57

2.3K 68 3
                                    

تساءلت بمرارة .. كيف لها أن تحاربه إن كان يعني ما يقول ؟ .. تريد أن تتحرر من قيوده ، و أن تقطع كل صلة تربطها به ..لكنها بين ذراعيه ، تشعر بأنها سجينة ، و لا مجال لها بالفكاك ..
خلال هذه الدقائق القليلة ، كان يراقبها بتركيز ، حتي مد يده ، و قبض علي خصلة من شعرها ، و لفها حول إصبعه ..
أغمضت "هانيا" عينيها من النبرة الشرسة في صوته ، عندما أضاف:
-متصورة انتي ازاي عذبتيني طول الفترة اللي فاتت ؟ .. شهرين و انتي قاعدة هنا في بيتي ، معايا تحت سقف واحد ، قدامي و مش قادر اطولك .. ليـــه ؟؟
لفظ أخر كلماته بغيظ غاضب ، فإبتسمت هازئة و هي تقول:
-و هو انت سيبتني في حالي ؟ .. ما انت كسرتني و خدت كل اللي انت عايزه.
ثم إنفعلت أكثر ، و صاحت به:
-قولي ليه انت ؟ .. ليه عملت فيا كده ؟ انا عملتلك ايـ ...
أسكتها فجأة بقبلة جائعة و هو يضمها إليه بقوة .. سرت قبلاته مع لمساته في جسدها و كأنها صدمات كهربائية ..
فلم تستطع الحركة أو إبداء ذرة مقاومة عندما قبلها طويلا و بشدة و كأنه يعاقبها .. و بدت بلا حياة ، بلا أنفاس إلا ما أعطاها من غضب ..
إن الغضب يحتاج إلي وقود حتي يظل مشتعلا ، و لن تعطه أي وقود ..
و شيئا فشئ ، خفف الضغط الوحشي ، و رفع رأسه قليلا ..
ففتحت عينيها ، و حملقت في عينيه المظلمتين و هي تكتم أنفاسها .. كانت أنفاسه الدافئة تلفح وجهها ، و أخذ يتحسس بكفه شعرها الذهبي و يزيحه بعيدا عن خدها ..
ثم سألها بصوت أجش:
-ليه دايما مصممة تطلعي الوحش اللي جوايا ؟ .. انا بحاول جهدي ابقي كويس معاكي !
تمتمت "هانيا" بصوت مهزوم:
-بس انت اللي دايما يتكسب في الاخر.
و شعرت برجفة جسده القوي ، فأحست بنشوة إنتصار لأنها تمكنت من إثارته لهذه الدرجة ، بينما راح يقبل أطراف شعرها العسلي و هو يقول و كأنه قرأ أفكارها:
-يا تري بترتاحي لما بتحسي اني مابقدرش اسيطر علي نفسي و انا معاكي ؟؟
أحست طنينا في أذنيها و هي تهز رأسها بسلبية عصبية ، و تقول بصوت مرتجف أضعف الثقة في كلامها:
-لأ .. مش برتاح .. انا مش بطيق لمستك اصلا.
تنهد بثقل ، ثم أدار فمه ليلثم باطن ذراعها بعمق ، ثم تركها أخيرا ، و نهض ليجلب لها روب التجفيف ..
كانت قد بدأت ترتجف بالفعل ، و أزرقت شفتاها .. فطوي الروب علي معصمه ، و مد يديه و أوقفها علي قدميها ..
ساعدها علي إرتداء الروب ، فأسدلت أهدابها و تركته يفعل بها ما يشاء .. لكنه فقط ، أراد أن يساعدها علي تجفيف شعرها و جسدها لئلا تصاب بالرشح أو البرد ..
تنحي جانبا عندما إنتهي من مهمته ، فمشت هي بإرتخاء عائدة إلي المنزل مجددا .. لا ، بل إلي سجنها مجددا ...

