لدقيقة كاملة تقريبا ، ظلت "هانيا" تحدق ذاهلة في "عاصم" الذي وقف أمامها هادئا واثقا واضعا كلتا يديه في جيبي سرواله ..
كان يبتسم إبتسامة إستفزت كل ذرة من مشاعرها ، بينما لمح إهتزاز طفيفا في عينيها الزرقاوين ، و كأن رؤيته المفاجأة قد مست شيئا من دفاعتها مما جعل إبتسامته المستفزة تتسع أكثر ..
قطع الضابط هذا الجو المشحون بالتوتر و العداء عندما نهض قائلا:
-طيب انا هسيبكوا شوية مع بعض .. عن اذنكوا.
و غادر المكتب ليتيح لهما فرصة الكلام بحرية ..
فيما ظلا لثوان كل واحد منهما يقف في مواجهة الأخر ، كالنار .. كانت تشتعل "هانيا" .. و كالجليد .. كان "عاصم" هادئا و باردا ..
إلي أن قالت "هانيا" بصوت مختنق لفرط حنقها:
-ليك عين تواجهني يا حقير ؟ جاي لحد عندي هنا عايز ايه ؟ عايز تشمت و تتشفي فيا ؟ اشمت براحتك .. بس يكون في علمك ، انا هخرج من هنا ، عمي هايخرجني و انت لوحدك اللي هتترمي مكاني في السجن.
فشلت محاولتها الدفاعية الشرسة حين قهقه "عاصم" بسخرية أجفلتها بتوتر ثم قال في رقة هازئة:
-انتي ماتعرفيش طريقتك العدوانية دي عاملة فيا ايه ! من زمان اوي محدش اتحداني و وقف قصادي كده !!
تألقت أسنانه الناصعة وسط بشرته البرونزية ، فيما إستدار و خفض جسمه الصلب جالسا برشاقة فوق الآريكة الجلدية السوداء ..
ثم تنفس بعمق و هو يبتسم متجاهلا تلك النظرة النارية التي رمته بها ، ثم تأملها في هدوء من رأسها إلي أخمص قدميها قائلا بصوت عذب:
-انا جاي اعرض عليكي اتفاق.
أزعجتها نظراته المتفحصة لها و المفعمة بالجرأة ، و شعرت أنه مسرور بتلك الهيئة المزرية التي ظهرت عليها ، لكنها هزت رأسها في عصبية و قلصت قبضتيها في غضب قائلة بصرامة:
-انا و انت مش ممكن نتفق علي حاجة يا .. يا عاصم بيه .. مستحيل.
تجاهل عبارتها اللاذعة و قال في تكاسل:
-انا اقدر اخرجك من هنا بمنتهي السهولة يا هانيا.
رفعت "هانيا" حاجبيها في دهشة ، و إندفعت تسأله حائرة:
-ازاي ؟ و ليه ؟ بعد ما رمتني هنا بإيدك هطلعني تاني ! ليه ؟؟
بدا قريرا و هو يتنهد مبتسما في إنتصار ، ثم أجابها بنعومة خبيثة:
-اوعدك .. هخرجك من هنا ، لو نفذتي شروطي اللي هقولك عليها دلوقتي.
و هنا تجمدت "هانيا" بمكانها .. إتضح لها الأن السبب الذي من أجله جاء إليها ، و سينطق بالكلمة في أي لحظة ...********************
إنكشف أمرهما ، وضبطا عرايا ..
ظلت "دينار" لعدة دقائق علي حالة الصدمة المصحوبة بالذهول و عدم التصديق و هي تحدق بذلك المنظر المخزي و المشين بكل المقاييس ، حيث كان إبنها و خادمتها فوق الفراش المبعثر بفوضوية مما يفسر مدي شراسة المعركة التي خاضاها معا ليلة أمس ..
أفاقت "دينار" من صدمتها بصعوبة بالغة ، ثم ركضت صوب إبنها صارخة و هي تضرب ظهره بقضبتيها بقوة عندما وصلت إليه:
-يا سافل يا حيواان ، عملت ايه ؟ الله يلعنك يا كلب.
بدون مقدمات فتح "مروان" عينيه فجأة علي إثر صراخ أمه الهستيري ، لهنيهة أستغرب ما يدور حوله ، ثم هب جالسا كالمصعوق و هو يحاوط جسد "حنة" العاري بذراعيه و حاول تغطيتها بالملاءة ، فيما أدار رأسه لمواجهة أمه ، و قال بتوتر متلعثما:
-مـ ما ماما ! خـ خليني افهمك انا آاا ...
-تفهمني ايه ؟؟
و هنا إستيقظت "حنة" فجأة بدورها علي إثر صياح "دينار" المجلجل ، فإنتفضت مذعورة و شدت الملاءة محاولة إخفاء ما ظهر منها ترتجف خوفا و رعبا في جميع أنحاء جسدها ..
لقد إنكشف المستور ..بسبب إنغماسها في النوم المغر بأحضان "مروان" أسوأ ما كانت تخشي حدوثه وقع الأن علي حين غرة دون سابق إنذار ، و لا شك أن زوجها سيعرف و الأن بوجودها طوال الليل في غرفة "مروان" و عندها لن يتورع أبدا عن قصف عنقها و لن يقوي علي ردعه أي مخلوقا كان ..
لا شعوريا راحت "حنة" تلطم خديها باكية و هي تحدق بـ"دينار" التي لا تزداد إلا غضبا و إنفعالا ..
بينما صرخت "دينار" بوجه إبنها في عنف:
-عايز تفهمني ايه يا كلب ؟ ابني في اوضة نومه علي سريره مع الخدامة و عريانين ! عايز تفهمني ايه اكتر من كده ؟؟!
تساقط الغطاء حتي أسفل خصر "مروان" مكشفا عن صدره العاري النامي العضلات ، فيما حاول تكوين جملة مفيدة في أوج إرتباكه المتفاقم فقال بنبرة مرتعشة:
-انا و حنة بنحب بعض يا ماما !
لوهلة أصيبت "دينار" بالخرس التام .. فلو قال أنه يحب فتاة علي سطح القمر لما بدت أكثر دهشة !
لكنها عادت تصرخ فيه و قد تحول وجهها إلي لون قرمزي ، كما كانت عيناها تتوهجان بلهيب الغضب:
-حب ايه يا سافل يا قذر ؟ وصل بيك الاستهتار للدرجة دي ؟ و مع مين ؟ مع الخدامة يا حيوان ؟؟!
ثم زاغت بعينيها و قالت بشحوب و هي تغطي فمها المرتعش بكفيها:
-ده لو جوزها عرف ! هايقتلك و يقتلها .. الله يلعنك ، الله يلعنك.
ثم دارت حول الفراش راكضة نحو "حنة" و بمنتهي القسوة و القوة ، مدت يدها و قبضت علي خصيلات شعرها المشعث ، ثم إنتزعتها إنتزاعا من فوق الفراش و راحت تموج بها في الهواء بوحشية و هي تهتف بإهتياج وسط صراخ "حنة" الحاد:
-اه يا حقيرة يا سافلة .. سلمتيله نفسك ، مرغتي شرفك في التراب يا واطية ، فضحتي نفسك و ضعتي ! و يا ريتك ضعتي لوحدك انما ضايعتي ابني معاكي يا ****.
ثم سددت لها صفعة عنيفة صرخت "حنة" بألم علي إثرها ، فصاح "مروان" غاضبا و هو يرتدي سرواله الداخلي من تحت الغطاء ليستر عريه ، ثم ينهض متجها نحوهما:
-ايه اللي بتعمليه ده يا ماما ! سيبيها.
و إلتقط الملاءة من فوق الفراش ، و إجتذب "حنة" من معصمها بقوة ، ثم لف جسدها العارٍ بالملاءة ، و أوقفها خلف ظهره ليحميها من بطش أمه العنيف ، ثم قال بصرامة و دون أن يطرف له جفن:
-اوعي تاني مرة تمدي ايدك علي الست اللي هتبقي مراتي.
تلقت " دينار" صدمة أعنف بكثير هذه المرة ، فلم تشعر بنفسها إلا و هي تصفع "مروان" بعنف هو الأخر ، ثم تنشب أظافرها الحادة في صدره صارخة بهسترية:
-انت اتجننت يا كلب ! يا حيواان ، ربنا ياخدك و يريحني منك ، عملنا فيك ايه عشان تعمل فينا كلنا كده ؟ عملنا ايييه ؟؟!
في تلك اللحظة ، أتت "رضوي" مهرولة بعد أن تناهي ألي سمعها أصوات عالية تنبعث من العلية الأولي ..
تطلعت لاهثة في الوجوه الثلاثة ، محاولة إستيعاب ذلك المنظر الغريب علي الإطلاق ، ثم شهقت مرتعدة و حبست أنفاسها برئتيها عندما إستطاعت تفسير الأمر ..********************
يتبع