في مكانه ! .. ابص الاقيلك انهاردة الصبح مروان بيه ماسك في خناقه جوا مدخل العمارة و راسه و الف سيف مايسبه وكان هيضربه لولا باقي الجيران اتدخلوا و فصلوا بينهم كانت هتبقي مدعكة ، ما هو الاستاذ رياض مش كلح ( عجوز ) و لا ضعيف بردو ، ده شاب زيه زي مروان بيه و يساويه في كل حاجة تقريبا يعني لو كانوا طالوا بعض كانوا هيبقوا عاملين زي الديوك كل واحد يبطح التاني و لاحدش فيهم كان هيغلب في سنته ، كان زمانهم بيتخانقوا لحد دلوقتي.
همهم "عبيد" متداركا و قال:
-يلا ربنا يسترها عالناس كلها ، و انت عملت طيب انك جيت لازم الهانم تعرف طبعا.
-اه آمال ايه لازم تعرف.
ثم صاح فجأة:
-بس انت بردو ماعجبتنيش في موضوع كده.
تغضن جبين "عبيد" بعبسة مستغربة فسأله:
-موضوع ايه يا عم مرسي ؟ .. هو انا بشوفك اصلا !!
تجاهل "مرسي" عبارته و باغته بشيء من الحدة:
-انت ازاي تسمح لمراتك تروح تقعد مع مروان بيه في شقة البيت القديم و هي لوحدها ؟ حتي لو بتخدمه .. عيب بردو مايصحش ده راجل عازب و هي ست و حلوة كمان.
-انت بتقول ايه يا عم مرسي ؟؟
صاح "عبيد" بذهول و قد جحظت عيناه ، فعاد يسأله بشئ من العنف:
-انت شفت حنة ؟ هي هناك في البيت القديم ؟ و مع مروان بيه ؟؟
أجابه "مرسي" متلعثما:
-ايوه يابني .. انت ، انت بتتكلم كده ليه ؟ انت ماتعرفش و لا ايه ؟؟
إزدادت عيني "عبيد" إتساعا كما أحمرت أذنيه و برزت أوردته ، لكنه كبح إنفعاله و سارع إلي القول بهدوء:
-عم مرسي .. وحياة عيالك ما تجيب سيرة باللي حصل بينا دلوقتي ده للست دينار او لأي حد تاني.
رفع "مرسي" حاجبيه ذاهلا و سأله:
-هي ايه العبارة بس يابني ؟ .. في ايه فهمني ؟؟
رد "عبيد" بصوت ترواح بين اللين و الحدة:
-مش وقته يا عم مرسي .. المهم بالله عليك ما تجيب سيرة باللي حصل دلوقتي لحد ، ماشي يا عم مرسي ؟؟
هز "مرسي" كتفيه مذعنا و قال:
-خلاص يابني .. اللي انت عايزه .. مش هاجيب سيرة لحد !***************************************
داخل منزل صغير ، شديد التواضع بإحدي القري الريفية ..
أطلقت تلك السيدة الأربعينية صرخة مجلجلة و هي تقول:
-يا لهوووووووووي ، حرام عليكوا ماتموتوش بنتي ، ماتقتلوهاش حرام عليكوا.
فصاح بها زوجها المرتكز علي عكازيه:
-اخرسي يا وليا ، انكتمي بدل ما اخلص عليكي و اتاويكي انتي روخرة.
و تركها تنتحب و إلتفت نحو إبنه اليافع و قال بصوته الخشن:
-هو قالك انه عرف مكانها خلاص يا سالم ؟؟
أومأ "سالم" رأسه قائلا:
-ايوه يابا .. و انا رايحله دلوقتي ساعتين زمن و هبقي عنده و مش هرجع الا اما اجيبلك خبرها الفاجرة دي و ارد اعتبارنا.
-اجي معاك !
قالها والده بلهفة ، فلوح "سالم" بيده و هو يقول معترضا:
-لأ يابا خليك انت .. عشان لو حصل حاجة تبقي انت بعيد و ماتتبهدلش و انت كده.
تدخلت الأم صارخة:
-حرااام عليكوااا هتقتلوا بنتي ؟ .. لأ سيبوها الله يخليكوا هتوهالي هنا و انا احبسها في البيت ، مش هخلي الدبان الازرق يشوفها بس محدش يجي جمبها.
هتف الزوج بلهجة عنيفة:
-انكتمي يا حسنات مش عايز اسمع حسك و بطلي ولولة .. بنتك جبتلنا العار و العار في عرفنا مايتغسلش الا بالدم ، لازم نخلص منها و من بلوتها عشان ابنك ده يقدر يمشي و هو رافع راسه وسط الخلق و مايتعايرش بأخته.
و تركها تتابع نواحها و إلتفت نحو إبنه مرة أخري قائلا:
-يلا يابني اتكل علي الله .. خلي بالك من نفسك و لما تخلص ابقي كلمني.**********************************************