إختلج قلب "توفيق" لحظة وقعت عيناه عليها ..
و للحال ، هرول صوبها ملهوفا ... فأمسك بكتفيها و هو يرهف النظر فيها بمنتهي الحبور و الإشتياق ، ثم يقول:
-هانيا .. يا حبيبتي ... ياااااه ، انا مش مصدق عنيا ! ... كنت فاكر اني مش هشوفك تاني .. بس ماتقلقيش ، انا معاكي دلوقتي و هاخدك من هنا .. محدش هيقدر يبعدك عني او ياخدك متي تاني.
لم تكن تسمعه ... كانت لا تزال ترمق "مروان" شزرا ، فقد آثار منظر "عاصم" الواهن الدامي جنونها ، حيث كان فاقدا الوعي الذي جاهد ليكتبسه خلال تلك المحنة القاسية ، بينما تركوا الثيران البشرية جسده يتردي ليسقط مصطدما بالأرض ..
أزالت "هانيا" عنها يدي عمها ، و إنطلقت نحو إبنه كالرصاصة و هي تجآر بصوتها في غضب:
-ايه اللي بتعمله ده يا مروان ؟ .. جايب لمين البلطجية دول ؟ .. و ليه ؟؟؟
حملق "مروان" فيها مشدوها من هذا الهجوم الشرس الذي شنته ضده فجأة ، و ردد ذاهلا:
-البلطجية دول انا جايبهم عشانك يا بنت عمي .. عشان اخرجك من هنا و اخدلك حقك من الكلب ده !
و أشار برأسه نحو جسد "عاصم" الساكن فوق الأرض ، ثم سألها:
-ابقي غلطان ؟؟؟!
-اه غلطان !
هتفت غاضبة و هي تستقبح عذره البغيض ، و أردفت بسخرية:
-دلوقتي اصلا افتكرت اني بنت عمك ؟ .. كنت فين من الاول ؟ ... انا مش جيتلك قبل كده و لجآتلك ؟ .. عملتلي ايه ؟ و لا حاجة .. بالعكس انت كنت انسان ابعد ما تكون عن ابن عمي او الغريب حتي ... فاكر ؟ .. فاكر قولتلي ايه يا مروان ؟؟؟...........................................................
-عارفة انا رفعت علي ابويا قضية الحجر ليه ؟ ... عشان بطيبة قلبه كان عايز يغرف من فلوسنا و يساعد ابوكي في المطب اللي وقع فيه و جابه الارض ..
ابوكي اللي يوم ما اغتني فجأة بقدرة قادر مافكرش يمد ايده بالمساعدة لاخوه ... فتفتكري بقي دلوقتي اني كنت هسمح لابويا يدي مليم واحد لابوكي ؟؟؟
لم تستطع إخفاء غضبها بعد سماعها كلامه الفظ ، لكنه إستمر يتآمل محياها الثائر و شفتيها المرتجفتين متلذذا ..
ثم قال بنبرة خبيثة خافتة:
-بس علي اي حال انا مستعد اساعدك يا هني .. شقتنا القديمة اللي في المهندسين فاضية ، ايه رأيك تقعدي فيها و ابقي اجي اقضي معاكي يومين كده كل فترة ؟؟
إشتعلت زرقة عينيها و هي ترمقه بنظرات نارية حارقة ، فرفعت كفها و همت لتهوي به علي خده و هي تهدر بعنف:
-يـا حيـوااا ...
و لم تستطع أن تكمل ..
إذ أمسك بمعصمها ، و جمدها دون جهد يذكر .. ثم نظر إليها بعينين واسعتين متفحصا إياها بجرأة و هو يقول بإسلوبه الوقح:
-ايه يا هني ! .. مالك بس يا حبيبتي ؟ انتي زعلتي و لا ايه ؟ ... انا مش قصدي و الله ، بس صعبان عليا الجمال ده كله يتبهدل علي اخر الزمن او يتمرمط في الشوارع و علي عالرصفة .. يعني انا اولي يا حبيبتي ، مش بيقولوا جحا اولي بلحم توره ؟؟!
دفعته عنها بعنف ، و هي تحدجه بنظرات مشتعلة من الغيظ و الإحتقار ، و صاحت:
-القذارة حاجة مش جديدة عليك يا مروان !
أفتر ثغره عن إبتسامة مرحة و كأنها إمتدحته بإطراء ، فشكرها قائلا:
-الله يحفظك يا حبيبتي شكرا.