************************************

مرت عدة أيام أخري ، تعاقبت خلالها الأحداث بحياة جميع الأفراد ..
جميعهم ، و لكن دون "شهاب" .. الذي بات في حيرة من أمره ، لا يعرف ماذا صنع لها حتي تجافيه بهذه الطريقة !
إن أخر لقاء لهما كان عشية يوم زفاف أخيه .. و لم يفعل هو شيئا يسيء لها ، بل العكس .. عاملها بكل ود و إحترام ، و أحسن ضيافتها ..
كانا في قمة الإنسجام ، و بديا متفاهمان إلي أقصي حد .. لم يذكر ثمة شيء صدر منه و ضايقها !
إذن لماذا لا تجيب علي إتصالاته ؟ لماذا لا تحضر إلي التدريبات المسرحية بالكلية ؟ لماذا تتعمد عدم رؤيته ؟ لماذا تتجاهله ؟ ماذا فعل ؟؟؟
شعر "شهاب" أنه سيجن من كثرة الأفكار المحشورة برأسه .. فهو ضائع منذ إختفت عنه بلا سبب ، بلا مبرر ..
لذا قرر أن يزورها بمنزلها و ليكن ما يكون ..
و ها هو الأن أمام بواية ڤيلا ( الطحان ) .. و من حيث هو جالسا داخل سيارته ، تعلقت عيناه بشرفة غرفتها ، في حين أجري الإتصال بها ، فلم ترد كما توقع ..
عند ذلك ، قرر أن يلقي بالكارت الرابح ، فبعث لها برسالة ، مضمونها كان .. " هاجر .. انا واقف بعربيتي دلوقتي قدام باب بيتك ، لو ما ردتيش عليا حالا هضطر ادخلك و يحصل اللي يحصل " ..
لم تخب خطته ، إذ خلال لحظات .. طلت "هاجر" من شرفة غرفتها ، و هي تهز رأسها في عدم تصديق ، في نفس اللحظة التي عاود "شهاب" الإتصال بها مجددا ، فأجابت:
-انت مجنون يا شهاب ؟ .. ايه اللي جابك هنا دلوقتي ؟؟
رد بصرامة و خشونة:
-مابترديش عليا ، مابتجيش الكلية بقالك اسبوع و اكتر .. قلت اجي اشوف فيكي ايه بنفسي !
كانا يتحدثا في الهاتف و هما ينظران إلي بعضهما البعض بالوقت ذاته .. بينما صمتت "هاجر" قليلا و هي في حالة صراع مع نفسها ..
قلبها لا يريد أن يتنازل عن حب ذلك الفتي الساحر ، السابح في ملكوت قلبها .. مهما إبتعدت عنه ، فقلبها لا يجيد الخداع ، ما زال يعشقه ..
نطقت "هاجر" أخيرا ، فقالت في حزن و مرارة:
-طيب لو سمحت يا شهاب .. امشي دلوقتي و هنبقي نتكلم.
-لأ !
هتف بلهجة قاطعة ، و تابع:
-مش همشي الا اما تنزليلي دلوقتي حالا و اكلمك وش لوش.
-انت بتهرج يا شهاب ؟ .. انت عارف الساعة كام دلوقتي ؟ .. الساعة عشرة !!
صاح بإنفعال:
-انشالله تكون عشرين !
زفرت "هاجر" في توتر ، ثم قالت بإستسلام:
-حاضر يا شهاب ، هنزلك .. حاضر.

***********************************

كان الليل قد بدأ يزدرد بقايا كسور المغيب ، عندما كانت تجلس "هانيا" جلسة هادئة أمام المدفأة في كرسي جلدي كبير ..
بدت ساهمة واجمة ، فجولة أخري راهنت عليها و خسرتها كالعادة .. الأن فقط ، آمنت أخيرا بقوته و دهائه ..
آمنت أنها لن تتمكن أبدا من هزيمته .. فهو المظفار دائما و أبدا ، هو وحده من ينتصر في كل مرة بطريقة ما أو بأخري ..
راحت "هانيا" في هذه اللحظات تستمع إلي صوت هسهسة الحطب في المدفأة ، و تخيلت قلبها يحترق ببطء كما ذلك الحطب تماما ..
بينما هو مسرورا ، و يحتفل بأخر إنتصاراته ، هي محرومة من لذة النوم ، من لذة الحياة ..
لا شك أنه أغبط لإستسلامها ، و أدرك أنه قضي عليها بالكامل .. فقد بدا ذلك واضحا جليا عليها منذ أيام ..
حين أدركت أن ما من فائدة ، و أنها لم تعد قادرة علي مقاومته ..
إذ تحطمت عزيمتها .. و تهاوت قوتها .. و سقطت شجاعتها ..
فلم تقدر حقا فعالية و كفاءة عقليته الفذة حق قدرها ، لقد نصب لها الألغام و الشراك ، و أستطاع أن يوقع بها في كل مرة دون جهد يذكر ..
أنه بينما إنتصر عليها بفضل قوته و ذكائه ، إذ بشراستها الأرستقراطية و نشاطها يضمحلا أمام سطوته الجبارة ..
حاولت "هانيا" قطع دابر أفكارها عند هذا الحد ، و لكنه هو من فعل ذلك بمنتهي السهولة عندما طرق بابها ، و ولج دون أن يحصل علي آذنها ..
لم تبدي "هانيا" إمتعاضا أو تبرما لتصرفاته كما كانت تفعل في الماضي ، فلم يعد يجدي هذا نفعا بعد الأن ..
علي الطرف الأخر .. أغلق "عاصم" الباب من خلفه ، و تقدم نحوها ..
كان ينظر إليها في آسف ، حقا آنه آسفا علي زيادة سوء حالتها النفسية ..
لذلك تركها طوال الأيام الفائتة ، و حرص علي عدم مضايقتها .. تركها تتمتع بحرية السكوت و الإنعزال ، علها تهدأ و لو قليلا ..
و لكن حدث العكس .. لذا هو آتي إليها الآن ، ليبوح لها بمكنونات صدره ..
لم تكن تنظر إليه عندما جلس في كرسي مجاور لها ، و قال بصوت هادئ ثابت:
-عايز اعترفلك بحاجة !

يتبع ...

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن