ظهر "توفيق علام" أمام "عاصم" من خلال الغبار الكثيف الذي أحدثه خلع الباب من إطاره ..
و لكن لم يكن "توفيق" بمفرده ، كان يرافقه شخص أخر ..
إستنتج "عاصم" من شدة التشابه بينهما أنه إبنه ..
و لكن علي كل ، لم يآبه كثيرا لهويته ، و عوضا عليه ..
راح يحدج العدد الذي أخذ يزداد داخل منزله في غضب ساحق ..
و مرت اللحظات الثقيلة ، المشحونة بالتوتر و الترقب و العدائية ... حتي بدأ "عاصم" بالكلام ..
فقال مغلفا صوته المرتفع بالحدة و الغلظة:
-يصح كده يا توفيق بيه ؟ .. جايبلي بلطجية يتهجموا عليا في بيتي بالشكل ده ؟؟
ثم حذره منتهجا العنف الضاري في إسلوبه و طريقة كلامه:
-احسنلك تاخد الناس اللي انت جايبهم دول و تمشي دلوقتي حالا ، بدل ما اتصرف معاك و معاهم تصرف مش هيعجبك ، امشي من فضلك قبل ما صبري ينفد !
لم يتكلم "توفيق" .. لم ينطق بحرف واحد ، إذ لأن "مروان" هو الذي ناب عنه في هذه اللحظة ..
حيث صاح بغضب ساخر:
-انت لسا عايز تقاوح يا صباغ ؟ .. نهايتك علي ايدينا الليلة دي ... ده بدل ما تترجانا نرحمك ؟؟؟!
رمقه "عاصم" بنظرات نارية ، في حين علا صوت تنفسه الثائر ، و شبت بأحشائه نيران مستعرة من شدة ما يحاول إدعائه من هدوء أعصاب ..............................................................
-ولادي !!
قالتها السيدة "هدي" و هي تهب من نومها مذعورة ..
كان كابوسا مزعجا .. سيئا جدا ، ضم ولديها ... كانا في خطر محتوم لم تستطع دحره عنهما ..
هناك فوق سفح جبل شاهق مرتفع ، إنزلقت قدم إبنها "شهاب" من علي الصخور اللينة المفتتة ..
و كاد يسقط ... لولا يدي أخيه اللتين أمسكتا به ..
تمسك "عاصم" بأخوه بكل ما أوتي من قوة ... آبي أن يتركه يسقط ، و مع محاولاته الغير مجدية لرفعه ..
زلت قدمه هو الأخر ، ليسقطا معا من فوق الإرتفاع المهـول !
ضغط الكدر و الغم علي حنجرتها ، شعرت بالحزن حتي البكاء و هي تهم بمناداة وصيفتها الخاصة ..
هتفت بإسمها ثلاث مرات و لا من مجيب !
أين ذهبت ؟ .. تساءلت ... تناولت هاتفهها الخلوي من تحت وسادتها ، فقد جلبه "عاصم" إليها خصيصا في حال إحتاجته أو أرادت رؤيته فيأتي لها ..
و بحذر و بطء ، فتحته ..
بحثت عن رقم إبنها البكر ، فوجدته ... أجرت الإتصال به ..
و إنقطع الإرسال .. فأعادت المحاولة مرة ثانية ، و ثالثة ، و رابعة ..
ليزداد قلقها ... لماذا لا يجيب "عاصم" علي إتصالاتها ؟ .. لم يفعل ذلك من قبل !!............................................................
بادله "مروان" نظراته النارية بنظرات أخري متحدية ، ثم سأله بلهجة إستفزازية هادئة:
-فين هانيا ؟ ... لو مش حابب تتآذي كتير ، وفر علي نفسك شوية من اللي هتشوفه علي ايدي انا شخصيا و هاتلي بنت عمي هنا حالا !
رد "عاصم" بفحيح متوحش:
-محدش فيكوا يقدر ياخدها مني ... هانيا ملكي ، و اللي عنده الشجاعة يتخطاني و يوصلها ؟ .. يجرب و يوريني شطارته.
و هنا ، تكلم "توفيق" أخيرا ..
فقال و هو يرعد و يضخم في صوته الحانق:
-ملكك ؟ ... مين دي اللي ملكك ؟ .. انت صدقت نفسك ؟ .. يعني تكون سبب في موت ابوها ، و سارقها و عايزها توافق تبقي ملكك ؟؟؟
ثم أنذره رافعا إليه سبابته:
-اسمع ... انت لو فاكر ان الموضوع تهويش او هزار المرة دي تبقي حسبتها غلط ، انا مش هتنقل من هنا الا و بنت اخويا في ايدي.
-و انا مش هتنقل من هنا الا اما اشوف دمه سايح قدامي !
قالها "مروان" بغل عظيم ، ثم أشار للثلاثة رجال أصحاب الأجساد العملاقة ، و الذين آتي بهم من أجله هو بالأخص ..
لبوا آمر "مروان" و هموا بالإنقضاض عليه ... إلا أن "عاصم" أوقفهم حين سحب سلاحه من غمده في لمحة ، و أشهره في وجوههم جميعا و هو يزمجر بعنف:
-ارجع مكانك انت و هو ... انا لو فرغت خزنة السلاح ده في جتت اللي مآجرينكوا مش هاخد فيهم يوم .. دول ناس همج جم يتهجموا عليا في بيتي و عايزين ياخدوا مراتي مني !
بُـهت كلا من "توفيق" و "مروان" عند سماع هذا ...
فأضاف "عاصم" بكياسة ، و لكن بحدة ملحوظة أيضا:
-انا اتجوزت هانيا من حوالي شهرين و نص يا توفيق بيه .. بنت اخوك بقت مراتي رسمي ، لو عايز تشوفها و تشوفك انا ماعنديش مانع .. لكن امور البلطجة و فتحة الصدر اللي داخل عليا بيها دي ماتكولش معايا ... انا لحد دلوقتي عامل حساب صلة القرابة اللي بينك و بينها !
وقفا "مروان" و "توفيق" في تحفز ، يتبادلان نظرات التردد و التساؤل ..
و بغتة ، سمع "عاصم" صوت أمه ينادي بأسمه عبر مسافة بعيدة من الطابق العلوي ..
فبصورة تلقائية ، حيد بوجهه عنهم لوهلة ..
وهلة ... و لكنها كانت كافية لإندفاع الثلاثة رجال نحوه مرة واحدة ..
صحيح أنهم هجموا عليه بصورة مفاجئة ، لكنه كان متآهبا لفعل مثل هذا ..
حيث تلقي منه الرجل الأول ركله عنيفة في منتصف صدره .. آلمته بشدة ..
و تفادي "عاصم" لكمة الرجل الثالث ، و إستدار ليلكمه في معدته بقوة ، ثم يعقبها بأخري في فكه السفلي ..
تمكن من سلاحه مرة أخري ، و كاد يطلق منه الرصاصات تجاههم ..
لولا ذاك الذراع الذي إلتف حول عنقه ليعيقه كليا ..
شعر بنفس الشخص يمد يده الأخري ، و يضرب معصمه بأحد أعمدة المنزل المصقولة ..
ظل يضرب ، و يضرب بقوة حتي أطاح السلاح بعيدا عن يد "عاصم" المتآلمة ..
و في ثانية ، أصبح "عاصم" أعزل تماما ..
و بالرغم من ذلك صمد ، و لكنه مهزوم ... فقد إلتم عليه الثلاثة دفعه واحدة ، و أحاط أحدهم بذراعيه من الخلف ليشل حركته ..
و أثناء مقاومة "عاصم" لهم ... لكمه الثاني في وجهه لكمة شديدة أسالت خيط رفيع من الدماء علي حافة فمه ..
مما ضاعف من غضب "عاصم" و قوته في آن ..
و قبل أن يسدد العملاق اللكمة الثانية له ، عاجله "عاصم" بركله قاسية في معدته جعلته ينحي و يئن متآلما ..
إستشاط "مروان" غيظا من دهائه و مثابرته ، بل و من شجاعته و قوة بأسه الفولاذية ..
فتقدم صوبه و هو لا يزال مكبلا من ذراعيه من قبل الرجل الضخم خلفه ..
إقترب منه حتي لفحت أنفاسه الملتهبة بالغضب وجهه المشوه ، و غمغم بشراسة:
-انرل علي ركبك ... اركع يا صباغ !
بثبات ، رد "عاصم" في صوت آجش:
-لسا ماتخلقش اللي يخلي عاصم الصباغ يركع يا شاطر.
باغته "مروان" بوجه مظلم:
-لا اتخلق ... و واقف قدامك اهو ، و هتركع يا صباغ.
عند ذلك ... تسللت إحدي الخادمات خلسة إلي الطابق العلوي لتخبر "هانيا" عما يدور هنا ..
علها تفعل شيئا لسيدها الذي بات في خطر حقيقي !
كان بقية أفراد الخدم ، يقفون يشاهدون ما يحدث لـ"عاصم" مكتوفي الآيدي ..
ليس بيدهم شيئا يفعلوه ، بينما "مروان" يبدأ بتكييل اللكمات القوية له ..
فكان "عاصم" الصامد الساكن ، يتلقي ضربات "مروان" بقوة و جلد و صبر ..
و لكن للآسف لم يدم صموده كثيرا ..
حيث مادت الدنيا به ، و لم يعد يشعر بنفسه إلا و هو يسقط علي ركبتيه فعلا !!!
إنها الهزيمة ... "عاصم" تحت سيطرة الثلاث رجال ، في نفس الوقت يفحمه "مروان" بركلة قوية في فكه قذفت بالدم الغزير من فمه ..
و في غمرة جنونه ، إنحني صوبه قليلا متآملا إياه في غيابه النصفي عن العالم حوله ، و رؤيته المشوشة !
ثم مد يديه ، و أمسك برأسه ، و أجبره علي النظر إليه مستكملا في شبه همس:
-زي ما خليتك تركع كده .. هاخد منك هانيا ... لأ و مش كده و بس .... انا هطلقها منك ، مش بتقول اتجوزتها ؟ .. هطلقها منك ؟؟
و بإبتسامة عريضة و لهجة شامتة ، قال مضيفا:
-و هتجوزها انا ! .. انا مش عارف اصلا انت ازاي متخيل انها ممكن تقبلك ؟ .. ده بعيدا عن التار اللي بينكوا ، انت مابتبصش لوشك في المرايا و لا ايه ؟؟
إرتعد "عاصم" و تآجج جسده نارا محرقة ، فحاول أن ينهض لمواجهته ، و لكن عبثا ..
فقد كان مسلوب القوي و الإرادة بصورة مخزية آلمته في صميم نفسه ..
-مـرواااااااااان !!!
تجمد المشهد تماما في هذه اللحظة بعد صوت "هانيا" الصادح ، و الذي شق الأجواء بقوته ...يتبـــع ...